تطور أعداد الباحثين عن العمل خلال الخطة الخمسية العاشرة
31 ديسمبر 2025
31 ديسمبر 2025
في هذا اليوم تحديدا تكون الخطة الخمسية العاشرة الممتدة من (2021 إلى 2025) قد انتهت. وعلى الرغم مما واجهته من عواصف اقتصادية متمثلة في انخفاض أسعار النفط خلال بعض سنوات الخطة، وجائحة كورونا وارتفاع حجم الدين العام لمستويات غير مسبوقة، إلا أنه بفعل السياسات الاقتصادية الحكيمة فقد تمكنت الدولة التغلب على تلك التحديات، وتحويل آثارها السلبية إلى نمو في الأداء الاقتصادي من حيث التمكن من تحقيق فوائض مالية في الميزانية العامة للدولة للمرة الأولى منذ ما يزيد على اثني عشرعاما مع السيطرة على حجم الدين العام التي أسهمت في رفع مستوى الجدارة الائتمانية لسلطنة عُمان.
أيضًا قد تكون الخطة الخمسية أسهمت في السيطرة على أعداد الباحثين عن العمل مع توفير آلاف الوظائف في القطاعات العامة والخاصة.
من أجل ذلك يأتي هذا المقال مستخدمًا لغة الأرقام والبيانات المفتوحة من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات الذي ينشر أعداد الباحثين عن العمل في بداية كل عام ميلادي مع نشر معدلات الباحثين عن العمل في النشرات الشهرية التي يصدرها المركز التي توضح التغيير النسبي في أعدادهم بشكل شهري؛ لمعرفة تطور أعداد الباحثين عن العمل خلال سنوات الخطة.
أيضًا سوف يتم التطرق لجنس الباحثين عن العمل وأيضا مؤهلاتهم الدراسية مع مقارنة أعدادهم في بداية العام الأول من الخطة الخمسية العاشرة والعام الأخير منها.
تطورت أعداد الباحثين عن العمل خلال الفترة الزمنية للخطة الممتدة لخمس سنوات بزيادة تراكمية بنسبة بلغت (141 %) ليصل عددهم في بداية العام الأخير منها إلى ما يصل إلى (90) ألف باحث عن العمل مقارنة بعددهم في بداية العام الأول والذي وصل إلى (37) ألف، كما أن غالبيتهم من جنس الإناث الباحثات عن العمل.
وقد يكون هذا ليس غريبًا حسب ثقافة العمل في المجتمعات الخليجية التي تحبذ فيها الإناث غالبا العمل في الوظائف التعليمية والصحية والتمريضية وبعض الأحيان الكتابية. كما تشير الأرقام إلى ارتفاع نسبة الباحثات عن العمل لتصل أعلاها في العام (2023) وبنسبة (64 %) من إجمالي أعداد الباحثين عن العمل والنسبة الباقية هي للذكور. إلا أن تلك النسبة بدأت في منحنى الانخفاض إلى أن وصلت إلى (59 %) في بداية العام الأخير من زمن الخطة، ولكن ذلك الانخفاض ليس بالضرورة يعكس تكافؤ فرص التشغيل بين الجنسين.
التباين في إعداد الباحثين عن العمل بين الجنسين يمكن ملاحظته أكثر على مستوى المؤهلات الدراسية؛ فمن المفارقات الجديرة بالملاحظة أن أعداد الباحثين عن العمل من الذكور الحاصلين على مؤهل البكالوريوس فأعلى يستطيعون الحصول على وظائف بنسبة أكبر من الباحثات عن العمل الحاصلات عن نفس المؤهلات الدراسية الذين تجاوز أعدادهن (22) ألفا في بداية العام الأخير من الخطة مقارنة بعدد يقل عن (3) آلاف باحث عن عمل من الذكور خلال نفس الفترة.
هذا التباين يعطي مؤشرا بأن سوق العمل يستطيع استيعاب الباحثين عن العمل من حملة الشهادات العليا أكثر عن الباحثات عن العمل ما يعكس عدم تناسب احتياجات سوق العمل للتخصصات التي تطرحها بعض مؤسسات التعليم العالي بالنسبة لجنس الأثاث؛ وذلك لما يلاحظ من ارتفاع أعداد الباحثات عن العمل على الرغم من امتلاكهن لمؤهل البكالوريوس فأعلى طبعا إذا ما استبعدنا بعض التخصصات المرتبطة بسلك التعليم والصحة والتمريض.
