المتابعة والتقييم والتفاعل مع المجتمع ... ضرورات لا غنى عنها !!

15 نوفمبر 2021
15 نوفمبر 2021

في الوقت الذي تحتفل فيه السلطنة بالذكرى الحادية والخمسين للعيد الوطني المجيد، وهي الذكرى الثانية للعيد الوطني بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- فإنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن من أهم ما يميز هذه الذكرى المجيدة هذا العام أنها تأتي وقد اكتملت، إلى حد كبير، سلسلة التعديلات والإجراءات والخطوات التي اتخذها جلالة السلطان المعظم، منذ توليه مقاليد الحكم، للانطلاق بمسيرة النهضة العمانية المتجددة في مرحلتها الثانية، بقوة وثبات، وبرؤية مدروسة وواضحة المعالم والأسس والمراحل والخطوات، نحو غاياتها المنشودة، وبما يؤمن الطريق لتحقيق مزيد من التقدم والازدهار للوطن والمواطن في مختلف المجالات.

وإذا كانت الرؤية الاستراتيجية «عمان 2040» وما يرتبط بها من أذرع تنفيذية مختلفة المستويات، وفي مقدمتها برنامج التوازن المالي متوسط المدى «2020 - 2024» وخطة التنمية الخمسية العاشرة (2021 - 2025) تشكل في الواقع ما يمكن تسميته بالإطار المرجعي لمسيرة التنمية العمانية في الأجلين القصير والمتوسط أي على مدى السنوات الممتدة حتى نهاية 2025، فإن تحديد السبل والإجراءات التنفيذية، الإدارية والتنظيمية، وكذلك سبل المتابعة والتقييم، تشكل في الواقع ضرورات لا غنى عنها على الصعيد التنفيذي، للسير نحو تحقيق الأولويات والأهداف الوطنية، وتأمين متطلبات النجاح في ظل مجموعة التحديات المحلية والإقليمية والدولية التي تفرض نفسها في الحاضر والمستقبل. وفي هذا الإطار فإنه من الأهمية بمكان الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي: أولا: إن الاهتمام السامي لجلالة السلطان المعظم برفع مستوى الأداء في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، وتهيئة مختلف السبل والوسائل العملية لتحقيق ذلك، بما فيها إعادة هيكلة مؤسسات الجهاز الإداري للدولة، ودمج عدد من المؤسسات وإلغاء أخرى وإنشاء مؤسسات جديدة برؤية وتكوين مختلف، والتركيز على أهمية الشفافية والإجادة على كل المستويات، هو اهتمام واضح وعميق منذ تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير 2020، أي قبل نحو واحد وعشرين شهرا، وقد عبر جلالته -حفظه الله ورعاه- عن ذلك في مناسبات عدة، آخرها التوجيهات السامية لجلالته خلال ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي الموافق التاسع من نوفمبر الجاري، حيث «استعرض جلالته -أعزه الله- نتائج تقييم أداء المؤسسات الحكومية لعام 2020-2021 والجهود المبذولة من كافة القطاعات لتجويد الأداء وتقديم خدمات أفضل لمواكبة التطورات وتحقيق الصالح العام، مشيرا -أبقاه الله- إلى أنه سيتم إنشاء وحدة مستقلة تتبع جلالة السلطان لقياس أداء المؤسسات الحكومية وضمان استمرارية تقييمها واقتراح آليات رفع كفاءتها، مع قياس جودة الخدمات ورضا المستفيدين منها، كما وجه جلالته بإنشاء وحدة لدعم واتخاذ القرار تتبع الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وذلك بهدف رفع مستوى الأداء من خلال تعزيز كفاءة صنع القرار. «وإذا كان من المعروف، على مختلف المستويات الأكاديمية والعملية، أن قياس وتقييم الأداء ورفع مستواه هو من أهم عناصر الإدارة الناجحة، بل وضمان النجاح في سير الإدارة نحو تحقيق الأهداف المحددة لكل وحدة أو مؤسسة حكومية، فإن «إنشاء وحدة مستقلة تتبع جلالة السلطان لقياس أداء المؤسسات الحكومية وضمان استمرارية تقييمها واقتراح آليات رفع كفاءتها» وكذلك «إنشاء وحدة لدعم واتخاذ القرار تتبع الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بهدف رفع مستوى الأداء من خلال تعزيز كفاءة اتخاذ القرار»، يعني