تدمير غزة.. لن يعني اقتلاع حماس !!

30 أكتوبر 2023
30 أكتوبر 2023

من المؤكد أن حرب السابع من أكتوبر الجاري لن تكون الحرب الأخيرة بين حركة حماس وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية التي تستعر بشكل متزايد بين فصائل المقاومة وبين إسرائيل، خاصة بعد دخول المواجهة مرحلة الحرب البرية وإعادة اجتياح قطاع غزة بعد تردد طويل تطلب الاستعانة الإسرائيلية بخبرات وإرشادات، بل وبمشاركة الجنرالات الأمريكيين في التخطيط ومتابعة تنفيذ العمليات على نحو يؤكد المشاركة العملية الأمريكية في الحرب بشكل لا تنكره واشنطن التي سعى العسكريون الإسرائيليون إلى إقناع جنرالاتها بضرورة الاجتياح البري لقطاع غزة كسبيل لإعادة السيطرة عليه وتسهيل عمليات البحث عن نحو 224 عسكريا ومدنيا تم أسرهم واحتجازهم من جانب حماس منذ بداية العمليات تمهيدا لإطلاق سراحهم خاصة في ظل ازدياد ضغوط أسرهم على نتانياهو وحكومته للعمل بكل الوسائل لاستعادتهم في أسرع وقت ممكن. وبعد جدل وخلافات خرجت إلى العلن بشكل أو بآخر، بين نتانياهو وبعض جنرالاته ووزرائه، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية دخول بري إلى قطاع غزة مساء الجمعة الماضية 27 أكتوبر الجاري، وذلك بعد عملية توغل تجريبية ومحدودة في بعض المواقع في غزة لاختبار قوة ويقظة الدفاعات الفلسطينية ولتحديد مدى التوغل البري الممكن القيام به في ضوء ذلك أيضا، وهو ما اتضح في قرارات العمليات الإسرائيلية وترك مدى التوغل البري لظروف العمليات ولنتائج التقييم على الأرض، مع ملاحظة أن كل المعلومات الخاصة بالعمليات وتطورها كان يتم تقديمها أولا بأول إلى البنتاجون والقيادة العسكرية الأمريكية لتحليلها وتوجيهها حسبما تقتضيه عمليات تقييمهم لها.

وفي الوقت الذي تعتبر فيه المرحلة التي بدأت الجمعة الماضية - المرحلة الثانية من العمليات الهمجية ضد غزة وحماس «بداية الرد الإسرائيلي» على هجوم حماس ضد إسرائيل حسبما قال نتانياهو نفسه وهو ما تجسد بالفعل في تكثيف الهجوم ضد غزة على نحو غير مسبوق منذ بداية الحرب من ناحية، وشن الهجمات بريا وجويا وبحريا وبشكل متواصل من ناحية ثانية، لزيادة حجم الدمار والخسائر في الأرواح والبنية الأساسية والقدرات العسكرية لحماس. فالحرب الهمجية العمياء التي عمدت فيها إسرائيل إلى قطع الكهرباء والاتصالات والإنترنت عن القطاع، وإلى قطع الاتصال بين مراكز الإسعاف وبين قيادتها تركت القطاع ساحة مظلمة ومعزولة سواء في الداخل أو مع الجهات الخارجية، وهو ما يوفر للهمجية الإسرائيلية فرصة القيام بكل جرائم الحرب وأعمال الهدم والإبادة للمنازل والمؤسسات التي تزايدت بحجة الحرب في الظلام وعدم القدرة على التمييز بدقة بين الأهداف وعدم القدرة أيضا على إنقاذ المصابين ونقل الضحايا إلى مواقع يتم علاجهم فيها مما زاد ويزيد بالفعل من حجم الخسائر لدى الجانب الفلسطيني على نحو غير مسبوق.

وفي ظل اختلاط الأوراق وتزايد الانزعاج العالمي من همجية الحرب الإسرائيلية وعدم استجابة إسرائيل لدعوات وقف القتال في ظل التشجيع الأمريكي والغربي لها على الاستمرار في القتال بحجة حقها في الدفاع عن النفس، وهى حجة زائفة لأنها لا تقتصر في الواقع على إسرائيل، فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:

أولا، إنه برغم كثافة واتساع وتصاعد التنديد العالمي على المستوى الشعبي بالأعمال الإجرامية الإسرائيلية في غزة، خاصة بعد الدخول البري في بعض مناطقها، إلا أن هناك فشلا واضحا وإصرارا على المستوى الرسمي الدولي على تجنب إدانة الأعمال الهمجية الإسرائيلية بشكل رسمي من جانب مجلس الأمن مثلا، وهو ما يعتبر إطلاقا ليد إسرائيل لإيقاع أكبر خسائر ممكنة ضد حركة حماس والمقاومة الفلسطينية إرضاء لإسرائيل وتماهيا مع موقفها حتى تحدد هي متى يمكن وقف القتال وبأي شروط، وعلاقة ذلك بحجم المساعدات التي يتم تمريرها إلى غزة والمفاوضات حول شروط إطلاق المحتجزين من الجانبين. أما قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة - القرار العربي الداعي إلى وقف القتال وتسهيل إدخال المساعدات وإدانة العقوبات الجماعية والذي رفضته إسرائيل و13 دولة أخرى منها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وامتنعت 44 دولة عن التصويت عليه ووافقت عليه نحو 80 دولة، فإنه في النهاية قرار غير ملزم من الناحية القانونية وهو أقرب إلى التوصية ويعتبر بمثابة ذر الرماد في العيون وترضية ما للجانب العربي بعد فشل الأمم المتحدة بسبب الدعم الغربي لإسرائيل وبشكل بالغ الوضوح والدلالة أيضا.

