عُمان السخيّة بين منخفضين

21 أبريل 2024
21 أبريل 2024

للتغيرات المناخية آثارها المباشرة وغير المباشرة قريبة وبعيدة المدى؛ إيجابية ولو بعد حين، وسلبية إن أتى ضررها أثرا مباشرا لا يمكن إنكاره (ولا ينبغي إنكاره إذ انها كارثة طبيعية قد يعاني منها أي مجتمع وأي دولة مهما بلغت من حسن التصرف)، لكن الغيب في دائرة علم الله ويقينه رغم كل تطور وسائل العلم الحديث استقراءً لأجهزة الرصد وظروف المناخ المتتابعة والتي تأثر بها العالم أجمع دون استثناء مع اختلاف الظروف، ومع مستجدات الأوضاع المناخية في المنطقة العربية تأثرت بلادنا بمنخفض «المطير» الذي غادرنا بكثيرِ أسىً جرَّاء وفياتٍ أوجعت القلوب وأبكت المقل، وأضرارٍ شتى ما زالت الجهات المعنية والأهالي معا يتابعون آثارها في محاولة مخلصة لمعالجة تبعاتها عن المواطنين والمقيمين في كل أرجاء البلاد .

رغم تكرار «سيناريو» التحذيرات والمغامرات ورصد الآثار السلبية لتهور بعض المواطنين بإلقاء أنفسهم وتعريض غيرهم للتهلكة إلا أنها مشاهد ما زالت تتكرر للأسف وكأن هؤلاء في مبارزة مع الطبيعة التي لا يمكن لأي طاقة بشرية إخضاعها أو تطويعها بمجرد التهور والمغامرة، مجازفات مستمرة وحوادث معادة كان من الممكن تلافيها لو أننا أحسنا الإصغاء وأجدنا التجاوب، ولعل من إيجابيات الأنواء المناخية غير المباشرة ما اكتسبه الأفراد والمؤسسات من خبرات في التعامل مع المخاطر، والسعي لتقليص الحد الأعلى من أضرارها على المجتمع بكل مكوناته، ثناء مستحق في هذا السياق لكل المعنيين والمشتغلين المخلصين بالأرصاد الجوية، الدفاع المدني، الشرطة، البلديات، والإعلام لجهودهم المبذولة قبل وأثناء وبعد الأنواء الجوية .

لا يمكن استنكار انفعال الناس وتفاعلهم العاطفي مع كوارث الأنواء المناخية، وليس هذا بغريب على كل المجتمعات وكل الدول، فلا ينبغي السعي لتحجيم هذا الانفعال أو تقييده حرصا على ما قد يُظن بأنه تأثير على سمعة المكان وقدرة مسؤوليه على إدارة الأزمات، أو التعاطي مع الظروف الطارئة، لكن لا ينبغي استغلال ذلك فيما يجترح صدق الموقف وتوثيق الجهود، ثم اعترافنا جميعا بحتمية القضاء والقدر أولا، ثم اعترافنا بالفضل بيننا في شكر كل مستحق للشكر، ومتابعة كل مقصر أو مخطئ أو متهاون بأرواح الناس ومصالحهم.

لا يمكن إنكار افتقار بعض المسؤولين لمهارات التواصل مع الجمهور رغم كل ما مضى من أزمات سابقة وتحديات كبرى، وتكرار ضرورة العناية بالتصريحات وبيانات الجهات الرسمية أثناء الأزمات والقضايا المجتمعية الآنية الحساسة تجنبا لاستفزاز الناس واستثارة غضب الجماهير في سعي لاسترضاء المسؤول أو تثبيت المنفعة الشخصية.

مجتمعاتنا العربية ما زالت تعيش تكتلات شعبية عاطفية تستثار انفعاليا بمتغيرات الحياة وصعوبات الواقع اليومي وتحديات الوقت، لكن هذا ليس واقعا سلبيا بالضرورة؛ إذ يمكن توظيف هذه الحقيقة في التركيز على خطاب الجماهير الذي يتسم بالذكاء العاطفي القادر على امتصاص احتقان اللحظة وانفعال المشهد بسخاء عاطفي يسعى للمشاركة العاطفية مجتمعيا قبل الإجراءات الرسمية والتعويضات المادية، ومن قليل معرفة بالذكاء العاطفي فإن ما يمكن بناؤه بشكل تفاعلي مدهش عبر الكلمة يمكن كذلك خسارته وبناء تداعياته تراكميا عبر الكلمة، فما أحرى بالمسؤول اليوم -أيا كانت جهته التي يمثلها- بدراسة الواقع والتدرب على أساليب مخاطبة الجمهور دون إقصاء أو تهميش، وتحمل مسؤولياته دون ادعاءات مثالية أو تنصّل جليّ.

منخفض «المطير» عبر ولمّا تعبر آثاره بعد، وتفيدنا مراكز الأرصاد الوطنية والدولية بمنخفض آخر قادم بين يومي الثلاثاء والخميس من هذا الأسبوع لتستمر التحذيرات وتتكثف الاستعدادات، وبين المنخفضين لا نملك إلا الإشادة بكل مشاهد التكافل المجتمعي الذي تعودناه بين أبناء هذا الوطن المحب السخي، وما سخاء مواطنيه إلا مرآة لسخاء أرضهم وطيب معدنها، هنا لا بد من التذكير بأن تصيّد الأخطاء أثناء ما قد نمر به جميعا من أنواء استثنائية طارئة ليس من المروءة بمكان، كما أن التنصل من الواجب ومسؤولياته متمثلة في رعاية الأرواح والعناية بممتلكات الأفراد ومقدرات الوطن ليس من المروءة كذلك، وبين المروءتين لا بد من أدوات لتعزيز قيم أخلاقية متوارثة عريقة، ومتابعة ومحاسبة كل مقصر مستهين بأثر العمل المخلص والكلمة الطيبة في صنع الفرق، وتحويل مسارات الاحتقان والغضب إلى سبل شتى من التعاون والتكامل، والعطاء المتبادل النبيل، حفظ الله بلادنا وإنسانها الأغلى وأرضها الأسخى من كل سوء وكل ضرر.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية