على هامش حرب الإبادة في غزة !!

23 أكتوبر 2023
23 أكتوبر 2023

إن الحرب التي تشنها إسرائيل بكل جحافلها وأدوات الدمار الشامل التي تملكها بما فيها الأسلحة الكيماوية (مثل الفوسفور الأبيض وهو مادة حارقة تشتعل في الهواء الطلق وتولد درجة حرارة تتجاوز 800 درجة مئوية ولا تطفئه المياه) هي حرب إبادة ضد أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق، سواء بحكم هستيريا القتل التي سيطرت على القوات الإسرائيلية منذ مباغتة حماس لها في السابع من الشهر الجاري وإنزال خسائر فادحة وغير مسبوقة بالقوات الإسرائيلية، أو بكشف الغطاء عن حقيقة القوات التي لا تقهر وإظهار مدى ضعفها وهشاشتها التي غطتها دوما بدعاية وادعاءات غير حقيقية استندت وتستند دوما على مخزون السلاح الأمريكي والغربي الذي تدفق ولا يزال يتدفق عليها بمبررات مختلفة حتى الآن.

ولم تعد أرقام القتلى والجرحى على الجانبين، التي تزداد بشكل دائم، مفيدة لأنها تتغير ساعة بعد أخرى، والأهم هو أن قدرات المقاومة الفلسطينية هي الآن على درجة تدعو للتفاؤل والأمل في إمكان استمرار المواجهة المسلحة لفترة أخرى نتمنى أن تكون كافية لإحداث مزيد من الضرر بالقوات الإسرائيلية وهو أمر تتبدى بوادره باستمرار حتى الآن.

صحيح تحملت وتتحمل حماس وسكان غزة الكثير من المعاناة ومشكلات التجويع وأحكام الحصار وتعمد تدمير البنية الأساسية وتخريب المستشفيات، ولكن الصحيح أيضا أن عددا من الكتاب والصحفيين ورجال الدين الإسرائيليين تحدثوا بوضوح في الأيام الماضية وفي أكثر من صحيفة إسرائيلية (هاآرتس ويديعوت احرونوت وتايمز أوف إسرائيل على سبيل المثال) عن قوة وصلابة وجلد وإرادة الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضة وتْمسكه بها والتصميم على استعادتها رغم كل ما تعرض ويتعرض له من همجية إسرائيلية أفاق العالم على حجم استهانتها بالقوانين والقيم والقرارات الدولية إلى جانب إدانة كثيرين من ذوي الضمائر الحية في دول مختلفة للسلوك الإسرائيلي وإلى حد فقد بعضهم وظيفته التي قضى فيها نحو أربعين عاما بسبب مواقفهم الحرة ومنهم رسام الكاريكاتير في صحيفة الجارديان البريطانية «ستيف بل» الذي تمت إقالته بسبب انتقاده لمواقف نتانياهو وإصراره على مواصلة تدمير غزة وتخريب بنيتها الأساسية وحرمانها من مختلف سبل الحياة، رغم الإدانات الدولية المستمرة والمتزايدة له، وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى بعض الجوانب التي تتكشف تدريجيا والتي تفضح أبعاد الممارسات الهمجية الإسرائيلية التي من أهمها ما يلي:

أولا، إنه في الوقت الذي تستكمل فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها عناصر حشدها العسكري - كل حسب قدرته وحسب قربه من إسرائيل وتقاطع مصالحه معها بغض النظر عما يبدو على السطح - فإن تزويد القوات الغربية وبالذات الأمريكية بمزيد من القوات البرية وبعناصر دفاع جوي متقدمة من طراز صواريخ «ثاد» و«باتريوت» يشير بوضوح إلى مدى القلق الغربي من احتمال اتساع نطاق الحرب التي قد تندلع ثم تتسع إلى المستوى الإقليمي مع بدء الاقتحام البري الإسرائيلي لشمال قطاع غزة كخطوة تجريبية، خاصة أن هناك تحذيرات مختلفة من الإقدام على هذه المغامرة ورغبة في تجنب ذلك بقدر الإمكان ليس خوفا على دول وشعوب المنطقة وخاصة إسرائيل ولكن قلقا من حجم الخسائر المحتملة التي وصفها نتانياهو بأنه «دمار لا يمكن تخيله» إذا دخل حزب الله في الحرب. جدير بالذكر أن الأيام من السابع من الشهر الجاري وحتى الآن أظهرت بوضوح أنه برغم التهديد والوعيد الإسرائيلي وحكومة الطوارئ والدعم العسكري العلني الغربي غير المسبوق لإسرائيل بزعم حقها في الدفاع عن نفسها وهو زعم باطل نظرا لأن الاحتلال الإسرائيلي لغزة والأراضي الفلسطينية هو أكبر انتهاك للقانون الدولي وللشرعية والمواثيق الدولية كما أن التهجير القسري لسكان شمال قطاع غزة من شمال القطاع إلى جنوبه هو أمر بالغ الصعوبة ليس فقط لصعوبة تهجير نحو 1.3 مليون مواطن فلسطيني من شمال القطاع إلى جنوبه، هذا فضلا عن تعذر إمكانية توفير الاحتياجات اللوجستية والإدارية والمعيشية لهذا العدد الكبير من المواطنين الفلسطينيين خلال وقت قصير. أما عمليات الضغط المباشر على سكان شمال قطاع غزة سواء بإسقاط منشورات التهديد للسكان باعتبار أن من يرفض النزوح وإخلاء منزله ستعتبره إسرائيل عضوا في حركة حماس ومعاملته على هذا الأساس أو التعرض لخطر الموت في الغارات الإسرائيلية التي تزداد كثافة وهمجية في الأيام القادمة. ولأن الموت هو ما ينتظر الفلسطينيين أو الكثير منهم فإن ذلك منح المواطنين في غزة المزيد من التصميم على التمسك بالأرض ورفض التحرك إلى وادي غزة، والأكثر من ذلك فإن بعض الذين تحركوا في الأيام الماضية فضلوا العودة إلى ديارهم خاصة بعد أن تعرضوا لإطلاق النار خلال نزوحهم وعودتهم.

ثانيا، إنه في حين تعيش المنطقة أجواء حرب وصراع مسلح تملك فيه إسرائيل كل أنواع الأسلحة المتطورة في حين تعتمد حماس والفصائل الفلسطينية على أسلحة أقل تطورا بكثير حيث تعتمد حماس والفصائل الأخرى في تسليح نفسها على ما تحصل عليه من دول صديقة وعلى ما تشتريه وعلى ما تحصل عليه بالتهريب أو بصناعة بعض الأسلحة وهي في مجملها لا يمكن أن تقارن بالترسانة الإسرائيلية والغربية المفتوحة دون تحفظ لتلبية احتياجات إسرائيل التي وصلت إلى ذروتها في ظل إدارة بايدن مما أدى إلى انتقاد لسياسة الرئيس بايدن بسبب انحيازه «الأعمى» لإسرائيل وإهماله الجانب الفلسطيني حسبما أشارت وثيقة وقعها أربعمائة شخصية وديبلوماسي أمريكي، وقد أدت هستيرية وهمجية القصف الإسرائيلي لغزة وتدمير نحو نصف مبانيها ومعظم مؤسساتها الخدمية إلى ظهور درجة عالية من إدانة واستنكار سياسات إسرائيل والتأييد الأمريكي والغربي لها، وهو ما انعكس بوضوح في حجم واتساع المظاهرات المعادية لإسرائيل ولنتانياهو ذاته في مظاهرات امتدت من تل أبيب إلى نيويورك ولندن ومدريد وروما فضلا عن عشرات المدن العربية والإقليمية وبامتداد العالم وهو ما أعاد الحياة إلى القضية الفلسطينية التي حاول نتانياهو دفنها بكل الوسائل المتاحة، ومع أن الثمن كان ويظل فادحا وعلى حساب أرواح ودماء عشرات الآلاف من الأطفال والشباب والنساء والشيوخ الفلسطينيين إلا أن ما يخفف ولو نسبيا من ذلك هو أن هذه المجازر الهمجية أثبتت أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بتصفية قضيته ولا بالترحيل القسرى ولا بأي ثمن وأنه لن يقبل بأي بديل لأرضه وأرض أجداده مهما بلغت التضحيات وتحت أية ظروف ولعل ما يؤكد نجاح الصمود الفلسطيني، رغم تضحياته لأكثر من سبعين عاما، أن هناك من الإسرائيليين من يفكرون في مغادرة إسرائيل وبشكل يتزايد مع مرور الوقت وهو ما بدأ يعكس نفسه في مناقشات الإعلام الإسرائيلي بأوضح مما كان سابقا لحل تقام في إطاره دولة فلسطينية مستقلة وهو أمر بالغ الدلالة إذا لم يتم التوصل إلى حل عادل ومتوازن في إطار حل الدولتين ووفق مبادئ وقرارات الشرعية الدولية.

ثالثا، جدير بالذكر أنه في حين يلعب الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورا بالغ الأهمية في الحرب على قطاع غزة مع قيام العديد من الأطراف والوسائل والمؤسسات بممارسة عمليات ترويج لأكاذيب مفضوحة بالنسبة للقضية الفلسطينية ولتطورها ومحاولة طمس حقائقها بما في ذلك حقائق وممارسات حدثت قبل أيام فقط، ولا تزال حية في ذاكرة شهود العيان، فإن الجدل الذي حدث حول ما سمي بصفقة القرن والحديث حول ترحيل مواطني غزة إلى صحراء سيناء وإخلاء قطاع غزة من الفلسطينيين، وما قد يتبع ذلك من إخلاء الضفة الغربية المحتلة منهم بترحيل الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن الشقيق بما يعني إخلاء الضفة كان جدلا بالغ الأهمية، ليس فقط لأن مصر والأردن رفضتا بشكل حاسم هذا الأمر، حيث اعتبرته مصر خطا أحمر بالنسبة لأمنها القومي واعتبرته الأردن بمثابة إعلان حرب كما أكدت الدولتان رفضهما ذلك في بيان مشترك، ولكن أيضا لأن هذا الجدل أيقظ الوعي الجماهيري المصري والأردني والعربي العام بهذه القضية ووضع خطوطا لن يستطيع أحد تجاوزها للمخاطر العديدة التي يمكن أن تترتب عليها ولا يفيد في ذلك الزعم بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني بغض النظر عمن يزعم ذلك.