المؤسسات والموظفون على منصات التواصل: الوصل والفصل «1»

16 أغسطس 2022
16 أغسطس 2022

إن من البديهي القول بأن مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي عموما أفراد، وبطبيعة الحال فإن لدى كل فرد من أولئك الأفراد حياة خاصة بما فيها الانتماء إلى أسرة معينة في مجتمع معين ضمن دولة معينة في مكان ما حول العالم، كما أنه في الغالب تكون لدى كل من أولئك الأفراد ارتباطات معينة في الجانب المهني خصوصا للعاملين في أطر مؤسسية بحيث تكون تلك الارتباطات بمثابة علاقة متعددة الأبعاد مهنيا وتعاقديا وأخلاقيا.

وتتضمن تلك الارتباطات المهنية العديد من الالتزامات بين الطرفين - المؤسسة والفرد العامل فيها - أو كما تعرف بالحقوق والواجبات. وقد تطرقت العديد من العلوم ومجالات الاهتمام إلى العلاقة بين المؤسسة والعامل مثل علوم الإدارة والموارد البشرية والاقتصاد وعلم النفس والاجتماع والقانون وغيرها. إلا أنه سيكون مثيرا للاهتمام النظر إلى تلك العلاقة على أساس مفاهيم علم التواصل.

قامت إحدى موظفات شركة آبل مؤخرا بإعداد ونشر مقطع مرئي على حسابها الشخصي في منصة تيك توك هدفت من خلاله إلى التعريف بكيفية التعامل مع الوضع في حال تمت سرقة جهاز الآيفون من صاحبه، مستخدمة معلومات عامة تتوفر لديها أيضا بصفتها موظفة في الشركة. وقد أرفقت الموظفة مع ذلك المقطع تعليقا يوضح مدى مصداقية المعلومات التي أوردتها «لا يمكنني الحديث عن الكيفية التي حصلت من خلالها على هذه المعلومات، إلا أنه يمكنني القول بأنني وخلال الأعوام الستة الماضية أعمل كمهندسة عتاد مرخصة Hardware Engineer لدى إحدى الشركات التي تحب الحديث عن الفواكه». وقد لاقى ذلك المقطع المرئي رواجا كبيرا وصل لأكثر من سبعة ملايين مشاهدة على منصة تيك توك في وقت قصير عبر حسابها الذي يحظى بحوالي نصف مليون متابع.

بعد ذلك بفترة قصيرة تناقلت بعض المواقع الإخبارية هذا الأسبوع خبرا حول اعتزام شركة آبل طرد الموظفة من عملها لأنها قامت بالتعريف بنفسها على أنها موظفة في شركة آبل - وهي معلومة صحيحة - وكذلك لأنها قامت بالتطرق لموضوعات تخص شركة آبل - وهي معلومات صحيحة كذلك - حيث طالبت الشركة أن تقوم الموظفة بحذف المقطع المرئي بشكل فوري وإلا فإنها سوف تتعرض لإجراءات تأديبية من ضمنها الطرد من العمل. وقد حدا رد فعل شركة آبل بالموظفة إلى القيام بنشر مقطع مرئي آخر بعنوان «عزيزتي آبل» تتساءل من خلاله حول ما إذا كانت سيتم طردها من العمل فعلا، وتبين أيضا الدوافع التي من أجلها قامت بنشر المقطع التعريفي، وتستوضح المبررات الإدارية والقانونية لطردها من العمل في حين أن ما قامت به كان بنية إيجابية وباستخدام معلومات عامة وأنه حسب وجهة نظرها لا يتعارض مع قيم الشركة في التفكير بشكل مختلف والابتكار وإيجاد الحلول الإبداعية.

عند النظر لهذا الموضوع يتضح بأن الموظفة لم تقدم أي ادعاء زائف حول عملها في الشركة، كما أنها قامت بالتوعية بكيفية استعادة جهاز الآيفون المسروق بناء على الإرشادات التي تقدمها الشركة بشكل عام إلى زبائنها، وذلك عن حسن نية، إضافة إلى الأثر الإيجابي الذي قد ينتج عن انتشار ذلك المقطع في التوعية بممارسات تأمين جهاز الآيفون من السرقة. لكن موقف شركة آبل كما تداولته بعض وسائل الإعلام مبني على السياسات الداخلية المنظمة لطبيعة استخدام الموظفين لمنصات التواصل الاجتماعي، والتي بالرغم من أن سياساتها الداخلية تقول بأن «من حقك كموظف التعبير عن نفسك بكل أريحية عبر وسائل التواصل» إلا أن من البديهي أن يكون قرار الشركة مبنيا على مواد واضحة ضمن سياسات داخلية مفصلة وشاملة توازي مكانة آبل كأكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية وقيمة العلامة التجارية.

إذن قد نتساءل عن ما يجعل شركة آبل تبدو بهذه العدائية تجاه موظفيها، حيث كانت في العام الماضي قد قامت بطرد اثنين من موظفيها من عملهم بسبب قيامهم بإفشاء معلومات مصنفة.

إن حالة شركة آبل هي أبسط ما يمكن استخدامه كمثال لشرح أهمية وجود مفاهيم علم التواصل في العلاقة بين المؤسسة والعامل؛ والتي عادة ما تترجمها المؤسسات التي تهتم بإدارة سمعتها بشكل جيد إلى سياسات وإرشادات وأنظمة إدارية تضمن وضوح العلاقة بين المؤسسة والعامل فيما يتعلق بممارسات التواصل والتعبير وإبداء الرأي وعلاقة الموظفين بوسائل الإعلام وغيرها.

وقد تكون الدوافع خلف أهمية وجود تلك المجموعة من السياسات والإرشادات والأنظمة الإدارية مبنية إما على منطلق إيجابي بحيث يتم البناء على وجود موظفي المؤسسة على منصات التواصل بما يخدم أهداف المؤسسة ويحقق مصالحها، أو على منطلق سلبي بحيث تكون مصاغة بعقلية التحكم وبما لا يتيح لموظفي المؤسسة المساحة في استخدام منصات التواصل الاجتماعي. عموما فإن كلا التوجهين - أو حتى المزج بينهما - لا يوجد فيه صحيح أو خطأ؛ فهي توجهات تتخذها المؤسسة طبقا لنظرتها تجاه ممارسات الموظفين المرتبط بالتواصل، أو بما يتوافق مع طبيعة عملها وخصوصيتها، أو حتى بما يرتبط بثقافة العمل في المؤسسة وقيمها.

ورغم تباين التوجهات والاعتبارات وحتى مستويات القناعة بين المؤسسات في ما يتعلق بإيجاد السياسات والإرشادات والنظم الإدارية التي تنظم العلاقة مع العاملين في ممارسات التواصل، إلا أن هنالك بعض الثوابت التي من المهم وجودها في كل ما من شأنه تحقيق ذلك، والتي يحتم ضيق المساحة المتاحة التوسع في تلك الثوابت في مساحة الأسبوع المقبل.