على هامش اجتماع صحفيي العالم في مسقط
مما لا شك فيه أن الدول والمدن لها طابعها وشخصيتها التي تميزها عن الدول والمدن الأخرى سواء بالنسبة لأهلها والمقيمين فيها، أو بالنسبة لزائريها، وتظل عمان بوجه عام ومسقط بوجه خاص من الدول والمدن الأثيرة وذلك لأسباب عديدة، منها ما يخص المدينة والدولة الشعب العماني وما حباه الله به من سمات وخصائص، ومنها ما يعود إلى الزائر والمقيم وطبيعة شخصيته واهتماماته وثقافته وأسباب زيارته أو إقامته بها. وتظل عمان بجبالها ووديانها وشواطئها، وبمدنها، وبإنسانها ومجتمعها، وبقيمها وتقاليدها الأصيلة، قبل ذلك وبعده، ذات خصوصية جاذبة ومثيرة لاهتمام وفضول الكثيرين من جوانب عدة، ولعل هذا هو ما يعطى الكثير من الأهمية لقطاع السياحة في سلطنة عمان بوجه عام ولسياحة المؤتمرات بوجه خاص، إذ أن السلطنة تمتلك في الواقع كل عوامل النجاح فيها، تنظيميا وإداريا ولوجستيا وعلى نحو يجعل من هذه المؤتمرات بوابات واسعة للدخول إلى قلوب وعقول كل من يزورها أو يقيم فيها، وبإجماع قل نظيره، ومن بين مؤتمرات عديدة استضافتها وتستضيفها السلطنة، ومنها مؤتمرات متخصصة، فإن اجتماعات الكونجرس الحادي والثلاثين للاتحاد الدولي للصحفيين التي تحتضنها السلطنة ممثلة في جمعية الصحفيين العمانية، تتسم بالكثير من الأهمية على أكثر من مستوى، وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها أولا: أنه يحسب لجمعية الصحفيين العمانية أنها نجحت في دعوتها لاستضافة اجتماعات الكونجرس الحادي والثلاثين للاتحاد الدولي للصحفيين والتي تعقد حاليا في رحاب مسقط، والتي تضم نحو أربعمائة صحفي وهو أكبر تجمع للصحفيين والإعلاميين تستضيفه السلطنة على الإطلاق على مدى الخمسين عاما الماضية، والمؤكد أن هذا النجاح يستند بالضرورة إلى المساندة والدعم الكبير من جانب حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - ومن جانب جلالته شخصيا للإعلام العماني ولمؤسساته المختلفة ولجمعية الصحفيين العمانية التي استطاعت التعبير بكفاءة وموضوعية عن التطور الكبير للإعلام العماني وقدرته على التفاعل النشط مع مختلف التطورات محلية وإقليمية ودولية، وبما يعبر أيضا عن سياسات السلطنة ومواقفها وانحيازها القوي والدائم للالتزام بقواعد القانون والشرعية الدولية وبسياسات حسن الجوار والاحترام المتبادل للسيادة والحوار وحل المنازعات بالطرق السلمية، وهي سياسات ومواقف أثبتت أهميتها للسلام وللاستقرار في المنطقة وخارجها في أوقات وظروف مختلفة وهو ما قدرته وتقدره دول المنطقة والعالم للسلطنة ولقيادتها الحكيمة التي أرساها المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد على مدى العقود الماضية والتي يواصل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم السير عليها والالتزام بها على مختلف المستويات.
يضاف إلى ذلك أن اجتماعات الكونجرس الحادي والثلاثين للاتحاد الدولي للصحفيين في مسقط والتي يعقد بالتزامن معها الاجتماع التأسيسي للاتحاد الآسيوي للصحفيين، الذي دعت السلطنة إلى تأسيسه، تأتي بعد عدة أيام من جريمة اغتيال القوات الإسرائيلية للصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة خلال قيامها بتغطية الاعتداء الإسرائيلي على مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة، وهذا الحدث يؤكد أهمية الدور الذي يقوم به الاتحاد الدولي للصحفيين، والذي يمثل صحفيي العالم ويتحدث باسمهم أمام الأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية، في العمل على حماية الصحفيين خلال قيامهم بواجباتهم، والدفاع عن حقوقهم والعمل على محاسبة من يعتدون عليها. وهو ما سيكون حاضرا بشكل أو بآخر في اجتماعات الاتحاد الدولي للصحفيين.
ثانيا: أنه في الوقت الذي تم فيه توفير كل عناصر النجاح لاجتماعات الكونجرس الحادي والثلاثين للاتحاد الدولي للصحفيين في مسقط، فإن التقاء مئات الصحفيين في رحاب العاصمة العمانية وللمرة الأولى بهذا الحجم والتعدد والمستوى الرفيع من العديد من دول العالم يمثل في الحقيقة فرصة كبيرة، لا تدانيها فرصة أخرى، في التعريف بجوانب مختلفة من النهضة العمانية الحديثة والمتجددة، وبما حققته السلطنة من تطور كبير ومتقدم في الكثير من الجوانب الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والتقنية، وبما تتمتع به السلطنة من إمكانات متعددة ومتنوعة سياحيا واستثماريا، وبموقع جغرافي فريد يتيح لها أن تكون مركزا لوجستيا فعالا ذا كفاءة عالية لخدمة التجارة والترانزيت بين العالم ومنطقة الخليج وإفريقيا أيضا، والمؤكد أن النجاح في إطْلاع جموع الصحفيين المشاركين في الاجتماعات على أكبر قدر من الجوانب والمجالات من شأنه تقديم وجبة معلومات وفرص إعلامية يمكن أن تمتد إلى العشرات من دول العالم، بكل ما يعنيه ذلك من فوائد ونتائج إيجابية تعود بالخير على السلطنة وعلى المجتمع والشعب العماني، اقتصاديا وسياحيا واجتماعيا وسياسيا وفي علاقات السلطنة مع الدول والشعوب الأخرى، وهو ما يعزز بالضرورة من الصورة الإيجابية للسلطنة على مختلف المستويات الإقليمية والدولية، ويعمق ويوسع من التقدير الرفيع لها ولسياساتها ومواقفها على كل المستويات الإقليمية والدولية ودورها البناء لخدمة قضايا السلام والأمن والاستقرار في المنطقة ومن حولها، وهو ما يحظى باهتمام كبير ومتواصل من جانب القيادة الحكيمة في إطار حرصها على بناء أفضل العلاقات مع مختلف الدول والشعوب في المنطقة وخارجها، أمس واليوم وغدا. وتحمل اجتماعات الاتحاد الدولي للصحفيين دلالات هامة في هذا المجال.
ثالثا: أنه مع اليقين بأن مسقط والعديد من المدن العمانية الأخرى ستجد طريقها سريعا إلى قلوب وعقول المشاركين في اجتماعات الكونجرس الحادي والثلاثين للاتحاد الدولي للصحفيين، كما وجدت طريقها إلى عقول وقلوب الملايين ممن عاشوا فيها أو زاروها، فإن زيارة كاتب هذه السطور إلى مسقط، وهي الزيارة الأولى بعد مغادرتها قبل نحو ستة أشهر، تبعث على الاعتزاز والسرور، ليس فقط لأنها قد تتيح وقتا ومجالا لرؤية أماكن خارج العاصمة وعلى نحو لم يتوفر خلال سنوات العمل في السلطنة، ولكن أيضا لأن عين الزائر تختلف بدرجة أو بأخرى عن عين المقيم، كما أن السلطنة تحظى بمكانة خاصة وأكن لها كل التقدير. ومن دواعي السرور رؤية كتاب « السلطان قابوس..الحياة من أجل عمان « وكتاب « أحاديث جلالة السلطان قابوس مع وسائل الإعلام العربية والأجنبية « اللذين صدرا في فبراير الماضي،وآمل أن يكونا إضافة متواضعة وموضوعية للمكتبة العمانية والعربية، وإلقاء لمزيدٍ من الضوء على جوانب من حياة وتفكير وسياسات المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد ولفلسفة الحكم وانتقال السلطة، ولتولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم مقاليد الحكم بأسلوب حضاري بالغ الدلالة، و ما اتخذه جلالته من إجراءات لمواصلة سياسات السلطان قابوس وللأخذ بكل ما هو ضروري لتعزيز التنمية المستدامة والانطلاق بقوة وبعد نظر في المرحلة الثانية من مسيرة النهضة العمانية، مرحلة النهضة المتجددة، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وإصدار النظام الأساسي للدولة من أجل حاضر زاهر ومستقبل واعد للوطن والمواطن العماني.
