خطوات عملية نحو مزيد من التقدم

29 يناير 2024
29 يناير 2024

بالرغم من التحديات التي مرت بها سلطنة عمان في النصف الثاني من العقد الماضي، وما صاحب تفاقم مشكلة الديون الخارجية من قلق كبير بحكم ارتفاع حجمها على نحو غير مسبوق، فإن مدة أربع سنوات منذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير 2020 ورغم أنها مدة محدودة، إلا أنها كانت بحكم ما بذل فيها من جهد وما تم حشده من موارد، وما تم اتخاذه من إجراءات عملية مدروسة جيدا لإعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة، وتنظيم مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني ماليا وتخطيطيا، وفق الرؤية المستقبلية «عُمان 2040»، والبدء السريع في تنفيذ خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025)، والأهم من ذلك الرؤية السامية لجلالته والعزم القوي للنهوض بعُمان وتجاوز مختلف التحديات والإيمان العميق بقدرات المواطن العماني واتخاذ خطوات فعّالة للاستعانة بأفضل الكوادر الوطنية المؤهلة والمدربة في مختلف المجالات، كل ذلك برغبة حقيقية ومتواصلة في تحقيق الأهداف، ممزوجة بطموح وطني وبرغبة حقيقية في تحقيق أهداف التنمية والتقدم العماني كما أراد لها السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وهو ما يواصل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أبقاه الله- مسيرته بوعي وإدراك عميق، تعززت على مدى سنوات طويلة بمشاركة عملية لصيقة وعلى أعلى المستويات في صياغة أهدافها وأولوياتها، وعلى نحو يتجاوب مع طموحات المواطن ومتطلبات التنمية المستدامة. وبفضل هذا الجهد الذي امتزجت فيه جهود القيادة والمواطنين، استطاعت سلطنة عمان ليس فقط تجاوز التحديات السابقة وفق خطة التعافي الاقتصادي وهو ما يلمسه بالفعل المواطن العماني بشكل عملي، ولكن أيضا الانتقال إلى مرحلة أكثر قدرة على التجاوب مع تطلعات الوطن والمواطن في مزيد من النمو والتقدم على أسس راسخة وذات آفاق أوسع للمستقبل، وهو ما يعيشه المواطن العماني بشكل عملي. وفي هذا الإطار، فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها:

أولا، إنه في الوقت الذي تترابط وتتكامل فيه حلقات ومراحل التنمية العمانية الحديثة والمستدامة -حسبما اعتادت على مدى العقود الماضية منذ انطلاقها قبل عقود- فإنه ليس من الصحيح ولا الموضوعي محاولة البعض الفصل بين ما قبل عام 2020 وما بعده، لأهداف أو أغراض أو مصالح، ما يحاول البعض تغليفها بأساليب أو صياغات مختلفة ليس فقط لأن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أعزه الله- توفرت له خبرات عملية عديدة ومتنوعة في مختلف مجالات إدارة الشؤون الوطنية داخليا وعلى المستوى الخارجي في العلاقات مع الدول الأخرى، ولكن أيضا المشاركة في جهود التنمية الوطنية وصياغتها إلى جانب السلطان قابوس -طيب الله ثراه- يضاف إلى ذلك أن السلطان هيثم بن طارق تولى مقاليد الحكم بترشيح من جانب السلطان الراحل وهو ما تعزز بالإجماع عمليا أيضا من جانب مختلف مؤسسات الدولة المعنية ومن جانب المواطنين في مختلف محافظات سلطنة عمان. وبينما قدمت عُمان نموذجا حضاريا بالغ الأهمية والدلالة في عملية الانتقال السلس للسلطة وعلى نحو ستذكره الأجيال لعقود عديدة، فإنه من الطبيعي والمعروف أن عمليات انتقال السلطة عادة ما يصاحب بعضها بروز توجهات ووجهات نظر وعمليات إعادة تنظيم وترتيب لجوانب الحكم والسلطة وهو ما تم بالفعل في الفترة الماضية وبعد جهد شاق ومتواصل بقيادة وتوجيه جلالته -حفظه الله ورعاه- تمت صياغة رؤية جديدة يحرص جلالته من خلالها على العمل بوسائل عملية للنهوض بمستوى معيشة المواطنين وعلى التخفيف قدر الإمكان من أعباء معيشتهم، بما في ذلك تخفيض من كلفة بعض الخدمات وهو ما سيتم تنفيذه اعتبارًا من بداية فبراير القادم، هذا فضلا عما توفره منافع الضمان والحماية الاجتماعية التي وجه بها جلالته للتخفيف عن كاهل مختلف قطاعات المواطنين، بمن فيهم فئات الضمان الاجتماعي وكبار السن والنساء والباحثون عن عمل والأطفال. وبغض النظر عن الجدل حول هذا الجانب أو ذاك من أجل تجويد الأداء وضمان أفضل ممارسات ممكنة لصالح كل فئات المواطنين، فإن مرحلة جديدة من التوجه نحو مزيد من النمو والتقدم تدخلها سلطنة عمان بقيادة جلالته وبآفاق واسعة وآمال عريضة وأساليب غير مسبوقة على النحو الذي هي عليه الآن، والذي سيطبق أيضا خلال الفترة القادمة وبمتابعة شخصية من جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- وذلك لخير الوطن والمواطن ودعما للتنمية المستدامة والمتجددة اليوم وغدا.