بوضوح توفير واحد من أهم ضمانات نجاح عملية تقييم الأداء والعمل على رفع كفاءته في مختلف المؤسسات الحكومية، وذلك بربط ذلك بأعلى المستويات ممثلة في جلالة السلطان المعظم ومجلس الوزراء، كما سبقت الإشارة، وتوفير كل مقومات الفعالية والنجاح لها للقيام بدورها المنشود. وبذلك فإن عملية قياس ومتابعة الأداء، سواء بالنسبة لكبار المسؤولين من وزراء ووكلاء وزارات ومن في مستواهم، أو بالنسبة لمؤسسات الجهاز الإداري للدولة ستكون من خلال أجهزة تتبع جلالة السلطان المعظم مباشرة، وهو أمر بالغ الأهمية والدلالة، خاصة وأنه من المعروف أن عملية متابعة وتقييم الأداء ووضع المقترحات لرفع الكفاءة وللتغلب على أية مشكلات قد تظهر، هي من أهم عناصر وأركان الإدارة الناجحة والفعالة، بغض النظر عن حجم أو طبيعة المؤسسة التي تأخذ بذلك. والمؤكد أن عملية إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، التي تمت في الأشهر الماضية، ستسهم في توفير المناخ والأطر المناسبة لقياس الأداء ورفع الكفاءة وتطوير عمل المؤسسات المختلفة في الدولة.جدير بالذكر أن تطبيق عملية المتابعة وتقييم الأداء ورفع الكفاءة، ليست مسألة نظرية، أو أنها تتم تلقائيا، ولكنها في الواقع مسألة ترتبط في النهاية، وإلى حد كبير، بإدراك العاملين في مختلف المؤسسات، ليس فقط لدورهم الإداري والتنظيمي في إنجاح عمل مؤسساتهم، ولكن أيضا لدور المؤسسات التي يعملون فيها، ومدى تأثيرها على كفاءة العمل وتحقيق الأهداف على المستوى الوطني العام، وهو ما يتطلب القيام بعمليات منظمة ومتتابعة لزيادة وعي العاملين في مختلف مؤسسات الدولة بأهمية تطوير الأداء ورفع الكفاءة، والتقييم والمتابعة، والتي تبدأ جميعها من العاملين أنفسهم، قبل أن تبدأ من جانب السلطات أو المسؤولين عن القيام بذلك. ولعل هذه النقطة تحديدا هي التي تكمن وراء إشارة جلالة السلطان في حديثه خلال اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي إلى الاهتمام السامي لجلالته بموظفي الجهاز الإداري للدولة» وحثهم على بذل المزيد من الجهود لرفع كفاءة الأداء خلال المرحلة القادمة. « والمؤكد أن رفع كفاءة وجودة الأداء من جانب العاملين يعود بالخير على العاملين أنفسهم وعلى مؤسساتهم التي يعملون فيها أو يتحملون مسؤولية إدارتها ، وعلى الاقتصاد الوطني والمجتمع ككل في النهاية ، ولذا فإنه من المهم والضروري بذل مزيد من الجهود لرفع كفاءة الأداء وجودته وضمان شفافيته ، سواء على مستوى العاملين أو على مستوى المؤسسات ، والاستفادة من تقارير قياس الأداء ، سواء لإيجاد حلول لمشكلات قد تظهر، أو للسير قدما وبكفاءة متزايدة لتحقيق الأهداف والأولويات المحددة لكل مؤسسة وضمان أعلى درجات التنسيق والتكامل بين مؤسسات كل قطاع من ناحية، وبين القطاعات المختلفة من ناحية ثانية. ومما له دلالة عميقة في هذا المجال أن جلالته -حفظه الله ورعاه- أكد في كلمته خلال اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي على «أهمية تضافر جهود كافة مؤسسات الدولة في تسريع تطوير الخدمات الحكومية ومواصلة تنفيذ مبادرات التحول الرقمي وإيجاد المعالجات الشاملة للتحديات، إلى جانب توظيف الطاقات والموارد المتوفرة في سبيل ذلك من أجل مواكبة الأوضاع الراهنة والمستقبلية، وتعزيز التواصل والتفاعل مع المجتمع وتطلعاته» ثانيا: إنه في إطار الرعاية السامية للمواطن العماني، والحرص على توفير حياة أفضل له ولأسرته، برغم التحديات التي تواجهها الدولة، كغيرها من الدول الأخرى في المنطقة وخارجها في هذه المرحلة، وانعكاسا لعمق التفاعل من جانب جلالته مع المجتمع بفئاته وشرائحه المختلفة، جاءت التوجيهات السامية لجلالته بتوفير مزيد من التيسيرات للمواطن العماني، وبما يعود عليه بالنفع عمليا في أكثر من مجال.

