كوارث الطبيعة تكشف خلل السياسات!!

18 سبتمبر 2023
18 سبتمبر 2023

إذا كانت منطقة الشرق الأوسط بوجه عام والمنطقة العربية بوجه خاص قد عانت على مدى العقد الأخير ولا تزال تعاني من مشكلات متعددة اقتصادية وسياسية واجتماعية عديدة، معقدة ومتداخلة، فإن التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية قد زادت على نحو ملحوظ في السنوات الأخيرة، وفي ظل تعدد وتنوع وتقاطع أسباب المشكلات، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ما تتعرض له المنطقة العربية من مشكلات وكوارث طبيعية هو أمر طبيعي يعود إلى التغيرات المناخية التي يزداد تأثيرها قوة ووضوحا على مناخ المنطقة وحياة شعوبها على نحو مطرد أكثر من ذي قبل باعتبارها ظاهرة عالمية على مختلف مناطق العالم؟ أم أن هناك عوامل ومؤثرات أخرى ساهمت وتساهم في التهيئة لما يحدث من مشكلات وزيادة حدتها؟ وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى بعض العوامل لعل من أهمها:

أولا: إنه مع الإيمان والتسليم بأن ظواهر الكون كلها التي خلقها الله تعالى ويسيّرها بحكمته وقدرته وقضائه ورحمته سبحانه هي في النهاية جنود مسيّرة وفق النظام الكوني الذي خلقه الله تعالى، الذي أوجد من خلاله لكل شيء سببا فإنه لا شيء يأتي صدفة، بل إن كل شيء بقدر وبإرادة الله سبحانه وتعالى، حيث تتكفل الأشياء بتفسير بعضها بعضا وعلى نحو يدل على عظمة الخالق وقدرته سبحانه وتعالى، وبالتالي فإن الظواهر الطبيعية المناخية والكونية على اختلافها ليست ظواهر منفصلة ولا منعزلة عن بعضها بعضا بشكل كامل أو مطلق ولا هي ظواهر محايدة في ذاتها، بل إن الكون كله في تفاعل دائم ومستمر، سواء أدركنا نحن ذلك أم لم ندركه وأيا كان المدى الذي نصل إليه بفضل ما يمكن أن نحققه من علم أو في مجال ما.

وإذا كانت الظواهر تفسر بعضها البعض، وتكشف عن الأسباب والمسببات الكامنة وراء بعضها البعض في إطار المنظومة الربانية، فإنه لا يمكن أن نلقي بمسؤولية الأحداث أو بعضها على كاهل الظواهر الطبيعية أو المناخية لكي نريح أنفسنا أو لنتخلص من عبء المسؤولية التي يتحمل الإنسان نصيبا منها بالضرورة.

وفي ظل الإعصار «دانيال» الذي ضرب ليبيا فجر الأحد العاشر من الشهر الجاري وتركزت معظم أضراره على المنطقة الشرقية -إقليم بنغازي- وخاصة مدن درنة وسوسة والمرج وطبرق والبيضاء، فإن مدينة درنة التي شهدت عديدا من الأعاصير بحكم موقعها منذ أربعينات القرن الماضي كانت هي الأكثر تضررا، خاصة أنها تقع على وادي درنة كما إنهار السدان اللذان بنيا بها لحمايتها من الفيضانات والسيول منذ سبعينات القرن الماضي، مما زاد من تدفق المياه وتم جرف نحو أربعين في المائة من مساحة المدينة بما عليه من سكان ومنشآت في اتجاه البحر وإحداث حالات دمار كارثية وواسعة النطاق حسبما قال هشام شكيوات وزير الطيران المدني في الحكومة المعينة من البرلمان الليبي الذي قال إن «الجثث في كل مكان والأمر كارثي للغاية» وبينما قالت منظمة الصحة العالمية إن «ليبيا تمر بأزمة غير مسبوقة» وأن جميع المتضررين الذين يقدر عددهم بنحو 1.8 مليون شخص في «حاجة ماسة إلى كل أشكال الدعم العاجل والخدمات الصحية الأساسية والتدخلات المنقذة للحياة» حسبما قال أحمد المنظري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، فإنه بالرغم من أن الزلزال الذي ضرب المملكة المغربية الشقيقة وهو الأكثر فداحة منذ عام 1960 من حيث عدد القتلى والأقوى الذي تعرضت له المغرب منذ نحو ستين عامًا وراح ضحيته نحو ستة آلاف قتيل وجريح، فقد تزامن معه وقوع سيول وعواصف شديدة في إقليم «ميدليت» شرق المغرب وذلك يوم الجمعة الماضي، مما زاد من الأضرار التي شهدتها مدينة «وجدة» المغربية، غير أن الوضع مختلف بين المغرب وليبيا من حيث مدى الأضرار وسبل التعامل معها والقدرة على حشد إمكانات للتعامل معها ومحاولة التخفيف من أضرارها الفادحة في كل من البلدين بسبب عوامل وأسباب خاصة بكل منهما.

