عام جديد تقترب فيه المنطقة من بعض آمالها !!
د.عبد الحميد الموافي
بالأمس القريب انتهى عام 2021 ليصبح تاريخا، وليضيف قدرا آخر من الخبرات والآمال والإحباطات أيضا بالنسبة لقضايا فرضت نفسها وعاشت معها شعوب المنطقة على مدى الأعوام الأخيرة وعلى نحو تقاذفتها الآمال والطموحات حينا، وخيبة الأمل والإحباطات حينا آخر. ومنذ أول هذا الأسبوع دخلت المنطقة والعالم عاما جديدا، تأمل فيه دولها وشعوبها أن تتمكن من التقدم نحو تحقيق أهدافها وأولوياتها التي تفرضها مصالحها الوطنية، بمعنى مصالح شعوبها ودولها، وليست مصالح أطراف أخرى من داخل المنطقة أو خارجها، تحت أي مسمى أو شعار، خاصة وأن شعوب المنطقة دفعت على مدى عقود عديدة، ولا تزال ثمنا غاليا، بسبب مزاعم وشعارات وأولويات لا تمت لمصالحها الوطنية بصلة.
وإذا كان الزمن، وكذلك الأحداث والتطورات بمثابة سلاسل مترابطة ومتداخلة بشكل أو بآخر، فإنه من الطبيعي والمفهوم أن اليوم هو ابن الأمس وأن الغد هو ابن اليوم، وأن القضايا والتطورات ليست جزرا منعزلة ولكنها تتطور وتتأثر بما تمر به وتتعرض له من تفاعلات على مستوى أو آخر، ومن ثم فان الانتقال من عام إلى آخر لا يشكل انقطاعا ولا فاصلا على أي نحو بالنسبة للقضايا والتطورات المختلفة، وعلى ذلك فان العام الجديد يبني ويراكم على ما حدث خلال العام الذي سبقه بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات.
وفي ضوء ذلك فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يأتي:
أولا: على المستوى المحلي، فإنه يمكن القول بأن عام 2021، وبرغم أية ضغوطات تفرضها الإجراءات التقشفية والإصلاحية على المستويين المالي والاقتصادي، وبالطبع الاجتماعي، الا أنه شهد في الواقع خطوات وتحركات عملية ومحسوسة ومحسوبة كذلك نحو تحقيق الأهداف والأولويات التي حددتها "رؤية عمان 2040" ضمن ركائزها والأسس التي تقوم عليها من ناحية، وكذلك إجراءات خطة التوازن المالي قصيرة المدى التي يتم العمل بها أيضا، فضلا عن مجموعة القوانين التي تم إصدارها لتطوير البيئة الاستثمارية ومجالات الاستثمار وإعادة الهيكلة للجهاز الإداري للدولة في مختلف القطاعات من ناحية ثانية، ولعله من الأهمية بمكان الإشارة إلى حقيقة مهمة، وهي إنه نتيجة لذلك فإن مؤسسات التقييم الدولية قد أعادت تقييم الأوضاع المالية لسلطنة عُمان بشكل أكثر إيجابية في أواخر العام الماضي وبأفضل مما كان عليه في أوائل العام، وهو ما يسهم في تشجيع الاستثمارات ويتيح مزيدا من الفرص للسلطنة للتعامل مع مؤسسات التمويل والإقراض الدولية، وبما يعزز الثقة في المسار الاقتصادي للسلطنة وفي خططها وبرامجها التنموية، وهو ما يعني بشكل واضح وعملي أن المسار المالي والاقتصادي والإصلاحي الذي تنفذه حكومة حضرة صاحب الجلالة سيسير في العام الجديد في المسار الصحيح وأن تتراكم وتتعزز العوامل والسبل التي تدفع نحو تحقيق الأهداف والأولويات على النحو المخطط والمرغوب، خاصة وأن العام الماضي شهد تعزيزا وتوثيقا لعلاقات السلطنة مع العديد من الأشقاء والأصدقاء في المنطقة وعلى المستوى الدولي.
