قمة الدوحة الخليجية وتحديات المرحلة

05 ديسمبر 2023
05 ديسمبر 2023

مع ظهور هذا المقال تكون القمة الرابعة والأربعون لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في العاصمة القطرية الدوحة قد أنهت أعمالها بصدور البيان الختامي الذي سوف يشكل عمل المجلس في المرحلة القادمة.

الاثنين الماضي نظمت الأمانة العامة لمجلس التعاون وتلفزيون قطر سهرة تلفزيونية بمشاركة عدد من المفكرين وقادة الرأي والإعلاميين والمبدعين، وكان الحوار يدور حول أهمية تعزيز دور مجلس التعاون الخليجي في مرحلة التحديات الحالية، وهي تحديات كبيرة خاصة على الصعيد الجيوسياسي. أجمعت تلك الكوكبة الخليجية من خلال النقاش والحوار الذي امتد لساعات في استوديو خاص بحديقة متحف الفن الإسلامي الجميلة في الدوحة، على أن مصير المنطقة واحد، وأن الجغرافيا والتاريخ المشترك، وكل ما يجمع أبناء هذه المنطقة يحفز على مزيد من التنسيق والوحدة والتكامل الاقتصادي وبناء الهوية الوطنية من خلال جملة من الخطوات الجادة لعل من أهمها التنسيق في مجالات القوة الناعمة التي تعد إحدى الأدوات القوية التي تملكها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، خاصة القوة الاقتصادية والدبلوماسية والحوار وتقديم المنطقة كمنطقة السلام والتسامح وحل الأزمات الإقليمية من خلال فلسفة الدبلوماسية.

إن مجلس التعاون الخليجي يواجه جملة من التحديات، خاصة على الصعيد السياسي ومستقبل المنطقة في ظل الصراعات والحروب وفي مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي، وما يدور من أحداث مؤلمة في قطاع غزة، وفي عموم فلسطين المحتلة. كما أن التحديات في مجال التقنية ومستقبل الأجيال الجديدة والثورة الصناعية الرابعة وقضايا الهوية الوطنية والتدفق السريع للمعلومات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي علاوة على الأمن الجماعي للدول الست كلها تحديات طرحت خلال تلك الندوة القيمة من خلال رؤية مشتركة تحلل أهمية الانتقال بالعمل الخليجي المشترك إلى مستوى أكبر قياسًا بتلك التحديات.

لقد صمد مجلس التعاون الخليجي في مواجهة تحديات كبيرة خلال العقود الأخيرة، منها الحرب العراقية ـ الإيرانية، والاجتياح العراقي لدولة الكويت والغزو الأمريكي للعراق وحتى على الصدمات النفطية، وأخيرًا الأزمة الخليجية وحرب اليمن، والآن المواجهة الاستراتيجية بين المقاومة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي. ومن هنا، فإن هناك حاجة لمزيد من اللحمة الواحدة والتنسيق في المواقف السياسية وتحصين الهوية الوطنية والحرص على خطاب إعلامي موضوعي وشفاف يتماشى مع تحديات المرحلة.

إنَّ الرؤى الخليجية متطابقة في كثير من القضايا، وهناك تطور نوعي على صعيد التعاون الاقتصادي وفي مجال التعليم وفي مجال ربط الكهرباء والماء وفي توحيد عدد من التشريعات والقوانين، ومع ذلك هناك طموحات كشف عنها حوار الدوحة التلفزيوني من خلال جملة من الأمور التي تحتم على الدول الخليجية أن تكون حاضرة فيها من خلال استثمار رجال الفكر والعلم والباحثين ومراكز البحوث الاستراتيجية للوصول إلى رؤية مشتركة حول جملة الأهداف الوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي.

إن نسبة السكان من الشباب في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عالية، تقترب من ستين بالمائة، وهناك تحديات حقيقية أمام الأجيال الجديدة في مجال التحكم في المعلومات المضللة المتدفقة من منصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تشكل هاجسًا للتربويين وقيادات المجتمع المدني، ومن هنا، فإن المشهد الخليجي يحتاج إلى جهود كبيرة في مجالات حيوية تعد جزءًا من الاستراتيجية الأمنية والوطنية وكسياج لحماية الأجيال الجديدة.

لقد أصبح مجلس التعاون الخليجي قوة سياسية واقتصادية مهمة على الصعيد الدولي، وهناك تأثير سياسي كبير لهذا التكتل الخليجي خاصة على الصعيد الاقتصادي في ظل الموقع الاستراتيجي للمنطقة، حيث البحار المفتوحة ووجود أحد أهم الممرات البحرية وهو مضيق هرمز، حيث يتم تصدير الطاقة إلى الغرب والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى في آسيا، كما أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تقود وساطات مهمة لإيجاد حلول سياسية وخفض التصعيد كما حدث مع الدبلوماسية العمانية في الملف النووي الإيراني، وتجنيب المنطقة مخاطر الحرب وعدم الاستقرار بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ونرى الآن الدور المحوري لدولة قطر الشقيقة على صعيد بذل الجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، علاوة على جهود بقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عدد من القضايا الإقليمية، وفي مجال المناخ والطاقة المتجددة، وفي مجال الهيدروجين الأخضر. ومن هنا، فإن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أمام مرحلة تحديات حقيقية تحتاج إلى جملة من الخطوات، وهناك لا شك حراك سياسي وتنموي تشهده الدول الست. وتبقى القمم الخليجية محطات حيوية لتنشيط العمل الخليجي بما يعزز مكانة دول المجلس وأيضا ترسيخ مبدأ التعاون الخليجي لما يعود بالخير والتقدم والازدهار على شعوب المنطقة، وأكدت الندوة التلفزيونية في الدوحة على الترابط التاريخي والاجتماعي منذ عقود، لتظل تلك الأسس الراسخة خطوة كبيرة في مزيد من الانطلاق لأحد أهم التكتلات العربية التي تواصل النهج السياسي الموضوعي والحرص علي الدفع بالطموحات إلى الأمام.