ثانيا، إنه في الوقت الذي احتفلت فيه سلطنة عمان بالذكرى الرابعة لتولي جلالة السلطان المعظم مقاليد الحكم مصحوبة بدرجة عالية من الاستقرار في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والمعززة أيضا بدور عماني نشط وملموس لبذل جهود الوساطة وتقريب وجهات النظر وتخفيف التوتر المتزايد في المنطقة، فإن لقاء جلالة السلطان المعظم -أبقاه الله- بشيوخ وأعيان ورشداء وأعضاء مجلسي الدولة والشورى في جولته بمحافظة مسندم يوم 14 يناير الجاري يحمل دلالة للأهمية الكبيرة التي تمثلها محافظة مسندم بالنسبة للجغرافيا والسياسة والاقتصاد العماني في الماضي والحاضر والمستقبل من ناحية، ودلالة أن تكون هذه الجولة هي الأولى هذا العام وبالتزامن مع الذكرى الرابعة لتولي جلالته مقاليد الحكم من ناحية ثانية، فضلا عن مواكبتها للنشاط السياسي العماني إقليميا وخارجيا، إلى جانب ما وجه به جلالته -حفظه الله ورعاه- فيما يتعلق بتعزيز مشروعات وخطط وبرامج التنمية ودعم اللامركزية ومنح المزيد من الصلاحيات للمحافظة، والتوسع في الأنشطة الخدمية لرفع مستوى الخدمات ومعيشة المواطنين وتحسين مستوى الطرق والربط بين مدن المحافظة لخدمة التجارة وحركة النقل. وفي هذا الإطار بدأ العمل في مشروع طريق خصب - ليما - دبا، وهو مشروع استراتيجي، وأشارت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني إلى أن هناك 74 مشروعا تنمويا في محافظة مسندم باستثمارات تبلغ نحو 550 مليون ريال عماني -أي حوالي مليار و375 مليون دولار- فضلا عن مشروعات سياحية وصحية وواجهات بحرية وبيئية وتجارية وزراعية وغذائية أخرى، مما ينعكس إيجابيا على حياة المواطنين في المحافظة والوطن ككل.

ثالثا، من جانب آخر، فإنه في الوقت الذي تنطلق فيه مسيرة التنمية المستدامة والمتجددة نحو غاياتها المحددة على نحو واضح وعملي، وبما يعود بالنفع على الوطن والمواطن، فإن المرحلة الجديدة التي دخلتها التنمية العمانية وتمر بها الآن هي مرحلة مبشرة تستشرف آفاقًا رحبة ومبشرة بمزيد من التقدم والرخاء في مختلف المجالات خاصة بعد التخلص من تحديات السنوات الأخيرة وما تركته من دروس لا بد من وضعها في الاعتبار خاصة بالنسبة لأعباء الديون غير المحسوبة جيدا وإرباكاتها المتعددة.

وإذا كانت الدول تبحث إعادة الاستقرار الاقتصادي وعن مزيد من التقدم والازدهار، فإن التخطيط الجيد والاستثمار الصحيح للموارد والرؤية البعيدة النظر هي من أهم الضمانات والعوامل التي تدعم الاقتصاد الوطني ورفاهية المواطن وثقته في مسيرة التنمية ووصولها إلى أهدافها المنشودة، ومن المؤكد أن المشروعات الكبيرة والمدروسة جيدا والمجدولة بشكل زمني صحيح هي من أهم الضمانات في هذا المجال.

ومما يبشر بمزيد من التقدم والنمو على سبيل المثال في الفترة القادمة أنه في حين تم تعديل التصنيف الائتماني لسلطنة عمان ليشجع على الاستثمار فيها، فإنه تم بدء عمليات إدارة وتشغيل محطة أسياد للحاويات في الدقم أيضا وكذلك إطلاق «صندوق عُمان المستقبل» برأسمال نحو خمسة مليارات دولار، هذا فضلا عن مشروعات سياحية تم افتتاحها قبل أيام وهو ما يعزز التنوع الاقتصادي وقدرة الاقتصاد العماني على التطور والنماء. وتجدر الإشارة إلى أن التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول الاستثمار وبيئة الأعمال في سلطنة عمان في عام 2023 قد أشاد بما حققته سلطنة عمان في هذا المجال وهو أمر مهم بالنسبة للاستثمار فيها.