ثانيا: أما بالنسبة لقضايا المنطقة والمشكلات والحروب التي فرضت عليها، فإنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن العام الماضي 2021 لم يكن عاما مهدرا أو سلبيا بالكامل، إذ أنه حدثت تطورات مهمة ومؤثرة بالنسبة لعدد من القضايا والأطراف، سواء بالنسبة للعراق او لمفاوضات البرنامج النووي الإيراني في فيينا أو لأفغانستان، وحتى بالنسبة للأوضاع في اليمن وليبيا وسوريا وغيرها، صحيح ان الأوضاع في اليمن وليبيا وسوريا ولبنان لم تحقق ما كان مأمولا، ولم تتوقف الحرب بشكل كامل في اليمن مثلا، ولم يتم عقد الانتخابات النيابية والرئاسية الليبية في موعدها الذي كان محددا في 24 ديسمبر الماضي، ولم تخرج الدولة اللبنانية من النفق الذي دخلته منذ انفجار ميناء بيروت قبل عام ونصف العام تقريبا، ولم يتم التوصل بعد لاتفاق في مفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني، برغم التصريحات المتفائلة، ولكن ذلك لا يعني إنه لم يتحقق شيء، فالواقع هو أن العام الماضي كان بمثابة مرحلة تمثلت أهميتها الشديدة في أنها دفعت بالعديد من القضايا إلى الاقتراب بشكل كبير من محيط دائرة الحل، وبمعنى أدق ان كل الأطراف المعنية، بالنسبة للقضايا المختلفة باتت مع أواخر العام الماضي على قناعة تامة ولا لبس فيها، بأهمية وضرورة الحل السلمي للخلافات المطروحة، وأنه لا مناص في النهاية من التوصل الى توافقات وتقديم تنازلات ضرورية ومناسبة حتى يمكن التوصل الى نقطة توازن على طريق الحل، وأن العمل العسكري لن يحل أي من تلك المشكلات بالتأكيد.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا تعطلت خطوات وبرامج وإجراءات، وحتى اتفاقيات كانت على وشك الاتفاق بشأن توقيعها أو حتى تنفيذها؟ وهل التعويق والتأجيل يأتي من الداخل، أي من القوى والأطراف الداخلية، أم أنه يأتي من جانب القوى والأطراف الإقليمية والدولية؟ وما علاقة ذلك بما يجري حول المنطقة وعلى امتداد العالم من تطورات، بين أمريكا والصين تجاريا وبشأن تايوان من ناحية، وبين أمريكا وحلف الناتو وبين روسيا حول أوكرانيا من ناحية ثانية، وما يجري في فيينا من محادثات بين إيران ومجموعة ( 4+1) بحكم عدم مشاركة واشنطن في المحادثات بشكل مباشر من ناحية ثالثة.
ثالثا: إنه مع إدراك وتفهم ضغط وثقل المصالح الخارجية، الإقليمية والدولية، ومحاولة الأطراف المعنية العمل بكل السبل لتحقيق مصالحها وفق ما تراه هي مناسبا لها، خاصة إذا كانت تملك القدرة والإرادة والرغبة في تحقيق تلك المصالح أو توسيعها على الأرض، الا أنه مهما كانت قوة القوى والأطراف الخارجية، إلا أن ذلك لا يمكن ان يعفي الأطراف الداخلية من المسؤولية بشكل أو بآخر، وذلك لسبب بسيط هو أن القوى الخارجية تحتاج دوما الى طرف محلي تستخدمه أو تعتمد عليه، وإذا لم يوجد هذا الطرف فإنها تصنعه وتسانده وتدفع به ليقوم بدور محدد ومرسوم. أما الجانب الآخر من الصورة فإنه يتمثل في ان الطرف المحلي، حتى ولو كان ضعيفا، يظل قادرا على التعبير بشكل او بآخر عن مصالح محلية ما، والا فقد مبرر وجوده وفقد القدرة على الاستمرار في القيام بدوره أيضا. ومن خلال هذه الجزئية، حتى وان كانت صغيرة، فإن دورا مهما ومسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأطراف المحلية في أي نزاع أو صراع، خاصة اذا استشعرت مسؤولياتها الوطنية حيال شعوبها ومجتمعها.
ومن هذه النقطة فانه يمكنها الدفع نحو التقارب والتوافق وتقديم التنازلات الممكنة من أجل تسهيل التوصل الى نقاط توافق تدفع نحو الحل الحقيقي وإنهاء المواجهات. صحيح إن الأطراف الإقليمية والدولية لا ترحب بذلك عادة، بل وانها تلجأ في بعض الظروف إلى خلط الأوراق، وإلى الاغتيالات والتصفيات الجسدية لبعض القيادات أو العناصر النشطة، وإلى الإغراءات المالية واغراءات السلطة لبعضها أيضا، والأمثلة في هذا المجال يمكن رؤيتها وتحديدها في أمثلة محددة وعديدة في المنطقة وخارجها، ولكن الصحيح أيضا هو أن الحفاظ على مصالح الأوطان وعلى أمنها القومي وحماية مقدراتها ومقومات نموها في حاضرها ومستقبلها يفرض بذاته تضحيات جسام على من يتصدون لهذه المهام الوطنية، ومن حسن الحظ أن هناك من بين القيادات العربية من يستشعرون المسؤولية والقدرة على التصدي والقيام بهذه المهام المحفوفة عادة بمخاطر ومسؤوليات جسيمة.
ومن المأمول أن تكمل قيادات عربية، بدأت في السير على هذا الطريق، تكمل خطواتها برغم كل المعوقات والتهديدات التي طالت مقار إقامتهم أو حياتهم الشخصية أحيانا. ومع التأكيد على احترام وتقدير وطنية القيادات المحلية العربية، وعلى تفهم تعقيدات الظروف المحلية والإقليمية والدولية المحيطة بهم، وثقل الضغوط التي يتعرضون لها بشكل مباشر أو غير مباشر، إلا أنه لا يمكن اغفال دورهم وقدرتهم على التأثير أو على الأقل الضغط ومحاولة توجيه دفة الأحداث في أوطانهم بما يسير في صالح تلك الأوطان في النهاية بشكل أو بآخر. ومن الواضح ان بعض القيادات المحلية العربية، خاصة في العراق وليبيا ولبنان قد تمكنت، بغض النظر عن حجم ما تحقق، من الدفع بقضاياها نحو الاقتراب من محيط دائرة الحل بشكل ما.
* د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري
