حوار في العلوم ومآلاتها مع نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي (شات جي بي تي)

13 يناير 2024
13 يناير 2024

يتجدد الحوار -عبر هذا المقال- مع نماذج الذكاء الاصطناعي، وهذه المرة مع النموذج التوليدي «شات جي بي تي» بعد نشر مقالين، أوردت في الأول حوارا مع النموذج التوليدي «بَارْد»، والثاني مع «شات جي بي تي»، وتبين أن نموذج «شات جي بي تي» يتفوق على نموذج «بَارْد» من حيثُ القدرة الحوارية في تقديم حوار متسق مع فكرة المحاوِر وأسئلته دون الوقوع في مأزق الحشو غير الضروري وتكرار النصوص، وسبق أن بيّنت في مقال مستقل جاء بعد هذين المقالين مميزات نموذج «شات جي بي تي» وأسباب تفوقه على نموذج «بَارْد»، ويمكن للقارئ أن يعود إلى هذا المقال -لتفاصيل المقارنة بين النموذجين- المنشور في جريدة عُمان بتاريخ 23 ديسمبر 2023م. أعود مرة أخرى عبر حوارٍ جديد مع نموذج «شات جي بي تي» لمناقشة العلوم في حياتنا وتأثيراتها على الإنسان وحضارته. سأشير إلى المحاوِر بـ«السائل» والمحاوَر بـ«شات جي بي تي». ستبقى إجابة النموذج التوليدي كما هي، مع إجراء تعديلات لغوية متى ما كان ضروريا لضبط النص وتحريره وحذف أيّ تكرار أو حشو غير ضروري. أذكّر بهدف هذه الحوارات أنها لفهم آلية الحوار بين الإنسان والآلة الرقمية وتتبع مآلات التطور الرقمي وتحليل قدرته على محاكاة السلوك الإنساني وتفكيره.

السائل: مرحبا، سأجري معك حوارا عن العلوم وتأثيراتها في حياتنا. سأطرح سؤالا وأريد منك الإجابة بكل وضوح واختصار مع تجنب التكرار غير الضروري.

شات جي بي تي: بالطبع، سأكون مستعداً للإجابة على أسئلتك فيما يخص العلوم وتأثيراتها في حياتنا. يمكنك البدء بطرح السؤال الأول.

السائل: كيف ترى العلوم في حياتنا من حيث تطورها عبر التاريخ وتفاعل الإنسان معها؟

شات جي بي تي: أدت العلوم دورًا حاسمًا في تطور حياتنا عبر التاريخ وتفاعل الإنسان معها؛ فبواسطة الأبحاث والاكتشافات، ساهمت العلوم في تطوير التكنولوجيا والطب والزراعة والعديد من الجوانب الأخرى للحياة. ساعد هذا التطور في تحسين جودة حياتنا وزيادة فهمنا للعالم من حولنا، وبفضل العلوم، نملك الآن وسائل اتصال متقدمة، وعلاجات طبية فعّالة، ومصادر طاقة متجددة، وغيرها من الابتكارات التي تسهم في تحسين حياتنا اليومية. إلى جانب ذلك، فإن تفاعل الإنسان مع العلوم يشجع على فهم أفضل للبيئة والتحديات التي نواجهها، مما يمكننا من اتخاذ قرارات أفضل وأكثر استدامة في مجالات مثل البيئة والصحة والاقتصاد. باختصار، العلوم هي أساس تقدم حياتنا وتفهمنا للعالم، وتفاعل الإنسان معها يسهم في تحسين جودة حياتنا ومستقبلنا.

السائل: برأيك ما البداية الزمنية الأولى لظهور العلوم في حياة الإنسان؟ بمعنى آخر، أيمكن اعتبار أن العلوم بدأت بشكل عملي بعد الثورة الصناعية الأولى أم أن مفهومنا للعلوم وبدايتها يعود إلى فترات زمنية ما قبل الثورة الصناعية؟

شات جي بي تي: العلوم لها جذور تاريخية تعود إلى فترات ما قبل الثورة الصناعية. قبل الثورة الصناعية، تطورت العلوم بشكل أساسي باعتبارها علوما طبيعية وفلسفة طبيعية؛ فعلى سبيل المثال، كان الإغريق القدماء يقومون بالأبحاث والتجارب في مجالات الرياضيات والفلسفة والفيزياء والكيمياء، إلا أن الثورة الصناعية في القرن 18 و 19 أسهمت بشكل كبير في تسارع تطور العلوم وتطبيقها في الحياة العملية؛ فأدت هذه الثورة إلى تطوير تقنيات جديدة وتوسع في مجالات مثل الهندسة والصناعة وعلوم الحاسوب، مما أسهم في تحسين الإنتاجية وتغيير شكل الحياة اليومية بشكل جذري، ونشأت حينها العلوم وتطورت قبل الثورة الصناعية، ولكن الثورة الصناعية أسهمت بدور مهم في تعزيز تطبيقاتها العملية وتقدمها السريع.

