تهديد اليمين المتطرف لم يختفِ

23 يوليو 2023
23 يوليو 2023

ترجمة ـ قاسم مكي -

عندما أتحدث للناس عن شعبوية اليمين المتطرف هذه الأيام ألاحظ أن عديدين يميلون إلى الاعتقاد بأنني أنقل لهم أخبارا قديمة.

قادة الشعبوية أسروا اهتمام العالم في عام 2016 مع استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست) ثم في ذلك العام لاحقا مع انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

الآن بعد 7 أعوام يشعر العديدون كما يبدو أن الشعبوية تعدَّت ذروتها. فترامب هزم في عام 2020 وهو يواجه اتهاما قضائيا، وسياسة البريكست كانت إخفاقا فوضويا. ومعظم البريطانيين الآن يتحسرون على إجازتها.

وفي حين لحقت الضربات ببعض الأبطال الشعبويين وبعض القضايا الشعبوية، إلا أن جاذبية الحركة مستمرة في جوهرها. بل تعززت في الشهور الأخيرة.

لنأخذ مثال إسبانيا والتي هي إحدى تلك البلدان التي اعتقد الناس منذ فترة طويلة أنها محصنة من الشعبوية اليمينية لأنها (حالها حال ألمانيا) سبق لها أن عانت من ويلات أوتوقراطية يمينية.

حزب فوكس المحافظ تأسس قبل عشر سنوات وكان الاعتقاد منذ فترة أنه لن يتمكن من اكتساب موطئ قدم في النظام السياسي لشدة تطرفه. أما اليوم فهو ثالث أكبر حزب في إسبانيا. وفي مايو ضاعف حصته من الأصوات في الانتخابات الإقليمية والمحلية. وهو الآن يحكم في عدة أماكن. وفي انتخابات (23 يوليو) يُرجَّح أن يستمر في تحقيق مكاسب.

وفي ألمانيا نفسها كسب حزب البديل لألمانيا الذي اعتبر يوما ما «رجسا محرَّما» انتخابات محلية في شرق البلاد. وتضعه استطلاعات الرأي في المرتبة الثانية على نطاق ألمانيا ومتعادلا تقريبا مع «الديمقراطي الاجتماعي» حزب اليسار الرئيسي في ألمانيا.

وفي إيطاليا مهد الفاشية تتولى جورجيا ميلوني رئيسة حزب «أخوة إيطاليا» اليميني المتطرف رئاسة الوزارة منذ أكتوبر. وفي حين خففت ميلوني من تطرفها بطرائق عديدة، إلا أنها تستمر في الثناء على «حركة الاشتراكية الإيطالية» وهي منظمة فاشية محلولة الآن كانت ميلوني تنتسب لها في وقت ما.

وشهدت كل من السويد وبولندا صعود أحزاب يمينية متطرفة تكتسب قوة ونفوذا سياسيا. والنظام السياسي النذرلاندي لديه الآن عدة أحزاب شعبوية بعضها جديد تماما. كما قادت التوترات التي أوجدها صعودها مؤخرا إلى استقالة مارك روتي رئيس الوزراء الذي قضى أطول فترة في سدة الحكم. وفي فرنسا تشير بعض الاستطلاعات إلى فوز مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية القادمة.

ما الذي يحدث؟ أوروبا تمر بأوقات قاسية. فحرب روسيا وأوكرانيا والعقوبات التي نتجت عنها ضد موسكو كان تأثيرها أشد على أوروبا من أي جزء آخر في العالم. لقد أجبرت القارة على التخلي عن إدمانها على الطاقة الروسية الرخيصة وإيجاد بدائل أكثر تكلفة، كما انهار باقي تجارتها مع روسيا أيضا. في الأثناء تدفع الطاقة الرخيصة وبرامج الدعم الجديدة وبيئة الإجراءات التنظيمية الأفضل بعضَ الشركات الأوروبية للتفكير في نقل مصانعها إلى الولايات المتحدة.

لكن المسألة لا تتعلق في الواقع بالاقتصاد؛ فاقتصاد إسبانيا معافى. لقد سجل نموا بمعدل 5.5% في العام الماضي، ومعدل تضخمه من بين أقل المعدلات في منطقة اليورو. لكن ذلك النمو متفاوت فهنالك أجزاء منها كمنطقة أراغون (التي هي بمثابة أوهايو إسبانيا) خلَّف تدهور الصناعة فيها لدى الناس إحساسا بالحرمان، المناطق مثل أراغون موجودة في كل أنحاء أوروبا وهي تضفي إحساسا باليأس والإحباط لدى المؤسسة السياسية في البلاد ونُخَب الاتحاد الأوروبي.

أيضا قادت الحرب في أوكرانيا العديدين في الاتحاد إلى القلق بشأن الثمن الذي يدفعونه في حرب يعتقدون أنها لا تهددهم بشكل مباشر خصوصا لأن ذلك هو ما يقوله لهم العديدون من القادة الشعبويين.

على أية حال إذا كان علي أن أشير إلى قضية واحدة فإنها تلك التي ظلت دائما في قلب صعود الشعبوية الحديثة لليمين المتطرف.. إنها قضية الهجرة؛ فحيثما نظرت ترى أن المخاوف من الهجرة المنفلتة حققت مكاسب سياسية «لأعداء العولمة».

جائحة كوفيد-19 قوضت استقرار العديد من البلدان النامية في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية وفاقمت الفقر والعنف بها. وتسببت حرب أوكرانيا في حركة نزوح فريدة لا تتكرر خلال عمر جيل في أوروبا فيما قاد القمع الوحشي في فنزويلا إلى نزوح آخر بحجم مماثل. وأضاف التغير المناخي عنصرا آخر إلى هذا المزيج القاتل. وعندما تجمَع كل هذه العوامل معا ستتشكل لديك حركة هجرة تاريخية للبشر حول العالم.

يصارع قادة العالم للتخفيف من المشكلة، فإدارة بايدن اتخذت عدة إجراءات لمعالجة أزمة الهجرة على الحدود مع المكسيك. نتيجة لذلك تباطأ تدفق المهاجرين إلى الولايات المتحدة بقدر كبير في الفترة الأخيرة. وهي تتعاون مع الحكومات الأخرى في الأمريكتين لمعالجة القضايا التي تدفع بالهجرة.

ويحاول ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني صياغة سياسة لجوء جديدة يتم بمقتضاها ترحيل طالبي اللجوء غير القانوني إلى رواندا أو أي بلد آخر لتقييم أوضاعهم.

وتعهَّد كرياكوس ميتسوتاكيس رئيس الوزراء اليوناني بإضافة أكثر من 100 كيلومتر إلى جدار قائم بين اليونان وتركيا خلال السنوات القليلة القادمة للتقليل من المعابر الحدودية غير القانونية.

غير أني أشعر بالقلق مع تزايد الضغوط الدافعة للهجرة من أن يصبح الخطاب الصادر عن اليمين أكثر ضجيجا وإزعاجا.

ترامب يدرك جيدا أن العداء للهجرة كان سبيله إلى دخول البيت الأبيض في عام 2016. وفي لحظة ما، لن يصمد الوَسَط مع تصعيد الديماجوجيين لخطابهم (المعادي للهجرة) وإثارة الخوف في نفوس المزيد من الناس.

فريد زكريا كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست ومقدم برنامج يتناول القضايا الدولية والشؤون الخارجية على شبكة سي إن إن.