وفي هذا الإطار وجه جلالته -أبقاه الله- «بترقية الموظفين الحكوميين التابعين لنظام الخدمة المدنية والأنظمة المدنية الأخرى المستحقين من أقدمية عام 2011 ، ابتداء من العام القادم 2022» واستمرارا للاهتمام الحكومي بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية وما تقدمه الدولة من خدمات ودعم للمواطنين، وجه جلالته -أعزه الله- «بتثبيت أسعار وقود المركبات وفقا لمعدل شهر أكتوبر الماضي 2021 كحد أعلى، وبحيث تتحمل الحكومة الفروقات الناتجة عن أي زيادة تطرأ في أسعار النفط وذلك حتى نهاية عام 2022. ومن أجل تحفيز الاقتصاد الوطني وتنشيط بيئة الاستثمار بشكل عام وجه -أبقاه الله- بإلغاء حزمة من الرسوم المرتبطة بأنشطة بعض القطاعات وكذلك تخفيض عدد منها». ومن شأن تطبيق ذلك أن يسهم في الواقع في تخفيف أعباء مختلف شرائح المجتمع وزيادة الدخل الحقيقي للمواطنين بشكل أو بآخر، مع التأثير على أسعار بعض المنتجات والسلع والخدمات التي يستفيد منها المواطن العماني، فضلا عن دعم مناخ الاستثمار في الاقتصاد الوطني وتعزيز ما تم اتخاذه من خطوات لتيسير وتسهيل عمل المستثمرين في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة المالية أعلنت عن «إعداد دليل موحد لتسعير رسوم الخدمات الحكومية بهدف إيجاد آلية موحدة لتحديد وتسعير رسوم الخدمات يراعى فيها الآثار المالية والاقتصادية والاجتماعية المحتملة، وذلك بتحقيق النظرة الشمولية عند دراسة الرسوم بحيث تشمل الدراسة الجهات المشتركة في تقديم الخدمة والتكلفة الإجمالية التي يتحملها المستفيد من الخدمة وتبيان الجوانب التي يمكن من خلالها تسهيل وتبسيط إجراءات تقديم الخدمة» وقد أشارت وزارة المالية إلى أنه تم تطبيق هذا الدليل في مرحلته الأولى على «وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ووزارة التراث والسياحة، وقطاع البلديات وأسفرت مخرجاته عن تخفيض عدد من رسوم الخدمات بلغ 548 رسم خدمة، وتراوحت نسبة التخفيض بين 17 % و 96 % ، كما تم إلغاء الرسوم بالنسبة لبعض الخدمات الأخرى» ومع بدء تطبيق هذه التخفيضات مع بداية العام القادم والمضي قدما في تطبيق الدليل الموحد في مراحله التالية ، فإنه من الطبيعي أن يحقق ذلك فوائد مختلفة للمستفيدين بالخدمات الحكومية التي تم إلغاء رسومها أو تخفيضها. وإذا كانت هذه الخطوات والإجراءات التي يتم اتخاذها بتوجيهات سامية والإعلان عنها، تعبر عن عمق الاهتمام السامي برعاية المواطن العماني وتخفيف الأعباء عنه بشكل مدروس وملموس، فإن ترحيب المواطنين بتلك الخطوات والإجراءات -وهو ما تم التعبير عنه عقب الإعلان عنها- يؤكد بدوره عمق الترابط بين المواطنين وبين القيادة الحكيمة لجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- والتي لا تدخر جهدا في تلمس احتياجات المواطن والتفاعل مع مختلف شرائح المجتمع وبما يحقق مصلحة الوطن والمواطن، ومن شأن الخطوات التي تم الإعلان عنها أن تضفي طابعا طيبا وتدخل السرور على مختلف شرائح المجتمع ، وهو ما يجعل احتفالات الذكرى الحادية والخمسين للعيد الوطني المجيد مميزة على مستوى الوطن والمواطن العماني، كما يجعل منها - بما تحقق من نتائج في قطاعات الاقتصاد العماني الإنتاجية والخدمية - منطلقا بالغ الأهمية والدلالة للدخول إلى عام جديد من عمر مسيرة النهضة العمانية المتجددة يتميز بمزيد من الثقة واليقين في غد أفضل بفضل السياسات الحكيمة لجلالة السلطان المعظم، سواء على الصعيد الداخلي، أو على صعيد العلاقات الطيبة والمتنامية مع الأشقاء والأصدقاء والتي تعزز في النهاية جهود التنمية الوطبية بأشكال مختلفة مباشرة وغير مباشرة.