على نفس السياق تشير الأرقام إلى ارتفاع مستمر لأعداد الباحثين عن العمل من حملة شهادة الدبلوم العام فأقل؛ حيث وصل عددهم من الجنسين إلى (53) ألفا، وكان أكثرهم من جنس الذكور.
هذا حصل في بداية السنة الأخيرة من زمن الخطة وبنسبة وصلت إلى (59 %) من إجمالي عدد الباحثين عن العمل.
هذه النسبة تعطي مؤشرا ذا دلالات عميقة بأن الباحثين عن العمل أكثرهم ليسوا من أصحاب المهارات؛ وبالتالي تنافسيتهم في سوق العمل والتشغيل ليست بمستوى أصحاب المؤهلات من الدبلوم العالي أو البكالوريوس الذين أوضحنا أن سوق العمل يستطيع استيعاب الباحثين منهم بوتيرة أسرع عن استيعاب الباحثات عن العمل.
تلك الأعداد تستدعي الحاجة إلى إيجاد حلول للتقليل من استمرار زيادة أعداد الباحثين عن العمل من فئة الدبلوم العام فأقل.
كما أن تلك الإحصاءات تتباين مع حاجة سوق العمل لنوعية من الوظائف المستقبلية التي تتطلب مهارات فنية وتقنية وتكنولوجية، وهذا قد لا يكون متوفرًا في تلك المخرجات وأقصد بها من حملة مؤهل الدبلوم العام فأقل.
هذا يقودنا إلى إيلاء أهمية بالغة للدراسة التي أعدها مجلس الدولة حول الحاجة إلى رفع جودة التحصيل الدراسي. بالإضافة إلى ذلك؛ قد يتضح أيضا عدم وجود مواءمة بين أعداد الباحثين عن العمل من حملة مؤهل الدبلوم العام الذين يقل عددهم قليلا عن (40) ألفا في بداية العام الأخير من الخطة، وبين البرامج الأكاديمية التي تطرحها مؤسسات التعليم العالي؛ لأن ذلك الرقم ظل يرتفع خلال سنوات الخطة الخمسية.
ولكن في المقابل نجد أنه خلال النصف الثاني من هذا العام الذي يمثل نهاية الخطة الخمسية العاشرة باستمرار نمو أعداد العاملين العمانيين الذين تم تشغيلهم في القطاع الخاص خلال الشهور الستة الماضية والذين يتجاوز عددهم (26) ألفا بالمقارنة بعددهم في نهاية العام الماضي، الأمر الذي يعكس تحولا إيجابيا في مسألة تسريع وتيرة حصول الباحثين عن العمل على فرص تشغيل في القطاع الخاص.
يأتي هذه التحول في ظل الاهتمام السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - في المتابعة المستمرة لملف الباحثين والمسرحين عن العمل التي نقلها أعضاء مكتب مجلس الشورى أثناء لقائهم بجلالته خلال الفترة الماضية.
نختم بالقول ـ حسب ما تشير إليه أرقام الباحثين عن العمل خلال سنوات الخطة الخمسية العاشرة ـ: إنه بالنسبة لحملة مؤهل الدبلوم العالي فأعلى يلاحظ انخفاض أعدادهم من الذكور، ويقابله ارتفاع أعداد الباحثات عن العمل من الإناث بشكل لافت.
في المقابل؛ فإن هناك ارتفاعًا لأعداد الباحثين عن العمل من الجنسين من حملة مؤهل الدبلوم العام فأدنى.
وبالتالي تظل قضية الباحثين عن العمل هاجسًا وطنيًا يحتاج الأمر معه إلى برامج ومبادرات تنفيذية تولد فرصًا للعمل في الخطة الخمسية الحادية عشرة التي تبدأ اليوم.
كما أن التباين في أعداد الباحثين العمل من حيث الجنس والمؤهلات الدراسية يعطي رسالة لجميع الوحدات الحكومية المسؤولة عن برامج التشغيل والشأن الاقتصادي بأهمية بذل جهود مضاعفة لهذا الملف الوطني، وأيضا الجهات الحكومية والخاصة المعنية بالتعليم والتدريب بضرورة التحديث المستمر للبرامج الأكاديمية؛ لتكون متوائمة مع احتياجات سوق العمل.
