على هامش قانون الحماية الاجتماعية
ليس من المبالغة القول إن عملية الإصلاح الإداري، التنظيمي والهيكلي، التي دشنها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بعد توليه مقاليد الحكم عام 2020، والمستمرة حتى الآن، تحولت في الواقع إلى ما يمكن تسميته ثورة إدارية وتنظيمية شاملة لإعادة صياغة الأداء الإداري، والهيكل التنظيمي في مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع، ليس فقط لمواكبة التطور السريع والمتواصل في سبل وأساليب الإدارة علميا وعمليا على مستوى العالم، ولكن أيضا من أجل توظيف ذلك للإسهام في تطوير حياة المواطن والمجتمع العماني وتحقيق حياة أفضل لأبنائه في الحاضر والمستقبل والتجاوب أيضا مع طموحاته والتغلب على مشكلات وتحديات بدأت تطرح نفسها بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، مما تطلب ضرورة التصدي لها بقوة وحسم قبل أن تستفحل وتتطور بتأثير عوامل مباشرة وغير مباشرة، اتخذ بعضها شكل التحريض العلني أو المستتر، خاصة عبر وسائل التواصل - عفوا التطاول - الاجتماعي، ومن جانب أشخاص من هواة النجومية أو الباحثين عن دور، ومن محترفي ركوب الموجة في ظروف مختلفة، وجميعهم تقريبا أصبحوا مكشوفين على نطاق واسع. وحسنا جاء قانون الحماية الاجتماعية الأسبوع الماضي ليقطع الطريق على كل من يحاولون استغلال الصعوبات والمشكلات التي يواجهها المجتمع والمواطن، والتي لم تنشأ فجأة ولا خلال بضع سنوات، ولكنها نشأت ونمت عبر سنوات عدة.
ومع الوضع في الاعتبار أن قانون الحماية الاجتماعية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (52/ 23) الصادر في 19 /7 /2023 لم تمض عليه عدة أيام، وإن كانت قد بذلت من أجل بلورته جهود مكثفة ومتواصلة على مستوى اللجنة الوزارية واللجان الفرعية العاملة والمستمرة في عملها حتى اليوم وغدا وبالتعاون مع مجلس عمان ومؤسسات عمانية أخرى، سيحتاج بالضرورة إلى كثير من الشرح والإيضاح والتفسير على مختلف المستويات وعلى أوسع نطاق ممكن بجدية ومصداقية لجوانبه المختلفة، وليستوعب الجميع أبعاده الحقيقية، ولتتوقف محاولات الانتقاد المبكرة والمسيئة لجانب أو آخر ولأهداف ستتكشف بالضرورة في الفترة القادمة، فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:
أولا، أن أهمية وقيمة قانون الحماية الاجتماعية تتمثل في جانبين أساسيين: أولهما أنه يعد من القوانين ذات البعد الجماهيري الواسع النطاق، إذ سيستفيد منه نحو مليون ونصف المليون عماني، أي أكثر من نصف عدد السكان الآن، فضلا عن أن هذا العدد سيزداد بالضرورة مع مرور الوقت واتساع مظلة الشرائح المستفيدة من القانون عاما بعد عام. أما الجانب الأساسي الثاني، فإنه يتمثل في أن قانون الحماية الاجتماعية يعيد في الواقع هيكلة وتنظيم قطاع الحماية الاجتماعية وعلى نحو يتجاوب مع مطالب ترددت في السنوات الأخيرة من جانب، خاصة فيما يتعلق بدمج صناديق التقاعد وتقليص الفجوة بين الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وبين صناديق التقاعد العسكرية والأمنية من جانب آخر، برغم أن هذه الفجوة تتصل باختلاف طبيعة العمل في القطاع العسكري والأمني عنه في القطاع المدني. يضاف إلى ذلك أن القانون الجديد قضى بدمج مختلف صناديق التقاعد وبرامج المعاشات والتي كانت تصل إلى 11 صندوقا وبرنامجا تحت مظلة واحدة مما يزيد من الإمكانات الخاصة لصندوق الحماية الاجتماعية من ناحية وبما يحافظ على الطبيعة الخاصة لصندوق تقاعد الأجهزة العسكرية والأمنية الذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم (51 /23) بإصدار نظام صندوق تقاعد الأجهزة العسكرية والأمنية وما يقتضيه عمله من اعتبارات من الضروري الحفاظ على طبيعتها الخاصة والسرية. وتجدر الإشارة إلى أن المرسوم السلطاني رقم (52 /23) الصادر في 19 /7 /2023 قد تناول مختلف الجوانب ذات الصلة بالحماية الاجتماعية من منظور شامل سواء ما يتصل بالفئات والشرائح المستفيدة أو ما يتصل بتنظيم علاقة ذلك بالجهات التأمينية الأخرى التي ستواصل أنشطتها في رعاية شرائح معينة بما يتفق مع القانون. وبذلك أصبح قطاع الحماية الاجتماعية قطاعا متكاملا ومحدد الجوانب والالتزامات على المستويين المدني والعسكري وفي إطار نظام موحد ومحدد ومتكامل، وهو ما سيسهل في الواقع التعامل مع متطلبات والتزامات هذا القطاع الحيوي والاجتماعي العريض والمؤثر في حياة الفرد والمجتمع.
ثانيا، من الواضح أن من الجوانب الطيبة لقانون الحماية الاجتماعية أنه يعبر وبشكل عميق عن استجابة وتفاعل واضحين من جانب القيادة الحكيمة مع مطالبات ومناشدات أعداد غير قليلة من المواطنين تدعو إلى إعادة النظر في قيمة الضمان الاجتماعي ومكافآت ما بعد الخدمة للمحالين إلى التقاعد والمنتهية خدماتهم بعد سنوات خدمة محددة، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة بالنسبة للشرائح الأضعف من المواطنين، وهذا يعني بوضوح إنصات واهتمام القيادة بما يعبر عنه المواطنون من اهتمامات ومطالب، والعمل على الاستجابة إليها وبحلول فعّالة وشاملة برغم ما قد تتطلبه من تكلفة والتزامات مالية كبيرة ومتجددة أيضا، وما يقترن به ذلك من عزوف عن الدعاية والطنطنة والتضخيم الإعلامي وهو أسلوب تقليدي عماني في الأداء بكل ما يعنيه ذلك من معنى في القطاعات والمجالات المختلفة، غير أن ذلك لا يعني ولا ينبغي أن يعني عدم القيام بما هو ضروري ومفيد لإلقاء الضوء على القانون والتعريف الكافي به وبما يقدمه من خدمات ورعاية لكل شرائح المواطنين في مختلف الأعْمار ومنذ الميلاد حتى نهاية العمر ووفق ضوابط عامة لا تفرق بين المواطنين وفق القانون.
جدير بالذكر أن قانون الحماية الاجتماعية حدد شروط وضوابط المستفيدين من المنافع النقدية التي يوفرها صندوق الحماية الاجتماعية وفق شروط الاستحقاق في كل فئة، وهم خمس فئات هي: فئة كبار السن، ابتداء من شهر بلوغ سن الستين من العمانيين ويحصل على 115 ريالا عمانيا، وفئة الأطفال من العمانيين منذ الولادة وحتى سن 18 عاما ويحصل الطفل على عشرة ريالات شهريا. وفئة ذوي الإعاقة «ممن تتطلب حالاتهم الرعاية والدعم وفقا لضوابط وآلية تقييم الحالة التي ستوضحها لائحة القانون وشروط الاستحقاق»، ويحصل المستحق على 130 ريالا عمانيا ابتداء من الشهر الذي تتوافر فيه شروط الاستحقاق. وفئة دعم دخل الأسر لتحسين ظروف المعيشة ويعتمد الاستحقاق على مستوى الدخل والقدرة على الكسب وترتبط المنفعة بعدد الأفراد والدخل الإجمالي للأسرة وتقدر حسب معادلة حسابية وتصرف شهريا. وفئة الأيتام والأرامل وتستحق من تاريخ وفاة المعيل على ألا يتجاوز عمر اليتيم 18 عاما.
ثالثا، في ظل اتساع مظلة قانون الحماية الاجتماعية وامتدادها إلى مختلف الفئات وفي مقدمتها الفئات الأولى بالرعاية والضعيفة، فإن آثاره الإيجابية ستظهر بوضوح لكافة الفئات المستهدفة وهو ما سينعكس إيجابيا على مستوى معيشة المواطن العماني وعلى الاقتصاد العماني أيضا، على أنه من الأهمية بمكان إدراك أن المنافع المادية التي أقرها قانون الحماية الاجتماعية للفئات المشار إليها لا تعني أن الدولة تحولت إلى ممول أو أنها تطبق فكرة توزيع أموال وهي فكرة لها جوانب سلبية عدة بالنسبة للاقتصاد، ولكن الدولة تقدم مساعدات وبرامج دعم وحماية للأخذ بيد الفئات المستحقة والتي تستوفي شروط الاستحقاق وفق ضوابط محددة قانونيا وموضوعيا وحتى يتمكن المواطن من الاعتماد على قدراته وإمكانياته الذاتية والاستفادة مما توفره الدولة من فرص تأهيل وتدريب ليفيد نفسه ويفيد المجتمع، فهي في الواقع توزع الطمأنينة والأمل، ولذا فإنه من المهم والضروري العمل على شرح القانون وتحقيق أكبر وأعمق تعاون بين المواطنين والحكومة للاستفادة من الاستقرار الذي يتمتع ويتميز به المجتمع العماني فيما يعود بالنفع على المواطن والمجتمع.