ثانيا: إنه في الوقت الذي اتسمت فيه الإدارة المغربية للأزمة بالتنظيم وسرعة الاستجابة والرغبة في الاعتماد على مساعدات من 4 دول محددة شقيقة وصديقة ورفضت المساعدات من الجزائر بسبب الخلافات بينهما وتركت الباب مفتوحا أمام قبول مساعدات أخرى حسبما تحتمه احتياجاتها في ضوء الخسائر، فإن ضخامة الكارثة في ليبيا وظروفها فرضا عليها منذ البداية طلب المساعدات من العالم.

وإذا كان من المؤكد أن الأمر لا ينطوي على أي نوع من المقارنة، لا في الظروف ولا في الإمكانيات ولا الإدارة بين المغرب وليبيا، فإن الكارثة في كل منهما كشفت مرة أخرى هشاشة البنية الأساسية في الدول العربية وخاصة في المناطق القروية والجبلية والنائية، وهي سمة كشفتها من قبل جائحة كورونا ويؤكد ذلك ارتفاع عدد القتلى في درنة وحدها إلى ما يتجاوز 11300 قتيل وما يقدر بنحو 20 ألف مفقود إذ أن الحجم الحقيقي والنهائي للخسائر ليس محددا بشكل نهائي بعد، وبينما وصف عثمان عبدالجليل وزير الصحة الليبي الوضع في درنة بأنه «مخيف» قال سالم الفرجاني المدير العام لجهاز الإسعاف والطوارئ شرق ليبيا: تم إخلاء مدينة درنة وإغلاقها من أجل تسهيل عمليات البحث والإنقاذ والتعامل مع مشكلات تكدس الجثث في الشوارع وصعوبة دفنها بسبب نقص أكياس الجثث ومعدات الدفن ومن ثم تم اللجوء إلى الدفن في مقابر جماعية لنحو ألف من الضحايا، وهو ما دعا أكثر من منظمة إنسانية دولية إلى الدعوة لوقف دفن الضحايا في مقابر جماعية والحرص على الدفن في مقابر فردية وتوثيق ذلك احتراما للضحايا وتجنبًا لمشكلات كثيرة لذويهم.

ومع الوضع في الاعتبار مشكلة الضحايا من العرب العاملين في ليبيا ومنهم مصريون وفلسطينيون ولبنانيون وتونسيون وغيرهم، فإن مشكلة عشرات الآلاف من المفقودين تفرض نفسها هي الأخرى في درنة وعدة مدن ليبية أخرى خاصة في ظل نقص معدات البحث وانتشال ونقل الجثث التي يهدد استمرار تناثرها في الشوارع بانتشار الأمراض والأوبئة وزيادة تفاقم المشكلة في درنة والمدن الأخرى.

وإذا كان عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي قد أعلن عن تخصيص عشرة مليارات دينار ليبي لمواجهة الأزمة، إلا أن ما ذكره من «إمكانية معالجة الوضع خلال ستة أشهر» هو أمر فيه كثير من عدم الواقعية برغم تدفق المساعدات والتي يحد من انسيابها أنه لم يعد هناك سوى منفذ بري واحد لدخول المساعدات إلى درنة وأن السفن التي يمكن أن تدخل حوض مينائها لا ينبغي أن يزيد غاطسها عن ستة أمتار ونصف المتر وهو ما يقلل من قدرتها على حمل مساعدات أكثر.

ومع التقدير للمساعدات التي تدفقت على شرق ليبيا، سواء من دول الجوار أو من المدن الليبية الأخرى، إلا أن النقطة التي التقى عليها الجميع، بما في ذلك المنظمات الخارجية هي أن الإهمال والفشل الإداري وعدم الاهتمام بالبنية الأساسية في مختلف المناطق الليبية ، وإهمال التنمية الحقيقية المفيدة للمواطن الليبي والتنازع على المناصب والانقسام، وبالطبع نهب موارد ليبيا من عائدات النفط، وحتى تبديد أموال صيانة السدود الليبية التي انهارت في درنة وزادت من الكارثة، كل تلك المشكلات والخطايا ينبغي أن تحظى باهتمام جادٍ من أجل حل مشكلة الانقسام والصراع في ليبيا والتوقف عن استغلال الكارثة والتجارة بها لخدمة مصالح فردية محددة ومعروفة وترك المواطن الليبي ليواجه مصيره معتمدا على المساعدات برغم توفر الأموال التي يصعب حصرها أو السيطرة عليها لأسباب عديدة فهل تكون الكوارث مدخلًا لتعامل صحيح وأمين مع مشكلاتنا ومتطلبات النهوض بأوطاننا؟.