المؤسسات والموظفون على منصات التواصل: الوصل والفصل «2»

23 أغسطس 2022
23 أغسطس 2022

بالنظر إلى علاقة المؤسسات بموظفيها في سياق ممارسات التواصل، وأولوية المؤسسات في الحفاظ على مستوى من القدرة على التحكم بسمعتها وحماية موظفيها، فإن ذلك من شأنه تفسير ما قد يبدو سلوكا سلطويا تمارسه المؤسسات عند إيجاد وإنفاذ السياسات والإرشادات والنظم الإدارية التي تنظم ممارسات التواصل لدى موظفيها بحكم عملهم فيها أو أثناء فترة عملهم فيها. إن مثال قيام شركة آبل بالتهديد بطرد إحدى موظفاتها من العمل بسبب قيام الأخيرة بتسجيل ونشر مقطع فيديو إرشادي على صفحتها الشخصية في منصة تيك توك يثبت أهمية وجود تلك السياسات والإرشادات والنظم الإدارية كمرجع ينظم العلاقة بين المؤسسة وموظفيها في سياق ممارسات التواصل، وهو ما تمتلكه شركة آبل فعليا بحكم إشارتها إليه ضمن دوافع التهديد بطرد الموظفة. وسواء أكانت تلك السياسات والإرشادات والنظم الإدارية مصاغة على أساس تمكين الموظفين من القيام ببعض ممارسات التواصل بشكل شخصي بحكم عملهم في المؤسسة، وتشجيعهم على ذلك وفق إرشادات واضحة تسهم بشكل كلي في تعزيز السمعة الإيجابية للمؤسسة، أم كانت مصاغة على أساس المنع والحجب بذريعة حماية الموظفين وصون سمعة المؤسسة، فإنها يجب أن تتمتع بوجود عدة عناصر لتحقيق الغاية المنشودة منها، وبيان التزامات كل طرف في هذه العلاقة.

إن أول ما يتوجب على المؤسسة توضيحه لموظفيها في سبيل تنظيم العلاقة معهم في سياق ممارسات التواصل النطاق الذي تشمله السياسات والإرشادات والنظم الإدارية في ظل تزايد وسائل التواصل والإعلام وتنوع طرق استخداماتها وتعدد المفاهيم المرتبطة بها. وتميل بعض المؤسسات إلى الاهتمام بشكل أكبر بما يتم تداوله في وسائل الإعلام الرئيسة Mainstream Media مثل التلفزيون والصحافة والإذاعات، بحيث تغطي سياساتها تفاعل الموظفين مع تلك الوسائل وما ينبغي عليهم فعله أو تجنبه في حال تلقي أحدهم أي طلب لمعلومات أو مقابلات بحكم عملهم في المؤسسة. بينما تفضل مؤسسات أخرى أن تشمل سياساتها مختلف وسائل التواصل والإعلام بما في ذلك الاستخدام الشخصي لوسائل التواصل الاجتماعي وطبيعة وجود الموظفين فيها والطرح الذي يسمح به والذي لا يسمح به فيما يتعلق بعملهم في المؤسسة أو حتى بشكل عام. كما ينبغي عموما ضمان مستوى جيد من الوعي لدى الموظفين بطبيعة عمل وسائل التواصل والإعلام والممارسات الوظيفية المرتبطة بها مثل سرية المعلومات وخصوصية بيانات العملاء والمتعاقدين والموظفين والاحتيال والابتزاز الإلكتروني وحقوق الملكية الفكرية وغيرها لكونها قد تؤثر على أعمال الموظفين بشكل سلبي وإجمالا على مصلحة المؤسسة ككل.

