عتبة الانتخابات الليبية... هل سيتم تخطيها ؟ !

22 نوفمبر 2021
22 نوفمبر 2021

في الوقت الذي تزداد فيه قناعات مختلف الأطراف المعنية بالتطورات في اليمن الشقيق بأهمية وضرورة التوصل إلى حل سلمي، ينهي المواجهات المسلحة، ويفتح الطريق أمام تعاون مختلف الأطراف اليمنية والإقليمية والدولية للدخول باليمن إلى طريق استعادة الأمن والاستقرار، فإن الانتخابات التشريعية التي شهدها العراق الشقيق قبل عدة أسابيع لم تستطع الانتقال بالعراق إلى مرحلة أكثر استقرارًا، حتى الآن على الأقل، خاصة بعد اعتراض بعض القوى العراقية التي خسرت في الانتخابات على النتائج الرسمية للانتخابات، بل وميل بعضها إلى العمل ضد الحكومة العراقية وضد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي عمل جاهدًا من أجل تهيئة كل السبل الممكنة من أجل أن تكون الانتخابات عتبة للانتقال إلى مرحلة أكثر استقرارًا وأمنًا للعراق والعراقيين، ولا يزال الأمر موضع جدل وأخذ ورد داخل العراق ومن حوله أيضًا.

وفي حين دخلت التطورات في السودان إلى حالة من الصراع والاحتجاجات، التي تعود بالوضع في السودان الشقيق إلى ما قبل تشكيل الحكومة المدنية الانتقالية في الخرطوم التي تمت إقالتها، فإن الأوضاع في ليبيا تقف بالفعل على مشارف الانعتاق من مرحلة الصراع والانقسام الداخلي والمواجهات المسلحة، التي أعقبت الإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي في عام 2011، التي تركت ليبيا ساحة مفتوحة تكاثرت فيها الجماعات الإرهابية والميليشيات المناطقية، وعادت مظاهر الانقسام والصراع بين أقاليمها في الشرق والغرب والجنوب إلى الظهور مرة أخرى. وإذا كان الانتقال الليبي إلى المرحلة الجديدة يتطلب بالضرورة نجاح الحكومة الانتقالية – حكومة عبدالحميد الدبيبة – في طرابلس ومجلس النواب الليبي في شرق ليبيا في التنسيق والتعاون معًا لإنجاح الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم والانتخابات الرئاسية التي سيتم إجراؤها بعد شهر من الانتخابات التشريعية، أي في يناير من العام القادم، فإن تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة وكبيرة تطرح نفسها في الواقع حول ما يمكن أن تشهده ليبيا خلال الأسابيع القادمة من تطورات، تتركز في مجملها حول الانتخابات التشريعية والرئاسية، وما يمكن أن تتمخض عنه من عمليات إعادة ترتيب الأوضاع في ليبيا مرة أخرى، أو على الأقل التمهيد القوي لتخطي عتبة الانتخابات بنجاح، وهو شرط ضروري، وإن كان غير كاف، للانتقال بليبيا إلى مرحلة أكثر استقرارًا ووئامًا بين أبنائها وأقاليمها.

وفي هذا الإطار فإنه من الأهمية بمكان الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي: أولا: إنه إذا انطلقنا من الواقع الليبي الآن، والذي يمثل الأرضية الليبية التي تنبثق منها مختلف التطورات، الآن وفي الفترة القادمة، مع ملاحظة تأثرها بالضرورة بالمصالح والضغوط ومحاولات التدخل والتأثير التي تمارسها مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بليبيا، فإنه يمكن القول إن الأشهر الخمسة عشر الماضية، شهدت في الواقع تطورات وخطوات زادت من الأمل والتفاؤل بإمكان الدفع بليبيا إلى طريق استعادة الأمن والاستقرار مرة أخرى، وذلك بعد جهود مكثفة ومتواصلة من جانب "ستيفاني ويليامز" نائبة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، التي نجحت، بمعاونة مختلف الأطراف، الليبية والإقليمية والدولية، في وضع أسس لإعادة تشكيل مجلس الدولة والحكومة الانتقالية الليبية، التي تتمثل مهمتها الأساسية في الإعداد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية الليبية، التي تحددت مواعيدها في الرابع والعشرين من الشهر القادم وفي شهر يناير القادم على التوالي. كما أن "ويليامز" نجحت أيضًا في تشكيل منتدى الحوار الليبي، المكون من 75 شخصيةً ليبيةً، تولت اختيار أعضاء مجلس الدولة وأعضاء الحكومة الانتقالية الليبية ورئيسها، وكذلك الجمع بين الفرقاء الليبيين من شرق ليبيا وغربها في لقاءات أسفرت بالفعل عن خطوات محددة لإعادة التواصل والانتقال بين الأقاليم الليبية وفتح الطرق واستئناف رحلات الطيران وتوحيد البنك المركزي، وتثبيت وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع على الاتفاق الخاص به في 23 من أكتوبر من العام الماضي، وكذلك دعم المفوضية العامة للانتخابات لتقوم بدورها، والسعي إلى التغلب على المشكلات بين شرق ليبيا وغربها من خلال اجتماعات لجنة (5 +5) العسكرية، وتأمين دعم دولي بشكل أو بآخر من خلال مجلس الأمن الدولي، الذي أصدر قرارات بإنشاء وحدة، تضم 60 مراقبًا على الأكثر وتكون جزءًا من بعثة الدعم الأممية في ليبيا، المراقبة للالتزام بوقف إطلاق النار. وهذه الوحدة منفصلة عن آلية مراقبة الاتفاق التي شكلها طرفا النزاع في مدينة سرت، كما أكد مجلس الأمن الدولي على دعم الخطوات التحضيرية للانتخابات وضمان أن تكون "الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حرة ونزيهة وشاملة"، ودعا إلى خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، كما شدد قرار مجلس الأمن الدولي الصادر بالإجماع في 16 من إبريل الماضي على "ضرورة نزع السلاح وتسريح القوات وإعادة إدماج اجتماعية للجماعات المسلحة وجميع الفاعلين المسلحين خارج إطار الدولة وإصلاح القطاع الأمني وإنشاء هيكل دفاعي شامل ومسؤول في ليبيا "كما دعا مجلس الأمن جميع الأطراف الليبية إلى التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 23 من أكتوبر عام 2020، والتشديد على دعوة كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى احترامه، بما في ذلك الانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا". والحفاظ على وحدتها الإقليمية وسيادتها.

