روسيا والصين تهدّدان الدولار

26 مارس 2023
26 مارس 2023

ترجمة - قاسم مكي -

النتيجة الأكثر إثارة للاهتمام لاجتماع قمة الأيام الثلاثة بين فلاديمير بوتين وشي جينبينج نالت قدرا محدودا من عناية وسائل الإعلام. قال بوتين وهو يصف محادثات القمة «نحن نفضِّل استخدام عملة اليوان الصينية للتسويات (التجارية) بين روسيا وبلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية».

إذن ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مصدِّر للطاقة في العالم يحاولان في هِمَّة زعزعة هَيمَنة الدولار ودوره كدعامة أساسية للنظام المالي العالمي. هل سينجحان في ذلك؟

الدولار هو قوة أمريكا الخارقة. إنه يمنح واشنطن «عضلات» اقتصادية وسياسية لا تُجارَى. فالولايات المتحدة تستطيع فرض عقوبات أحادية على البلدان وإبعادها عن جزء كبير من اقتصاد العالم. وعندما تنفق واشنطن الأموال دون حساب يمكنها الاطمئنان إلى أن ديونها التي تتخذ في العادة شكل سندات خزانة سيشتريها كلها باقي العالم.

العقوبات التي فُرضت على روسيا لحربها على أوكرانيا إلى جانب مقاربة واشنطن التي تتزايد نزعتها الصدامية تجاه الصين أوجدت وضعا كارثيا تُسرِّع فيه كل من روسيا والصين جهودهما لتنويع (تعاملاتهما النقدية الخارجية) بعيدا عن الدولار. فالبنكان المركزيان للبلدين يحتفظان باحتياطيات أقل بعملة الدولار. ومعظم التجارة بينهما تتم تسويتها بعملة اليوان الصينية. وهما أيضا كما ذكر بوتين تبذلان جهودا لجعل البلدان الأخرى تحذو حذوهما.

أدارت إدارة بايدن الحرَب الاقتصادية ضد روسيا بمنتهى الفعالية من خلال بناء ائتلاف لدعم أوكرانيا يضم كل الاقتصادات المتقدمة في العالم تقريبا. جعل ذلك من الصعب الفرار من الدولار إلى عملات أخرى مستقرة وذات قيمة عالية مثل اليورو أو الجنيه الاسترليني أو الدولار الكندي لأن بلدان هذه العملات أيضا معارضة لروسيا.

ربما الذي شكَّل نقطة تحول حادّ لدور الدولار كان قرار الرئيس دونالد ترامب في مايو 2018 بالتخلي عن الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات على طهران.

لقد شاهد الاتحاد الأوروبي الذي عارض بشدة هذه الخطوة كيف كانت هيمنة الدولار تعني إقصاء إيران وعلى الفور من أجزاء كبيرة من اقتصاد العالم بما في ذلك شركائها التجاريون في أوروبا.

اقترح جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية وقتها تعزيز دور عملة اليورو عالميا لحماية القارة من «الأحادية الأنانية». ورسمت المفوضية مسارا لبلوغ هذا الهدف.

لكن ذلك لم يحدث. فقد ظلت هنالك شكوك كبرى وعديدة حول مستقبل اليورو نفسه. ورسَخت هيمنة الدولار لعدة أسباب. فالعالم المُعولَم يحتاج إلى عملة واحدة لتيسير وضمان فعالية المعاملات. والدولار مستقر. فأنت يمكنك شراءه وبيعه في أي وقت. وهو محكوم إلى حد بعيد بالسوق وليس بمزاج حكومي. وذلك هو السبب في عدم نجاح جهود الصين لتوسيع دور اليوان على الصعيد العالمي. وللمفارقة إذا أراد الزعيم الصيني أن يُلحِق أبلغ ضرر بالولايات المتحدة سيحرر قطاعه المالي ويجعل اليوان منافسا حقيقا للدولار. لكن ذلك سيقوده في اتجاه الأسواق والانفتاح وهذا عكس أهدافه الداخلية.

دفع تحويلُ واشنطن الدولار إلى سلاح العديدَ من البلدان المهمة إلى البحث عن سبل أخرى لضمان ألا تكون هي نفسها «روسيا التالية». لقد هبطت حصة الدولار في احتياطيات البنوك المركزية العالمية من حوالي 70% تقريبا قبل 20 عاما إلى أقل من 60% اليوم. وهي تتراجع باطراد.

ويحاول الأوروبيون والصينيون بناء أنظمة مدفوعات دولية خارج نظام «سويفت» الذي يهيمن عليه الدولار. كما دار في بال السعودية فكرة تسعير نفطها باليوان. وتسوِّي الهند معظم مشترياتها النفطية من روسيا بعملات أخرى غير الدولار. إلى ذلك قد تكون العملات الرقمية التي يجري استكشافها من قِبَل معظم الدول بديلا آخر. وفي الحقيقة ابتدع البنك المركزي الصيني عملة رقمية.

كل هذه البدائل تضيف تكاليف. لكن يجب أن تعلِّمنا السنوات القليلة الماضية أن البلدان الأخرى ترغب باطراد في دفع الثمن اللازم لتحقيق أهدافها السياسية.

نحن نواصل البحث عن البديل الوحيد للدولار. ولن يكون هنالك بديل له. لكن هل يمكن أن يضعف تدريجيا؟ هذا السيناريو هو الذي يبدو أكثر احتمالا.

يقول الكاتب والمستثمر روشير شارما «في الوقت الحاضر ولأول مرة حسبما أذكر لدينا أزمة مالية عالمية يضعف فيها الدولار بدلا من أن يقوَى. وأنا أسائل نفسي إذا ما كان هذا علامة على ما سيأتي».

إذا كان ذلك كذلك على أمريكا أن تقلق. لقد كتبتُ قبل أيام عن العادات الجيوسياسية السيئة التي اكتسبتها واشنطن بسبب مكانة القطب الواحد التي لا ينافسها فيها أحد. هذا أكثر ما يصحُّ اقتصاديا. فالساسة الأمريكان اعتادوا على الإنفاق دون خشية من عجوزات الموازنة كما يبدو. فالدَّين العام ارتفع إلى خمسة أضعاف مستواه تقريبا من 6.5 تريليون دولار قبل 20 عاما إلى 31.5 تريليون اليوم.

وسعى بنك الاحتياط الفيدرالي إلى حل المشاكل التي نجمت عن سلسلة من الانهيارات المالية بزيادة ميزانيته العمومية إلى 12 ضعفا من 730 بليون دولار قبل 20 عاما إلى 8.7 تريليون دولار اليوم. كل هذا صار ممكنا بفضل المكانة الفريدة للدولار. وإذا ضعفت هذه المكانة ستواجه أمريكا حسابا عسيرا لا سابق له.

فريد زكريا كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست ومقدم برنامج يتناول القضايا الدولية والشؤون الخارجية على شبكة سي إن ان.