قاطرة التعاون العماني السعودي تفرض نفسها

06 ديسمبر 2021
06 ديسمبر 2021

التعاون والتكامل الحقيقي بين سلطنة عمان والسعودية كان وسيظل قاطرة للتعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون، ولدول شبه الجزيرة العربية والمطلة على الخليج؛

في الوقت الذي تشكل فيه المملكة العربية السعودية الركيزة الأساسية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولدول شبه الجزيرة العربية بوجه عام، فإن سلطنة عمان شكلت وتشكل حجر الزاوية لكل تعاون مثمر ومفيد بين دول مجلس التعاون بوجه خاص، وبين دول شبه الجزيرة العربية بوجه عام، وذلك لاعتبارات ومعطيات كثيرة ومتنوعة بالنسبة للدولتين الشقيقتين، أمس واليوم وغدا، ومن ثم فإنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن اللقاء والتعاون والتكامل الحقيقي بين الدولتين كان وسيظل قاطرة للتعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولدول شبه الجزيرة العربية والدول المطلة على الخليج، بغض النظر عما يطرأ من تطورات أو صعوبات أو تحديات ترتبط ببعض دول المنطقة، أو بالصراع الإقليمي والدولي حولها ومن أجل مواردها بشكل أو بآخر، وهى ملامح وسمات لم تعد خافية على أحد، ولا يمكن تجاهلها أو القفز عليها على أي نحو.

وفي حين تسير العلاقات العمانية السعودية بخطوات واثقة نحو مزيد من التطور والازدهار، وعلى نحو يعود بها إلى أقوى مراحلها السابقة والمعروفة، فإن زيارة الدولة التي قام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة في الحادي عشر والثاني عشر من شهر يوليو الماضي، شكلت في الواقع بداية نقلة نوعية واسعة وعميقة في العلاقات الثنائية بين الدولتين الشقيقتين، وتأتي الزيارة التي يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية لسلطنة عمان، لتستكمل قوة الدفع لهذه النقلة النوعية، وقد أشار البيان الصادر عن ديوان البلاط السلطاني أمس الأول إلى أنه " انطلاقا من العلاقات التاريخية التي تربط سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية الشقيقة وتعزيزا لأواصر المودة والمحبة ووشائج القربى التي تجمع شعبي البلدين واستكمالا لما أسفر عنه اللقاء الكريم بين المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية – حفظهما الله ورعاهما – أثناء الزيارة السامية لجلالته إلى المملكة في شهر يوليو من هذا العام 2021 سيقوم – بمشيئة الله تعالى وعونه – صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية بزيارة لسلطنة عمان ابتداء من يوم الاثنين الموافق السادس من ديسمبر لعام 2021 وسيتم خلال هذه الزيارة بحث عدد من المجالات والجوانب ذات الاهتمام المشترك، خدمة لمصالح البلدين الشقيقين وما يحقق تطلعات وآمال الشعبين لمستقبل أكثر رخاء ونماء وازدهارا." وفي هذا الإطار، ومن هذا المنطلق، المفعم بالمودة والمشاعر الطيبة لدى القيادتين والشعبين الشقيقين، فإن زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لسلطنة عمان ولقائه ومحادثاته مع جلالة السلطان المعظم وكبار المسؤولين العمانيين تتجاوز في الواقع – بآثارها ونتائجها – الإطار الثنائي للعلاقات بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية الشقيقة، لتصل إلى دوائر أوسع خليجية وإقليمية ودولية، بحكم ما يمثله البلدان من ثقل وقدرات كبيرة على العمل من أجل دفع العلاقات والتعاون المشترك وتهيئة الأجواء لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية، وتجاوز التحديات التي فرضت وتفرض نفسها على شعوبها. ولعله من الأهمية بمكان الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي: أولا على المستوى الثنائي، فإنه إذا كانت العلاقات العمانية السعودية دخلت مرحلة جديدة، وانتقلت نقلة نوعية ذات آفاق رحبة، تدعمها الإرادة السياسية والرغبة الحقيقية للقيادة الحكيمة في البلدين الشقيقين في تطوير العلاقات والتعاون والتكامل الثنائي بين الدولتين في مختلف المجالات، فإنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن قطار التعاون العماني السعودي ينطلق الآن على قضبان قوية ونحو أهداف محددة، أكثر وضوحا وتحديدا، وبما يتوافق مع خطط وبرامج وأولويات التنمية في البلدين الشقيقين، في ظل رؤية عمان 2040 ورؤية المملكة 2030. خاصة وأن الأشهر الماضية، منذ يوليو الماضي وحتى الآن شهدت استكمال بعض جوانب عملية استكشاف ودراسة واسعة لمجالات وسبل التعاون وتطوير التكامل بين الدولتين، تجاريا واستثماريا وصناعيا وزراعيا وسياحيا وفي كل المجالات الممكنة، ولا تزال عملية استكشاف جوانب أخرى تجري وتستكمل بين المسؤولين والمختصين في البلدين الشقيقين.

