رفح .. الانتحار السياسي لنتانياهو

14 فبراير 2024
14 فبراير 2024

لا تكف المؤشرات التي ظللنا نستعرض دلالاتها فيما كتبنا من مقالات - حيال المصائر العدمية التي تحيط بإسرائيل عبر سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، عن تأكيد أن الأخير يمارس السقوط الحر في ما لا يجعل له سبيلاً سوى الانتحار السياسي.

وبالرغم من الضغوط التي تعبر عنها الإدارة الأمريكية نظريًا عبر تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلا أن قرار نتانياهو باجتياح رفح والوقوع في المزيد من المتاعب الكارثية لإسرائيل يبدو أنه القرار الأخير للرجل.

يدرك نتانياهو -وهو الأكثر خبرةً في طرائق التأثير على الرأي العام الأمريكي من بين كافة رؤساء إسرائيل- متاعب الإدارة الأمريكية مع جملة من صعوبات اتخاذ القرار التي تواجهها؛ نتيجة للمشكلات التي أصبحت تطرأ في أوساط الرأي العام الأمريكي حول القلق من ذاكرة الرئيس بايدن، وأثر ذلك في كثير من القرارات المصيرية لهذه الإدارة، ناهيك عن الحيرة التي تحيط بالرئيس بايدن بين ضغطين، ضغط شعبي في أوساط الحزب الديمقراطي والشعب الأمريكي بضرورة لجم الدولة العبرية عمَّا ترتكبه من أضرار بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من خلال المجازر غير المقبولة في غزة، وضغط من طرف اللوبي الإسرائيلي الذي يدرك بايدن تأثيره الحاسم في الانتخابات المقبلة بداية نوفمبر القادم، خصوصًا وأنه منذ شهر مارس القادم سيدخل الرئيس بايدن المرحلة السياسية المعروفة بمرحلة «البطة العرجاء».

هذه الملابسات والظروف التي تحيط بإدارة الديمقراطيين في واشنطن بالنسبة لنتانياهو وضع مثالي لاتخاذ القرارات التي يدرك تمامًا أن مصلحته الذاتية تكمن فيها وهي البقاء متشبثًا بالسلطة في وجه أي محاولة من المعارضة لفرض انتخابات مبكرة أكثر من كونها قرارات عقلانية تصب في مصلحة أمن إسرائيل حيال معضلة عملية طوفان الأقصى التي لاتزال تداعياتها تهز إسرائيل منذ يوم 7 أكتوبر الماضي.

انتحار نتانياهو السياسي وورطته اليوم، ستأتيه من ردود الفعل الظاهرة لسياساته العسكرية منذ 4 أشهر وفشل تلك السياسات عن تحقيق تقدم أو اختراق يحسب لها، ومع ذلك يصر نتانياهو على مواصلة ما يزعم أنه الطريق الصحيح لتصفية حماس من قطاع غزة.

نتانياهو في طريقه الهائج لاجتياح رفح، قد لا يدرك أنه يقترب من خطوط خطيرة تمس معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية منذ عام 1978 التي ظلت صامدة -كسلام بارد- لأكثر من 46 عامًا، لكنها - في ظل ما أبدته مصر وأمريكا والعالم من تحذيرات لنتانياهو على خطورة المجازفة التي يريد أن يقدم عليها باجتياح رفح- قد تكون منزلقًا خطيرًا.

وفيما تظل المساعي المكوكية بين أجهزة مخابرات دولية وإقليمية تضغط الوقت استباقاً لصفقة رابحة تقطع الطريق على اجتياح رفح، تبدو حماس، في الوقت ذاته، أكثر قدرة على إدارة التناقضات، حين وصفت الساعات الـ24 القادمة أنها الساعات الحاسمة على مصير الصفقة المقبلة، في ما يشبه لعبة عض الأصابع مع نتانياهو.

وإذا كان واضحاً أن نتانياهو، الذي أرسل وفد من رؤساء المخابرات الإسرائيلية إلى اجتماع القاهرة يوم أمس لمقابلة رئيس المخابرات الأمريكية ورئيس الوزراء القطري والمخابرات المصرية بدون أي تفويض، وإنما لسماع ما يجري في تلك المفاوضات، فإن حماس هي الأخرى تدرك أن اجتياح إسرائيل لرفح سيجعلها أكثر قدرةً على توريط الجيش الإسرائيلي في مزيد من المتاعب والخسائر، لأنه إذا كانت العملية الأخيرة للجيش الإسرائيلي، التي تمكن فيها من إرجاع مخطوفين من داخل قطاع غزة، قد أدت إلى مقتل أكثر من 100 فلسطيني في محيطها، فلنا أن نتصور كيف سيتمكن الجيش الإسرائيلي استعادة أكثر من 100 مختطف إسرائيلي وفق هذه الشروط في منطقة كرفح يكتظ فيها أكثر من مليون و400 ألف فلسطيني نزحوا من داخل عزة إلى جنوبها؟

ردود الفعل على اجتياح رفح سيكون أخطر وفوق ما يتصور نتانياهو، لأن القدر الكبير من الضحايا الذي وصل حتى الآن إلى 28 ألف شهيد فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال في كافة قطاع غزة، خلال 4 أشهر، سيكون الضحايا في عملية اجتياح رفح أضعاف هذا الرقم.

وإزاء هذا الجنون الذي تقدم عليه سياسات نتانياهو الهوجاء؛ سيدرك الجميع أن الرجل يقدم على انتحار سياسي قد لا ينهي حياته السياسية فحسب، بل كذلك قد يؤدي به إلى السجن، وهذا ما ستكشفه الأسابيع والشهور القادمة لا محالة.