إن مما يعتبر من مسلمات علوم الإدارة والهوية المؤسسية أن تضع المؤسسة قيما واضحة بالنسبة لها تتحلى بها في مجالات أعمالها ويمارسها موظفوها في مختلف مهامهم اليومية، وليس هنالك من مرجع في هذا الشأن أهم مما ذكره جاك ويلش الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة جنرال إليكتريك الأمريكية وأحد أشهر منظري وممارسي علم الإدارة في كتابه «الفوز Winning» عندما أشار إلى أن المؤسسة يجب أن توجد لنفسها قيما قابلة للتطبيق وسهلة الاستيعاب بالنسبة لموظفيها والمتعاملين معها بعيدا عن كونها مجرد كلمات براقة يحتفظ بها في الأدراج وتستذكر في مناسبات احتفالية فقط. لذا فإنه من المهم بالنسبة للمؤسسات أن تربط سياساتها المتعلقة بتنظيم ممارسات التواصل لموظفيها بقيمها المؤسسية بحيث يقوم الموظفون بدورهم بتجسيد تلك القيم من أجل الحفاظ على سلامة ووحدة سمعة المؤسسة لدى مختلف فئات الجمهور.

يعتبر موظفو المؤسسة أحد أهم أصولها لما لهم من أهمية في الدفع بالمؤسسة إلى الأمام وتحقيق أهدافها، إلا أن المؤسسات يجب أن تتنبه في ذات الوقت إلى ما يمكن أن يتحقق من مخاطر محتملة نتيجة عدم تنظيم ممارسات التواصل لدى موظفيها. وتجنبا للجدل الذي قد يصاحب ذكر أمثلة من دول نامية نتيجة تفاوت تعريفات ومفاهيم الحريات فيها، يمكن الاستشهاد بالسياسات التي تتبعها الولايات المتحدة -وهي الدولة الديمقراطية ذات السقف العالي للحريات- حيث يتم تطبيق سياسات على مستوى الحكومة الاتحادية تنظم استخدام الموظفين الحكوميين لوسائل التواصل الاجتماعي ولو بشكل شخصي، وبما يشمل الالتزام بالقوانين المنظمة للعلاقة بين الحكومة وموظفيها مثل قوانين سلوك الموظفين والخصوصية، وكذلك النصوص الواضحة المتعلقة بعدم الإدلاء بأية معلومات بطلع الموظف عليها بحكم عمله، إضافة إلى منع استخدام المسميات الوظيفية لأغراض شخصية، وكذلك حث الموظفين على تجنب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي خلال ساعات العمل أو من خلال أجهزة المؤسسة الحكومية تحت مسمى «استخدام الأجهزة والأوقات الخاصة بالحكومة Use of Government Time and Property» وغيرها.

إنه وفي ظل التماهي بين استخدام الفرد لوسائل التواصل الاجتماعي بصفته فردا في المجتمع وبين استخدامه لها بحكم عمله في مؤسسة ما، وكذلك تكرار حالات تداول معلومات ومستندات مصنفة أو لا تخدم مصلحة المؤسسة أو المصلحة الوطنية ككل، فإن ما يستحسن فعله سعيا لتنظيم ممارسات التواصل وتوضيح الأدوار والحد من مخاطر السمعة على المؤسسة تكثيف التعريف بالسياسات والإرشادات والنظم الإدارية المرتبط بذلك -إن وجدت- أو صياغة سياسات تتناسب مع طبيعة المؤسسة وتراعي سمعتها وتضمن حماية موظفيها مما قد يؤثر على علاقتهم بالمؤسسة سلبا نتيجة عدم وعيهم بتبعات ممارسات التواصل، وكذلك التوعية ببنود القوانين المنظمة لعلاقة الموظف بالمؤسسة بشكل عام. ولكن قبل كل تلك المعالجات، فإن من المهم أن تسعى المؤسسة لإيجاد علاقة إيجابية وبناءة وفاعلة مع موظفيها تسهم في تعزيز انتمائهم للمؤسسة وتمكنهم من أن يكونوا سفراء لها ولرسالتها بغض النظر عن حقيقة وجود السياسات والإرشادات والنظم الإدارية المنظمة لممارسات التواصل لدى الموظفين.

بدر بن عبدالله الهنائي عضو مجلس Forbes لخبراء التواصل