ومن ثم فإن الجوانب العملية هي الأكثر وضوحا خلال زيارة ولي العهد السعودي، ليس فقط فيما يتصل بتدشين المعبر الحدودي عبري / رملة خيلة الذي يربط بين البلدين بشكل مباشر ويسهل إلى حد كبير حركة النقل والتجارة والسياحة فيما بينهما، ولكن أيضا في اتخاذ خطوات عملية وإجرائية لدفع الاستثمارات السعودية في سلطنة عمان والمشروعات المشتركة فيما بينهما، خاصة وأنه يتوفر للسلطنة كل المقومات لتكون مركزا لوجستيا إقليميا وعالميا، ومركزا للتصنيع والتصدير، سواء لدول جنوب وجنوب شرق آسيا، أو للدول الإفريقية وغيرها، ومعروف أن المملكة العربية السعودية الشقيقة أخذت تعطي اهتماما متزايدا وملموسا بإفريقيا أكثر من أي وقت مضى.

ومن جانب آخر، فإنه إذا كانت الموانئ العمانية، في الدقم وصلالة وصحار تمتلك ميزة نسبية واضحة، بحكم أنها موانئ مفتوحة مباشرة على خطوط الملاحة العالمية بين الشرق والغرب، وأنها لا تتأثر بما قد تتعرض له حركة النقل والتجارة عبر مضيق هرمز الإستراتيجي، فإنه تجدر الإشارة أيضا إلى أن مقترح إنشاء خط لنقل النفط السعودي وأيضا الكويتي من شمال الخليج إلى الموانئ العمانية في الدقم أو صلالة أو صحار، يظل اقتراحا عمليا ومفيدا وقابلا للدراسة والتنفيذ العملي من جانب الدولتين الشقيقتين، وفق مرئياتهما في هذا المجال، ولا سيما أن المعبر البري بين البلدين يقرب المسافات كثيرا بين مناطق إنتاج النفط السعودية وبين الموانئ العمانية التي تتوفر لها أفضل معدات الشحن والتفريغ والتي حظيت بمكانة متقدمة بين الموانئ العالمية فيما يتصل باختصار زمن دورة الشحن والتفريغ وعدد الحاويات التي يتم التعامل معها وبدون عوائق وبأفضل ضمانات السرعة والأمان. أما ما يتصل بالجوانب المتعلقة بالاستثمارات والصناعة والمشروعات المشتركة، فإن السوق العماني هو من أفضل الأسواق للاستثمار في المنطقة، وتظل المنطقة الاقتصادية في الدقم من أكثر المناطق الصناعية في المنطقة المؤهلة لاحتضان الكثير من الصناعات والمشروعات المشتركة بكل أحجامها وأنواعها، ومن ثم ينتظرها مستقبلا واعدا من النمو والازدهار، خاصة إذا اتجهت إليها الاستثمارات السعودية والخليجية أو بعضها على الأقل، وهو ما يمكن أن يتحقق في الفترة القادمة. وستشكل الاتفاقيات ومذكرات التعاون المتبادلة بين السلطنة والمملكة العربية السعودية، والتي ستتمخض عنها زيارة ولي العهد السعودي ومحادثاته مع القيادة العمانية دفعة أخرى للتعاون والتكامل بين الدولتين الشقيقتين، خاصة وأن مجلس التنسيق السعودي العماني يقوم بدور بالغ الأهمية ويعلق عليه الجانبان آمالا كبيرة لتعزيز المصالح المشتركة والمتبادلة.