وقد واصل "يان كوبيتش" جهود "ستيفاني ويليامز" منذ توليه منصبه كممثل للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، خلفًا للدكتور غسان سلامة، وذلك منذ منتصف العام الماضي. ولعله من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول جوار ليبيا والاتحاد الإفريقي تدعم الحل السلمي في ليبيا وخطوات الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومجلس الدولة برئاسة محمد المنفي، وبالتالي فإن مختلف الأطراف تبدو وكأنها تدعم الحل السلمي. وبرغم ما تمخض عنه مؤتمر برلين الخاص بليبيا في يناير من العام الماضي، وكذلك المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس يوم الجمعة الماضي من نتائج وتأكيدات من جانب مختلف الأطراف المعنية بليبيا، إلا أن الواقع يشير إلى عقبات لم يتم حلها حتى الآن، وهناك مخاوف من أن تعرقل هذه العقبات عملية إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر بعد نحو شهر من الآن.

ثانيًا: إنه إذا كان من المعروف أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ليبيا هي مجرد أداة، أو وسيلة لإعادة وضع ليبيا على الطريق الصحيح لاستعادة الأمن والاستقرار، والخلاص من مختلف الأسباب التي أدت إلى الأوضاع الحالية، وإعادة دمج المؤسسات الليبية، وفي مقدمتها القوات المسلحة مرة أخرى، إلا أن الواقع والتجربة العملية في أوضاع مشابهة، ومنها على الساحة العربية، تشير بوضوح إلى أن الانتخابات يمكن أن تمثل أداة مهمة، ولكنها بالتأكيد ليست كافية وحدها لتحقيق الانتقال بليبيا إلى حيث يتطلع الليبيون ويتمنون لأنفسهم ووطنهم، ليس فقط لأن الانتخابات يمكن أن يتم التدخل والتأثير فيها من جانب أطراف ليبية وغير ليبية، خاصة في ظل طبيعة الأوضاع الراهنة في ليبيا، ولكن أيضًا لأنه ليست هناك ضمانات، حتى الآن على الأقل، بأن تقبل وتوافق الأطراف الليبية المختلفة على النتائج التي قد تتمخض عنها الانتخابات، خاصة إذا أسفرت تلك الانتخابات عن عدم نجاح ممثلي ميليشيات مناطقية أو عسكرية تريد السيطرة على مقدرات ليبيا ولا تلتزم بالانتخابات كأسلوب للتغيير السياسي السلمي.

