انتخابات أمريكا النصفية ومستقبل الديمقراطية
لطالما ظلت نتائج الانتخابات النصفية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، تأتي بعكس إرادة الحزب الحاكم في البيت الأبيض، ولعل ذلك كان اتجاها محسوبا من الشعب الأمريكي في إرادة التوازن في توزيع السلطات بين حزبي أمريكا الكبيرين.
وإذ ظل الأمر على هذا النحو كتقليد بدا معه الأمر عاديا، على مدى عقود منذ الحرب العالمية الثانية، لكن يبدو اليوم، منذ أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير عام 2021 م على يد أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أن ثمة تغييرا نوعيا خطيرا قد يحدث حيال مصير الديمقراطية الأمريكية، لاسيما مع ما صاحب آنذاك، من إنكار ترامب لنتائج الانتخابات التي جاءت بالرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن إلى البيت الأبيض. هناك اليوم حديث قلق بشأن مصير الديمقراطية في الولايات المتحدة، إذ نقلت وكالة رويترز أن 70% من الأمريكيين اليوم قلقون على مصير الديمقراطية الأمريكية، لاسيما في ضوء ذلك الاعتداء الكبير الذي حدث لمبنى الكابيتول وما دل عليه من اهتزاز في السيادة الرمزية للولايات المتحدة.
واليوم، في ظل الانتخابات النيابية والتشريعية التي جرت أمس الأول الثلاثاء في الولايات المتحدة، بدا واضحا من تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن وحثه للناخبين على الإدلاء بأصواتهم، أن ثمة قلقا من الرئيس الأمريكي على مصير غامض للديمقراطية في الولايات المتحدة، خصوصا حين نفى الرئيس بايدن أي وجه للشبه بين الآباء المؤسسين من الجمهوريين، وبين تيار «ماغا» «الظلامي» -كما وصفه بايدن- المؤيد للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حيث يخوض الأخير من وراء الكواليس في هذه الانتخابات النصفية عبر دعمه لبعض المرشحين الذين فازوا في بدايات نتائج الفرز.
لكن يبدو اليوم، في ظل الاستقطاب الخطير الذي تشهده السياسة الأمريكية، وفي ظل الخوف من تحول الصراع السياسي بين الحزبين الكبيرين، في بعض الأحيان، إلى صراع لا يخلو من العنف، لاسيما بعد نتائج الانتخابات «كما كشف عن ذلك بعض منسوبي الحزب الجمهوري الذين كان 300 مرشح منهم من غير المقتنعين بنزاهة نتائج الانتخابات الرئاسية للعام 2020 التي خسرها ترامب» سيبدو المستقبل قاتما، لاسيما إذا ما فاز الجمهوريون بإحدى غرفتي الكونجرس أو كليهما، الأمر الذي سيعني عرقلةً لكثير من القرارات التي سيحتاج الديمقراطيون إلى تمريرها، لاسيما في ظل أوضاع الحرب الروسية الأوكرانية حيث تقف فيها الولايات المتحدة بثقلها مع أوروبا وراء أوكرانيا.
ومع تلميح ترامب بأنه قد يتخذ قرارا ما في يوم 15 نوفمبر القادم بما قد يعني إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية للعام 2024 سيبدو الزخم الانتخابي الراهن كما لو أنه معركة كسر عظم بين الجمهوريين والديمقراطيين.
قد تبدو هذه الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، عاديةً جدا وروتينية للكثيرين ممن يقرؤون ظواهر الأحداث هناك، لكن، في تقديرنا، أن المصائر التي قد تتكشف عنها نتائج هذه الانتخابات، في حال فوز الجمهوريين بغرفتي الكونجرس، وتحمس ترامب بعد ذلك لإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية للعام 2024 لربما تتكشف لنا جوانب أخرى قد تكون خطرا حقيقيا على مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة.
فالذي فعله ترامب وما أحدثه من تغيير في قواعد لبروتوكولات كثيرة أثارت دهشة الدبلوماسية الدولية في ما كان يفعل ويترك، وإن بدا فوضويا بعض الشيء، إلا أنه كان يدل على تغيير ظاهر في طبيعة منصب رئيس الولايات المتحدة، ولعل أبرز دليل على ذلك مجيء ترامب إلى البيت الأبيض من خلفية عالم المال والعقار، ما سيعني أن أي عودة جديدة لترامب، بعد سنتين، حال حدوث تغييرات دراماتيكية لصالح الجمهوريين في هذه الانتخابات النصفية سيكون بمثابة مفاجأة خطيرة للعالم.
إن ديمقراطية الولايات المتحدة اليوم تعني الكثير جدا للعالم، فإذا كان الفضل ينسب للولايات المتحدة في مشروع مارشال الذي أنقذ أوروبا من دمار ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأعادها بقوة إلى الوجود، فإن ذلك كان بفضل التوجه العالمي للولايات المتحدة التي كان لدخولها في الحرب العالمية الثانية إثر تفجيرات بيرل هاربر في هاواي أكبر الأثر في النتائج الإيجابية لتلك الحرب.
إن الوجه الديمقراطي للولايات المتحدة يعني صورتها في العالم، وحضورها الذي يليق بتركيبة شعبها المنفتح، فيما سيعني انكفاء الولايات المتحدة -إذا ما حدث- خطرا على توازن العالم، لاسيما في هذه الأزمنة.