ثانيا: إنه إلى جانب البعد الثنائي الحيوي في زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى السلطنة، فإن التعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو في الواقع من أهم عربات قطار التعاون العماني السعودي. ومن ثم فإن التعاون والتوافق والرؤى المشتركة بين الدولتين الشقيقتين تصب في صالح تنشيط وتفعيل عمل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بأشكال مختلفة، خاصة وأن القيادتين العمانية والسعودية تلتقيان حول ضرورة وأهمية تفعيل مجلس التعاون العمل المشترك من خلاله، وتعد الجولة الخليجية التي بدأها ولي العهد السعودي أمس بزيارة السلطنة، والتي يزور خلالها دول مجلس التعاون الأخرى، والتي تأتي في جانب منها للتمهيد للقمة القادمة لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون التي ستعقد في الرياض في منتصف الشهر الجاري علامة بارزة على الاهتمام السعودي بتفعيل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتوفير كل مقومات النجاح للقمة القادمة، خاصة وأن قمة العلا التي استضافتها المملكة العربية السعودية في يناير الماضي قد وضعت أساسا قويا لتجاوز الخلافات بين دول المجلس والتأكيد على المبادئ التي تحكم العلاقات بين دوله وعلى الرغبة المشتركة والمتبادلة لتفعيل مجلس التعاون وزيادة فعاليته ليكون إطارا للعمل والتحرك المشترك بين دول المجلس في تعاملها مع الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى.

من جانب آخر فإنه من الطبيعي أن يتم التطرق إلى عدد من القضايا والمشكلات التي فرضت وتفرض نفسها على دول وشعوب المنطقة، والتي تلتقي القيادتان العمانية والسعودية على أهمية وضرورة تسويتها سلميا، واستعادة السلام والاستقرار في اليمن وفي كل ربوع المنطقة، دون الارتهان إلى حدث هنا أو تطور هناك، خاصة وأن دول مجلس التعاون باتت تدرك بشكل أعمق وأوضح أن عملها وتعاونها وتكاملها مع بعضها البعض، وفي إطار مجلس التعاون والإطار الثنائي أيضا هو طوق النجاة لها، وأن تفعيل ذلك يمكنها بالفعل من مواجهة كافة التحديات، بما في ذلك تقلب وتغير مواقف بعض الأطراف والقوى الدولية والإقليمية، التي لا تعرف إلا خدمة مصالحها الذاتية، بغض النظر عن مصالح الدول الأخري ومنها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وعلى ذلك فإن الجوانب السياسية للنقلة النوعية للعلاقات العمانية السعودية، والتي يحملها قطار التعاون العماني السعودي ستعبر عن نفسها وتزداد وضوحا خلال الفترة القادمة، خاصة وأن كل شعوب المنطقة تتوق إلى العيش في أمن وأمان واستقرار، وتتطلع إلى تحقيق التنمية والرخاء لأبنائها في الحاضر والمستقبل، وتمتلك السلطنة والسعودية قدرات كبيرة في هذا المجال، سواء بحكم الاتفاق فيما بينهما حول العديد من القضايا والتطورات الخليجية والعربية والإقليمية، أو بحكم ما يربط كل منهما من علاقات طيبة ووطيدة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة. ومن الطبيعي أن تضيف جولة ولي العهد السعودي في دول مجلس التعاون الأخرى جوانب أخرى هامة في هذا المجال. ومن ثم فإنه يمكن القول بأن القمة القادمة لقادة دول مجلس التعاون ستكون قمة فارقة على الأرجح بالنسبة للتعاون والتكامل بين دول المجلس وفي تفعيل مجلس التعاون كإطار لا غنى عنه للتعاون وتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهو ما يتطلع إليه كل أبناء دول المجلس اليوم وغدا وتشكل قاطرة التعاون العماني السعودي حجر الزاوية فيها بدون أية مبالغة، ولعل إدراك ذلك هو ما يفسر، في جانب منه على الأقل، مشاعر الود والتفاؤل التي تحيط بزيارة ولي العهد السعودي إلى السلطنة.