ومع الوضع في الاعتبار أن مجلس الرئاسة الليبي والحكومة الانتقالية سعيًا إلى الحوار مع كل الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بليبيا وذات المصالح فيها خلال الفترة الماضية، إلا أن الأوضاع في ليبيا قد أصابها "الجمود" أو وقعت في "دائرة الانتظار"، إذا جازت التسمية وذلك على امتداد الأشهر الأخيرة. وليس من المبالغة في شيء القول بأن العثرات التي ظهرت على طريق استعادة الثقة بين القاهرة وأنقرة، وكذلك الصراعات، أو المنافسات المكتومة وغير المعلنة بين بعض دول جوار ليبيا، وتقاطع المصالح بين مصر وتركيا، وبين مصر والجزائر، وبين موسكو وواشنطن، وبين إيطاليا وفرنسا، وبين أطراف ودول مجاورة لليبيا تستفيد من استمرار الوضع الراهن في ليبيا بشكل أو بآخر تعد مسؤولة، إلى حد غير قليل عن حالة التجمد التي أصابت الأوضاع في ليبيا، التي أدت إلى ظهور خلافات بين مجلس النواب الليبي في شرق ليبيا وبين الحكومة الانتقالية، خاصة حول قانون الانتخابات، وكذلك عودة الخلافات والجدل حول دور اللواء خليفة حفتر الذي أعلن عن ترشحه في انتخابات الرئاسة الليبية، ورفض بعض الأوساط الليبية لترشحه للرئاسة، على خلفية أحداث الفترة الماضية ودور خليفة حفتر ومحاولته السيطرة على طرابلس بالقوة المسلحة، وهو ما فشل فيه بسبب التدخل التركي العام الماضي. ومع أنه لم يتبق عن موعد إجراء الانتخابات التشريعية سوى نحو أربعة أسابيع، إلا أن الخلافات متعددة المستويات في ليبيا وحولها لم تتجه بعد إلى الحل أو إلى الانفراج ولو نسبيا، صحيح أن أي طرف لا يريد أن يظهر وكأنه يعرقل السير نحو الحل السلمي وإجراء الانتخابات في موعدها، حتى لا تتضرر صورته داخل ليبيا وخارجها، إلا أن الشكوك تتزايد بالنسبة لإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها بعد شهر تقريبًا، وكذلك إجراء الانتخابات الرئاسية في يناير القادم.

ثالثا: إنه إذا كان مؤتمر باريس حول ليبيا الأسبوع الماضي وكذلك الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن والاتحاد الإفريقي قد أكدت جميعها على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، حتى لا تتم الانتخابات في وجودهم، إلا أن الدول المسؤولة عن جلب الميليشيات، التي تحتفظ بقوات في ليبيا لم تحرك ساكنًا، بل أن تركيا –على سبيل المثال- أعلنت أن قواتها في ليبيا ستستمر هناك في إطار الاتفاقيات التي عقدتها مع حكومة السراج السابقة، وطالما طلبت الحكومة الليبية ذلك، أما روسيا فقد نفت صلتها بالميليشيا المكونة من قوات شركة "فاجنر" الروسية . ويعني ذلك بوضوح أن الإطار السياسي والأمني الذي ستتم فيه الانتخابات الليبية من شأنه أن يثير القلق حول حرية وحيادية وشمول الانتخابات الليبية، كما حث على ذلك مجلس الأمن الدولي أكثر من مرة. ومع الوضع في الاعتبار أهمية وضرورة أن يتم التوصل إلى توافق ما بين الأطراف المتنافسة والمتصارعة في ليبيا بسبب مصالحها، فإن الأسابيع القليلة المتبقية حتى موعد إجراء الانتخابات لن تكف في الواقع لكي تغادر القوات الأجنبية والميليشيات (وهي عدة آلاف) الأراضي الليبية، وهو ما يعني مسؤولية الدول التي تتبع لها تلك القوات والميليشيات عن عرقلة إجراء الانتخابات في موعدها، بكل النتائج التي يمكن أن تترتب على ذلك، بالنسبة لليبيا، وبالنسبة للسلام والأمن الإقليميين أيضًا.

على أية حال إذا كان من المؤكد أن تخطي عتبة الانتخابات الليبية في موعدها والنجاح فيها يمثل مصلحة حقيقية لليبيا الدولة والشعب، في الحاضر والمستقبل، فإنه يمثل كذلك مصلحة حقيقية لدول جوار ليبيا وللسلم والأمن إقليميا ودوليا كذلك، ورغم إدراك مختلف الأطراف لهذه الحقيقة، إلا أن معظمها يتصرف حسبما تمليه مصالحه الضيقة أو الفردية، باعتبار أن عملية إعادة أعمار ليبيا وإعادة تكوين وتدريب جيشها وتسليحه تشكل مجالا واسعا للمصالح تنظر إليه أطراف محددة ومعروفة حاولت وتحاول تكبيل ليبيا بالاتفاقيات ومذكرات التفاهم في هذا الشأن. وبينما أكدت مصر، سواء خلال مؤتمر باريس الجمعة الماضية والمؤتمرات السابقة له، أو خلال زيارات المسؤولين الليبيين للقاهرة، على استعدادها لدعم ليبيا وتقديم كل ما يمكنها إلى الأشقاء الليبيين، وبما يحافظ على وحدة أراضي وشعب ليبيا واستقرارها وأمنها الذي يعد جزءًا من الأمن المصري، فإنه من المأمول أن تسفر الانتخابات التشريعية والرئاسية الليبية القادمة، حتى لو تأجلت لبعض الوقت، عن الدفع بليبيا الشقيقة إلى طريق استعادة الثقة والتعاون بين أبنائها وأقليمها من أجل بناء ليبيا من جديد، أما نتائج الانتخابات ومرشحي الرئاسة فإن الشعب الليبي هو صاحب الكلمة والقرار في هذا الشأن، بغض النظر عن أسماء المرشحين، سواء كان خليفة حفتر، أو عقيلة صالح، أو سيف الإسلام نجل العقيد معمر القذافي، فحاضر ليبيا ومستقبلها على المحك ونتمنى لها السلامة والاستقرار.