المقاومة الفلسطينية ووسائل التواصل: الإيمان مقابل النفوذ

18 مايو 2021
18 مايو 2021

على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية شهدت منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام مواكبة غير مسبوقة لتطورات القضية الفلسطينية وما أفرزته على الأرض بدءا من الممارسات غير الشرعية للكيان الصهيوني في سلب ممتلكات قاطني حي الشيخ جراح، إلى جهود مقاومة الفلسطينيين وتمسكهم بأرضهم وحقوقهم الشرعية والدينية، والتطورات التي تبعتها ميدانيا وسياسيا وإعلاميا. وبعيدا عن ما يمكن طرحه من تحليلات سياسية أو حقائق تاريخية أو نظريات عسكرية أو أبعاد ثقافية لتلك التطورات، فإن من المهم الالتفات إلى الدور الذي لعبته وسائل التواصل والإعلام في هذه القضية، وكيف سخرها كلا الجانبين - غير المتكافئين - لخدمة أهدافه وحشد الرأي العام العالمي حوله وكسب تعاطفه وتأييده.

في الجانب الفلسطيني أظهر الفلسطينيون مستوى عاليا من الفهم لكيفية عمل منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ومدى تأثير كل منها، والسبل المتاحة لتحقيق أكبر استفادة ممكنة منها. بالإضافة لذلك، تمكن الفلسطينيون - وخصوصا في مناطق المواجهة المباشرة على الأرض - من إنتاج المحتوى البسيط في إمكاناته والمؤثر في مضمونه الأمر الذي سهل من انتشاره سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي أو منها إلى وسائل الإعلام المختلفة. لقد كان أبرز استخدامات الفلسطينيين خلال الأسابيع الثلاثة الماضية لمنصات التواصل الاجتماعي تصحيح المعلومات والأخبار المغلوطة التي كرسها الكيان الصهيوني خلال عقود من الزمن سواء في ما يتعلق بأنشطة المقاومة الفلسطينية أو الحقائق التاريخية حول أحقية الصهاينة بالأراضي الفلسطينية أو المفاهيم السياسية والعسكرية والاجتماعية التي رافقت القضية الفلسطينية لعقود أو حتى صورة الكيان الصهيوني بأنه "الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة"، وبالتالي أسهمت تلك الممارسة في إتاحة المجال للمؤسسات الإعلامية والجمهور بشكل عام للتحقق من المعلومات والأخبار وصحة المحتوى Fact-Checking.

لقد صنعت الأحداث الأخيرة السياق المثالي بالنسبة للفلسطينيين ليطرحوا روايتهم الأصدق للقضية، في وقت تحلق فيه الجمهور - ولو افتراضيا على الأقل - حول تلك الأحداث باهتمام وتفاعل ساهم في التوعية بتلك الرواية حتى بين الأجيال الجديدة التي ربما لم تنل الجرعات الكافية من الوعي بالقضية الفلسطينية منذ انتهاء الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2005. وبالحديث عن الانتفاضة الثانية يجدر إلقاء بعض الضوء على الفرق بين ما رافق الانتفاضة من تفاعل إعلامي مقارنة بالأحداث الأخيرة، حيث يمكن الوصول إلى خلاصة أن وسائل الإعلام الرئيسية Mainstream Media كان الوسط الأبرز الذي نقل تطورات الأحداث وأسهم في تشكيل الوعي ورصد التفاعل الرسمي والشعبي عالميا بشكل عام وعربيا بشكل خاص، في حين تؤدي منصات التواصل الاجتماعي في الأحداث الحالية الدور الرئيس سواء عبر كونها منصات مستقلة، أو بتكاملها مع وسائل الإعلام الرئيسية باعتبارها مصدرا للمعلومات والأخبار والمحتوى في كثير من الأحيان.

أما من ناحية المحتوى الفلسطيني فقد تعددت صيغه ليشمل الصور ومقاطع الفيديو لما يحدث على الأرض، كما ظهر الاستخدام الواسع لمنصات البث المباشر من أجل التغطية الحية - وهو ما ينفي بشكل قاطع فرضيات الكيان الصهيوني حول فبركة المحتوى الفلسطيني - سواء كان ذلك البث بشكل مفرد أو بالربط مع فاعلين ومشاهير من مختلف الدول تعزيزا للانتشار والتفاعل. كما تم نشر العديد من مقاطع الفيديو التوعوية والتعريفية والترويجية - إن صح التعبير - حول القضية الفلسطينية عموما وحول الأحداث الأخيرة بشكل خاص وبلغات مختلفة من أجل الوصول إلى فئات أكبر من الجمهور والجهات ذات العلاقة في مختلف دول العالم. وعلى مستوى الرسائل والاستمالات فإن من الملاحظ التنويع بين الاستمالات المنطقية - أو الإقناعية - والمرتبطة بالحقائق والمعلومات ونقل الأحداث والسرد التاريخي والتوعية، والاستمالات العاطفية المتعلقة برسائل الانتماء والدين والعروبة إلى جانب ما يمكن أن يحفز التعاطف مع المظلومين وحقوقهم المسلوبة وضحايا القصف والمواجهات. وقد رافق تلك الاستمالات ظهور علامات معززة مثل ابتسامات الفلسطينيين أثناء المواجهة أو الاعتقال وصور وتصاميم للمقدسات والمعالم، والرموز الوطنية الفلسطينية المتمثلة في العلم والخارطة، والرموز الثقافية التي اكتسبت أيضا معنى المقاومة مثل الكوفية، بالإضافة إلى شخصية "أبو عبيدة" التي ارتبطت بقدرة الفلسطينيين على إملاء التعليمات حول حظر التجول وساعات الهدنة على الكيان الصهيوني في فترات القصف.

من اللافت للنظر أيضا قدرة المناصرين للقضية الفلسطينية على التأقلم السريع مع خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي التي اتضحت بعض ممارساتها غير المنصفة للفلسطينيين في الفترة الأخيرة، بدءا من حظر بعض الوسوم والكلمات المفتاحية إلى حذف المحتوى والمنشورات وعدم إتاحة الخصائص المرتبطة بالإبلاغ عن الحالات الإنسانية أثناء الكوارث. وقد اتبع مستخدمو تلك المنصات أساليب جديدة للتغلب على تلك الخوارزميات منها تعديل المسميات أو كتابتها بترتيب مختلف للحروف ومؤخرا العودة للكتابة بالعربية بدون تنقيط.

أما من جهة الكيان الصهيوني وكيفية توظيفه لوسائل التواصل والإعلام فإن أبرز ما يمكن تلخيصه في هذا السياق هو استغلال النفوذ الإعلامي على مستوى العالم والآلة الإعلامية الضخمة الداعمة له من أجل تحوير القضية الفلسطينية أو تشويه صورة المقاومة أو كسب التعاطف الدولي والجماهيري. وقد امتد ذلك النفوذ ليشمل الضغط على المنصات - ويمكن الاستشهاد باجتماع وزير دفاع الكيان الصهيوني مع منصات فيس بوك وتيك توك - وكذلك استهداف المشاهير المتعاطفين مع القضية الفلسطينية وملاحقتهم قانونيا، بالإضافة إلى السعي لحذف منشورات ومقالات مؤيدة للفلسطينيين على منصات عالمية واسعة الانتشار. ولعل إحدى أبرز الخطوات البائسة مع عدم قدرة الكيان الصهيوني على احتواء المواجهة الإعلامية استهدافه لبرج تتخذه عدد من المؤسسات الإعلامية العالمية مقرا لها، ما يثبت الأولوية التي يضعها الكيان الصهيوني للجانب الإعلامي في المواجهة. كما يتضح الوجود المكثف عبر منصات التواصل الاجتماعي في نشاط حسابات رسمية تابعة للكيان الصهيوني آخرها وجود وزارة دفاعه عبر منصة تيك توك التي تستهدف الفئات العمرية الأصغر سنا، كما لا يمكن إغفال الاستمالات العاطفية التي يستخدمها الكيان لدرجة تشبيه المختصين حسابه الرسمي على تويتر بنبرة مدون يعاني من مشاكل عاطفية.

ومع استمرار الأحداث وعدم وجود ما ينبئ بالاستقرار في المستقبل المنظور، فإنه يجدر إمعان النظر في دور وسائل التواصل والإعلام سواء في كونها أدوات في الامتداد الإعلامي للصراع، أو في كونها ساحات للمواجهة لا تخفى نتائج الفوز والخسارة فيها على من من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

* مهتم بالاتصالات الاستراتيجية والهوية المؤسسية