وفي محاولة لتغطية الموقف الهمجي الإسرائيلي والدعم الغربي المفضوح لها، كثفت إسرائيل والآلة الدعائية الغربية من هجومها على حركة حماس ومحاولة شيطنتها بوصفها حركة إرهابية والدعوة لتشكيل تحالف دولي لمحاربتها وذلك بمحاولة ربطها بداعش من ناحية، والفصل بينها وبين الشعب الفلسطيني، بادعاء أنها لا تمثل الشعب الفلسطيني وأنها تضر بمصالحه ولا تقدم ما ينفعه من ناحية ثانية، وقد كان نتانياهو وبايدن أول من روجوا لذلك وتبعتهما البقية المعروفة أو التركيز على ذلك في كل مناسبة حتى الآن. وبغض النظر عن أن هناك من العرب والفلسطينيين من اتخذ مواقف غير ودية من حماس لأسباب سياسية معروفة، وإن كانت تكشفت بشكل واضح في هذه المحنة، فإن من حسن الحظ أن التعاطف الجماهيري على مستوى العالم مع حماس قد عزز من موقفها، ليس فقط لأنه لا بايدن ولا نتانياهو ولا أي من أعداء فلسطين لهم الحق ولا القدرة على تحديد من يمثل الشعب الفلسطيني ومن يعبر عن المصالح الفلسطينية، خاصة أن هذه قضية خلافية فلسطينية إذ لم تدخل حماس ولا الجهاد رسميا في عضوية منظمة التحرير الفلسطينية وهذه مسألة لها جوانب عدة وليس هناك مجال لتناولها الآن.

ثانيا: إنه في ظل الجدل القانوني والسياسي في الأمم المتحدة وعلى مستوى الفكر السياسي حول المقصود بالإرهاب والحاجة للتفرقة بينه وبين حركات التحرر الوطني والحرب ضد الاستعمار، حيث تمثل إسرائيل أبشع أنواع الاستعمار الاستيطاني العنصري، فإن حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى هي حركات تحرير وطنية تسعى لاستعادة أراضيها وإقامة دولتها المستقلة، والتي كانت قائمة كدولة ضمن المنظومة العربية قبل قيام إسرائيل عام 1948، ومعروف أن ميثاق جامعة الدول العربية به ملحق خاص بفلسطين. ومن يتتبع المراحل التي مرت بها إسرائيل منذ قرار تقسيم فلسطين في أكتوبر 1947 وكيفية إنشاء المستوطنات وتوزيعها يدرك تماما أن صفة الإرهاب هي صفة إسرائيلية، وأن بن غفير وأكثر من وزير في حكومة نتانياهو يريدون استعادة أساليب الإرهاب الإسرائيلي، الذي استمر بشكل أو بآخر، وأما حق الدفاع الشرعي عن النفس هو حق أصيل للفلسطينيين الذين يريدون استرجاع أراضيهم من براثن المغتصب الإسرائيلي والمستعمر هو الإرهابي ولن تترتب له أي حقوق إلا في إطار حل الدولتين إذا تم التوافق عليه وليس هناك حل إلا بموافقة الشعب الفلسطيني وليس هناك من ينوب عنه أو يملك التوقيع باسمه فهو صاحب الأرض في النهاية.

ثالثا، إنه في الوقت الذي أعلن فيه نتانياهو بوضوح أنه يريد القضاء على حماس وتحطيم بنيتها الأساسية وتدمير قدرتها على حكم غزة، بل وتحديد من يحكم غزة في المستقبل حسبما قال رئيس الأركان الإسرائيلي، وهذا هراء، ليس فقط لأن حماس أثبتت قدرة عسكرية لا يستهان بها، وأن حجم سكان غزة أكبر من أن يتم تهجيرهم جماعيا وتفريغ غزة من سكانها لأسباب كثيرة، ومع إدراك أن الحرب في غزة ستستغرق وقتا غير قصير فإن النقطة الجوهرية هي أن تدمير قطاع غزة بشكل أكبر من ذلك مع استمرار الهمجية الإسرائيلية لن تعني أمكانية اقتلاع حماس والمقاومة من أرض فلسطين بوجه عام وغزة بوجه خاص، لأن القضية ليست مباني أو مرافق يتم تدميرها وينتهي الأمر ولكن القضية هي قضية وطن وتاريخ وتراث وشعب متمسك بحقه في الحياة وعلى استعداد لدفع ثمن ذلك جيلا بعد جيل. وعندما ينتزع طرف إعجاب عدوه فالمؤكد أنه سينتصر وقد أعرب كتاب ومفكرون إسرائيليون في الأيام الماضية عن إعجابهم بصمود الفلسطينيين ودفاعهم المستميت عن أرضهم، لذلك، فلو دمرت غزة في هذه الحرب فإن من يتبق من حماس والمقاومة سيتمكن بالتأكيد من المواجهة مرة أخرى حتى استعادة حقوقه المشروعة طال الوقت أم قصر.