المسؤول ومنصات التواصل.. القيادة أم الانقياد؟

30 أغسطس 2022
30 أغسطس 2022

شاعت - في ظل الانتشار والتأثير المتزايدين لوسائل التواصل على كل مناحي الحياة - بعض المفاهيم وربما المسلمات التي تقول بأهمية حضور المسؤولين - في المؤسسات الخدمية على الأقل - عبر منصات التواصل أو إيكال تلك المهمة إلى الفرق المعنية بالتواصل والإعلام ضمن المؤسسية بأساليب مختلفة. كما تحمل وسائل التواصل قيمة كبيرة يمكن أن تتحقق للمؤسسة على مستوى القيادة عند تفعيل الاتجاه الآخر من عملية التواصل المتمثل في تدفق الرسائل من الجمهور إلى المؤسسة بما تحمله من أفكار وآراء وملاحظات كممارسة أساسية في الاستماع لما يقال للمؤسسة وما يثار حولها أو حول جوانب عملها من نقاشات لا تكون بالضرورة موجهة إليها بشكل مباشر، وكذلك القيمة المتحققة من البيانات الضخمة التي تزخر بها وسائل التواصل بحيث تسهل التقنيات والأدوات المتوفرة تجميع وتحليل وتصنيف تلك البيانات بما يشكل رافدا لعملية صنع القرار داخل المؤسسة.

غير أن الانتشار والتأثير المتزايدين لتلك الوسائل قد شكلا أيضا بعض التصورات لدى العديد من المستخدمين لها والمهتمين بها تتلخص في أن الحياة اليومية أصبحت مختزلة في وسائل التواصل الاجتماعي بما فيها من تفاعلات وتدافعات بين مختلف الأطراف التي تستخدمها، وأن كل ما يثار عبرها يمثل الواقع بشكل مطلق، وأن أي طرح فيها هو ذو أهمية كبرى، وأنه ينبغي على المؤسسة أن تكون في وضع التحفز لإطلاق صافرات الإنذار وإعلان حالة الطوارئ عند رسو أي صورة شاشة Screenshot على الهاتف الذكي للمسؤول تحوي تغريدة أو منشورا يتعلق بعمل المؤسسة أو المسؤول نفسه.

لكن ما البديل الذي يمكن أن يكون بيد المسؤول في عصر تشكل أي تغريدة على تويتر أو رسالة على واتس آب أو مقطع فيديو على إنستجرام خطرا محدقا بسمعة المؤسسة بغض النظر عن مدى صحتها؟ إن العودة للأساسيات جديرة بالإجابة على هذا التساؤل؛ حيث يعتبر من المهام التي تتولاها فرق التواصل والإعلام في أي مؤسسة القيام برصد كل ما يتداول عن المؤسسة أو جوانب عملها أو القطاع الذي تعمل ضمنه أو حتى كبار مسؤوليها في مختلف وسائل التواصل والإعلام. وتتطلب هذه العملية مسؤوليات مشتركة على أطراف عدة داخل المؤسسة بحيث ينبغي على المسؤول تمكين فرق التواصل والإعلام عبر إيجاد ثقافة العمل القائمة على الاهتمام بمعرفة ما يثار حول المؤسسة في مختلف وسائل التواصل والإعلام، وإيجاد الموارد المالية والبشرية اللازمة لضمان تنفيذ تلك العملية بشكل مستمر، بينما تقع على فرق التواصل والإعلام ذاتها مسؤولية تكوين منظومة من الأدوات والأنظمة التي تضمن قدرة الفريق على معرفة كل ما يثار حول المؤسسة أولا بأول وبما يغطي مختلف وسائل التواصل والإعلام، وكذلك تغذية تلك الأدوات والأنظمة بالكلمات المفتاحية والمعايير الدقيقة التي تضمن سلامة البيانات التي يمكن استخلاصها، إضافة إلى القدرة على تحليل تلك البيانات ووضعها في قوالب تقارير تعطي المسؤولين الصورة الكاملة دون إغراقهم بالتفاصيل غير الضرورية، وأخيرا اقتراح آليات التعامل الإعلامي مع ما يثار من أجل إقرارها من قبل المسؤولين. أما المسؤولية التي تقع على التقسيمات الإدارية الأخرى داخل المؤسسة فهي أن تؤدي دورا إيجابيا في التعامل مع ما يثار حول المؤسسة عبر تزويد فرق التواصل بالخلفيات الكاملة للموضوعات المطروحة، وفهم الدوافع وراء مختلف الآراء والأفكار التي تتضمنها، وإبداء القدرة على تبني الممكن منها بما ينعكس إيجابا على عمل المؤسسة ككل.

إن مدى فاعلية تلك العملية يعتبر رهينا بمستوى الاستماع الذي تتبناه المؤسسة - بين المستويات الأربعة التي تم التطرق إليها في مقال سابق - من «السماع» وهو أن تقع التعابير والأطروحات ووجهات النظر ضمن نطاق الرصد سواء كان ذلك بقصد من المؤسسة أو دون قصد منها، إلى «الاستماع» حيث يكون الغرض منه هو تحقيق الاستفادة مما ترصده الأذن ويكون في معظم الأحيان لغرض التحليل أو الفهم أو الاستيعاب، وصولا إلى «الإصغاء» الذي يسعى إلى توظيف مخرجات الاستماع في تعزيز عملياتها وتحسين رسائلها الإعلامية، وانتهاء بـ «الإنصات» بحيث تكون المدخلات الواردة إلى المؤسسة عبر أدوات وممارسات الرصد رافدا أساسيا في اتخاذ القرار بالنسبة للمؤسسة وعملياتها. وبالرغم من ذلك، إلا أن على المؤسسة اتباع المستوى الذي يضمن الاستفادة القصوى مما ترصده حسب طبيعة عملها، والاقتراب من الجمهور، وفي المقابل تجنب كل ما قد يتسبب في أن تحيد المؤسسة عن رؤيتها المرسومة وأهدافها المخططة ومشروعاتها الاستراتيجية.

في عالم البحار وعندما يقرر قبطان السفينة الوصول بها إلى وجهة معينة، فإنه لا يترك سفينته في وضع تتقاذفها أمواج البحر يمنة ويسرة كيفما كان اتجاهها، وإنما يشحذ همم بحارته بوضوح وإلهام ويسدل أشرعة السفينة لتبحر إلى وجهتها. إن ذلك أقرب الأمثلة التي يمكن استحضارها عند الحديث عن تعامل المسؤول مع ما يثار في منصات التواصل؛ حيث ينبغي على المسؤول أن يقود الحوارات والنقاشات التي يمكن أن تثار حول المؤسسة عبر تمكين وتفعيل منظومة التواصل فيها بحيث تكون رسائلها واضحة ومستمرة، ومحتواها قابل للاستيعاب وتحفيز السلوك، ومقدرتها على الاستماع إلى الآراء والأفكار المختلفة والاستفادة منها عالية. إلى جانب ذلك فإن على المسؤول أن يدرك بأن العالم أوسع من تفاعلات وتدافعات وسائل التواصل، وأنه بالرغم من أهميتها في عملية صنع القرار المبني على الاطلاع الكامل بكل الاعتبارات إلا أنها ينبغي أن لا تكون مصدر تشتيت انتباهه والمؤسسة ككل عن السير في سبيل تحقيق الرؤى والأهداف والمشروعات.