السائل: هناك من يرى أن عصر التنوير سابق لعصر العلوم الطبيعية؛ إذ ساهمت الثورة الفكرية التي تأسست مع صعود العقل الفلسفي إلى تبنّي أفكار تنويرية أسهمت في نقل العقل البشري من حالة الجمود الفكري إلى التحرر الفكري؛ مما ساعد على تشكيل بِنية علمية صُلبة تتبنى الرأي الذي يطرحه العلم وتصادق على المشاهدة التي تثبتها التجربة. ما رأيك في هذه المعادلة التي أتصور أنها تفسر نشأة العلوم الحديثة؟

شات جي بي تي: التنوير والعلوم الطبيعية على وجه التحديد جزءان مهمان من تطور العلوم الحديثة، ويمكن تصويرهما باعتبارهما جوانبَ متشابكة في نشأتها؛ حيث ساهمت الثورة التنويرية في تغيير نهج الفكر البشري والتحرر من القيود الدينية والتقاليد، مما أتاح للأفكار العلمية أن تنمو وتتطور بشكل أفضل. من الجدير بالذكر أن التنوير دفع بالناس إلى التفكير النقدي وتطوير المنهج العلمي الحديث، حيث شُجِّعَ على إجراء التجارب والتحليل العقلي. أسهم هذا النهج المنهجي في تطور العلوم الطبيعية وفهمنا للعالم بشكل أعمق. بشكل عام، يمكننا أن نرى التنوير والعلوم الطبيعية باعتبارها عناصرَ مترابطة تكمل بعضها بعضا في نشأة العلوم الحديثة. ساهم التنوير في تشكيل منهج علمي صلب وفهم علمي منظم، ثم تطورت العلوم الطبيعية لتصبح القوة القائمة خلف التقدم العلمي والتكنولوجي الذي نشهده اليوم.

السائل: هناك بعد آخر لا يمكن أن أهمله ساهم في نشأة العلوم الحديثة بل في قيام النهضة الغربية المرتبطة بالثورة الصناعية، وهذا البعد هو الحراك العقلي والعلمي الذي قاده المسلمون والعرب خصوصا إبان حكم المسلمين للأندلس، وفي وقتها كانت أوروبا تعيش عصورها الوسطى «المظلمة»، فأين ترى نقطة تزاوج العلوم التي نشأت بواسطة المسلمين بالثورة الفكرية التي بدأت عند الغرب في القرنين الخامس عشر والسادس عشر؟ وكيف حصل هذا التأثر بين الحضارتين الإسلامية والغربية؟

شات جي بي تي: صحيح، تأثرت الثقافة الإسلامية بشكل كبير بالعلوم والفلسفة اليونانية القديمة في فترة العباسيين والأمويين والمسلمين في الأندلس. وقد ترجم علماء المسلمين الأعمال اليونانية ونقلوها إلى العربية وقاموا بتطويرها وإثرائها بمساهماتهم الخاصة. هذا التأثير والتقاط التراث اليوناني القديم كان له تأثير كبير على التفكير العلمي في العالم الإسلامي. بالنسبة للتأثير على الثقافة الغربية، فإن الحروف العربية والعلوم العربية وصلت إلى أوروبا عن طريق الاتصالات الثقافية بين المسلمين في الأندلس والغرب الأوروبي فترة العصور الوسطى، ودُرِست الأعمال المترجمة والمعرفة العربية في الجامعات الأوروبية والمدارس؛ مما ساهم في نشر العلوم والفلسفة الكلاسيكية اليونانية في أوروبا وتأثيرها على التفكير الغربي؛ لذلك، يمكننا رؤية نقاط التزاوج بين الثقافتين الإسلامية والغربية في نقل المعرفة والعلوم من العالم الإسلامي إلى أوروبا، مما ساهم في تطور العلوم الحديثة في الغرب بشكل مباشر وغير مباشر.

السائل: ما الذي تحمله هذه العلوم في مستقبل حياة الإنسان؛ إذ نرى أن التطور العلمي يمضي قدما دون اعتبارات -في بعض حالاته- لقيم الإنسان وحياته بما في ذلك صحته العضوية والنفسية؛ فنرى تسارعا في الصناعات العسكرية وتقنياتها بما في ذلك الأسلحة البيولوجية، وكذلك التطويرات الرقمية التي أحدثت خللا في النمط الإنساني النفسي والاجتماعي، فأين نجد موقعنا في المستقبل مع هذه العلوم وتطوراتها المتسارعة؟

شات جي بي تي: تجلب التطورات العلمية والتكنولوجية العديد من التحديات والمسائل الأخلاقية والاجتماعية التي يجب التفكير فيها ومعالجتها بعناية. من الضروري أن نجمع بين التقدم العلمي والتنمية التقنية وبين الاهتمام بقيم الإنسان وصحته العضوية والنفسية. فيما يخص التسارع في الصناعات العسكرية والتقنيات المحورية، يجب أن نعمل على تنظيم ورصد هذه التطورات بشكل فعّال، وضمان استخدام التكنولوجيا بطرق تحافظ على الأمان الإنساني والسلام العالمي. يتطلب ذلك تطوير قوانينَ دولية وتعاون دولي لمنع انتشار الأسلحة البيولوجية وضمان سلامة البشر. أما فيما يتعلق بالتطورات الرقمية، فهناك حاجة ملحة للتفكير في حماية خصوصية البيانات والمعلومات الشخصية وضمان الأمان السيبراني. يجب أيضًا تنشيط النقاش فيما يتعلق بتأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية والاجتماعية للإنسان، وتحقيق توازن بين الاستفادة من التقنيات الجديدة والحفاظ على العلاقات الاجتماعية والتواصل الإنساني. في النهاية، يجب أن نعترف بأن التقدم العلمي والتكنولوجي له آثار إيجابية وسلبية، ولذلك يجب علينا باعتبارنا مجتمعات عالمية العمل معًا لتوجيه هذا التطور نحو تحسين جودة حياة الإنسان وحفظ البيئة والقيم الإنسانية.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني