الفلسطينيون الذين لا يراهم بايدن

21 يناير 2024
21 يناير 2024

ترجمة: قاسم مكي -

كل زعيم لديه مواضع ضعفه. وفي حالة الرئيس الأمريكي جو بايدن لامبالاته الواضحة بالفلسطينيين يمكن أن تكلفه غاليا. فحسب منظمة «أنقذوا الأطفال» قُتِل 10 آلاف طفل فلسطيني في الأيام المائة الأخيرة.

لكن في بيان بايدن يوم الأحد 14 يناير والذي دعا فيه حماس إلى إطلاق سراح حوالي مائة رهينة لم يكد يرد على الإطلاق ذكرٌ لمعاناة الفلسطينيين. وكأنما الإقرار بمحنتهم يشكك في صدق تعاطفه مع «الضحايا» الإسرائيليين في 7 أكتوبر. ويشعر العديد من الأمريكيين الأكثر شبابا بالخذلان. وهم الذين سيكون تصويتهم ضروريا لبايدن في انتخابات نوفمبر. هذا إذا لم نذكر الأمريكيين العرب والذين يشكلون كتلة انتخابية أساسية في عدة ولايات مفتاحية.

ليس فقط الديموقراطيون التقدميون هم الوحيدون المستاؤون من صمت بايدن على وحشية إسرائيل. بل بعض من أوثق حلفائه في مجلس الشيوخ الأمريكي منزعجون أيضا. في دافوس في الأسبوع الماضي قال كريس كونز عضو مجلس الشيوخ الوَسَطي من ديلاوير وأقرب صديق سياسي لبايدن إن أمريكا عليها النظر في جعل العون العسكري لإسرائيل مشروطا. هذا القول يعتبر «هجوما حادا» في خطاب كونز المعتدل.

وفي رسالة لبايدن قبل عيد ميلاد المسيح حثت مجموعة من الديمقراطيين ممن لهم خلفيات متعلقة بالأمن القومي على استخدام نفوذ أمريكا « لتغيير الإستراتيجية والتكتيكات العسكرية في غزة فورا وبقدر كبير». من بين هذه المجموعة ابيجيل سبانبيرغر وإليسا سلوتكين وكلتاهما موظفتان سابقتان في وكالة الاستخبارات المركزية.

ويقول مسئولو البيت الأبيض إن بايدن يبذل أقصى ما في وسعه للجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكن لا يوجد دليل يمكن أن يذكر على ذلك.

منذ 7 أكتوبر استلمت إسرائيل 100 قنبلة مضادة للتحصينات زنة 2000 رطل من الولايات المتحدة. القصد من قوة هذه القنابل استخدامها في ميدان المعركة وليس استهداف مسلحين في مناطق حضرية.

قليلون أولئك الذين لديهم شكوك جادة في الدعاوى بأن الجيش الإسرائيلي يستخدم مثل هذه الذخائر عشوائيا. مع ذلك ما زال بايدن يقاوم وضع شروط على مساعدات بقيمة 14.5 بليون دولار تقريبا لإسرائيل طلبها من الكونجرس. فهو لديه النفوذ العسكري وقوة المنصب والسؤال: ما الذي يمنعه من استخدامهما؟

الإجابة تتعلق بمشاعر جو بايدن المتجذرة تجاه إسرائيل. فمنذ أيامه الأولى في دنيا السياسة ظل بايدن أحد أقوى حلفاء إسرائيل في الكابيتول هل (الكونجرس). لكن الظروف التي تشكلت فيها عاطفته تجاهها تغيرت جذريا. فجولدا مائير واسحق رابين وهما زعيمان إسرائيليان كان بايدن معجبا بهما وقتها مثَّلا اتجاها سياسيا معاكسا لاتجاه نتانياهو.

وكان دائما يعتقد اعتقادا راسخا أن إسرائيل تقبل بالتسوية فقط عندما لا يكون هناك «خلاف» بين أمريكا وإسرائيل. لكن التاريخ أظهر عكس ذلك.

بايدن كان ناقدا شرسا لجورج دبليو بوش لمناصرته عملية السلام عام 1992 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما هاجم بوش الأب لتهديده بسحب ضمانات القروض الأمريكية، إذا واصلت إسرائيل الاستيطان في الأراضي المحتلة.

ساعدت ضغوط بوش على إسقاط حكومة الليكود الإسرائيلية وجاءت بإسحاق رابين إلى الحكم. وكانت النتيجة معاهدة أوسلو للسلام.

وحين كان بايدن نائبا للرئيس قوَّض محاولة باراك أوباما في عام 2010 لممارسة ضغوط مماثلة على حكومة نتانياهو. ولأسباب من بينها تطمينات بايدن السرية تراجع أوباما عن الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي.

بفرضه شروط قاسية لتقديم العون الأمريكي يمكن لبايدن إسقاط نتانياهو إذا أراد وأن يحصل بالتالي على امتنان الأمريكيين والعالم العربي ومعظم الأمريكيين اليهود. ومن شأن ذلك أيضا أن يستعيد بعض ما فقدته أمريكا في جنوب العالم بسبب ما يتصور أنها ازدواجية معايير من جانبها (كيلها بمكيالين).

يعتقد العالم في معظمه أن أمريكا تهتم بالضحايا الأوروبيين كالأوكرانيين أكثر من اهتمامها بالمدنيين في الشرق الأوسط أو سواه. مغادرة نتانياهو سدة الحكم ستمهد في الغالب الطريق للزعيم الإسرائيلي الوسطي بيني (بنيامين) جانتس والذي يمكن أن يكون شريكا في التزام بايدن اللفظي بحل الدولتين. وفي حفل لجمع التبرعات في الشهر الماضي قال بايدن «لن نفعل شيئا خلاف حماية إسرائيل. لن نفعل شيئا».

إذا استمر بايدن على هذا المنوال سيشكل ذلك ضربة مزدوجة له.

أولا: تكتيكات نتانياهو تؤذي إسرائيل. فهي توجد جيلا جديدا من الآباء المفجوعين واليتامى. ونتانياهو قادر على توسيع الحرب إلى لبنان إذا اعتقد أن ذلك سينقذه. وعلى الرغم من أن بايدن حذره بألا يفعل ذلك لكن ما الذي سيفعله في تلك الحال؟

ثانيا: بايدن يلحق الضرر بفرص إعادة انتخابه. فعدد أفراد الجالية العربية في ميشيجان يساوي تقريبا ضعف الفارق الانتخابي الذي هزم دونالد ترامب هناك في عام 2020. وفي ولاية اريزونا أعلى من ذلك الفارق بستة أضعاف. والقول لمثل هؤلاء الناخبين أن ترامب سيكون أسوأ ليس تصرفا سياسيا سليما. فقد لا يصوتون في الانتخابات. كما لن تكون هذه التحذيرات (من ترامب) صحيحة بالضرورة فيما يخص غزة.

واقع الحال، كلما طال أمد بقاء نتانياهو في الحكم كلما كان ذلك أسوأ لبايدن. مع ذلك يبدو أن تصرفاته القصد منها بالضبط ضمان ذلك.

إدوارد لوس كبير معلقي الشؤون الأمريكية بصحيفة الفاينانشال تايمز