العناصر الأرضية النادرة محرّكات القوة العالمية الجديدة

01 نوفمبر 2025
01 نوفمبر 2025

الشد والجذب الأخير بين واشنطن وبكين حول معادن العناصر الأرضية النادرة يبدو تقنيا على السطح، لكنه يشير إلى تحوّل أعمق في ميزان النفوذ العالمي. فهذه العناصر السبعة عشر ـ الضرورية لكل شيء من المحركات الكهربائية إلى أنظمة التوجيه الدقيقة ـ تحولت بصمت إلى أدوات استراتيجية. من يسيطر عليها يحوز ميزة صناعية، ونفوذا دبلوماسيا واقتصاديا في آن.

لأعوام، بنت الصين بهدوء سلسلة متكاملة للعناصر الأرضية النادرة ـ من الاستخراج إلى تصنيع المغانط ـ بينما تخلّف الآخرون وراءها. وبحلول عام 2024 كانت تعالج القسط الأكبر من نحو 44 مليون طن متري تُنتج عالميا. لكن وراء هذا التفوق الصيني عُقدة سياسية معقّدة: فإنتاج ميانمار يأتي من كاشين وشان، حيث تغذّي اقتصاداتُ النزاع الميليشيات والمتعاقدين في الظل. وفي أفريقيا، تمتلك ناميبيا وملاوي وجنوب أفريقيا احتياطيات واعدة، لكنها تصطدم بضعف الرقابة، واستحواذ الريع الأجنبي، وغضب محلي من التلوث. هذه الدول ليست سلبية؛ فسياساتها هي التي تحسم إن كانت الموارد رافعة نفوذ أم مصدر اضطراب.

صحيح أن الخصائص المغناطيسية والموصِّلة للعناصر الأرضية النادرة تجعلها لا غنى عنها في التقنيات الخضراء والتسليح المتقدم، غير أن استخراجها وتنقيتها عمليات قذرة ومعقدة تقنيا وكثيفة رأس المال. هذا يخلق لا تماثلا: الدول التي تملك قدرات التكرير تستطيع «تسليح الوصول» إلى الإمدادات؛ أما من يملك الخام فقط فيغدو شريكا أدنى، يبادل سيادة وطنية باستثمارات خارجية. إن التحكم في المواد الاستراتيجية يترجم مباشرة إلى قوة تفاوضية.

سياسة الإمداد تُعيد تشكيل التحالفات والاستراتيجيات الصناعية والخيارات التنظيمية عبر آسيا وأوروبا وأفريقيا. والدفعُ المعاصر نحو صافي الانبعاثات الصفري والرقمنة يجعل الطلب على العناصر الأرضية النادرة طلبا بنيويا. لذا تتزايد حوافز الدول لاعتماد سياسة صناعية طويلة الأمد، وتأمين مساراتٍ للتدوير، ورعاية أبحاث الإحلال. لكن الديمقراطيات والاقتصادات الممركزة تفعل ذلك بطرقٍ مختلفة: فقد حققت الصين، بنهجها الموجّه بالدولة، تكاملا عموديا سريعا؛ فيما لا تزال الاقتصادات الليبرالية ـ الحذرة من ردود الفعل البيئية وتردد القطاع الخاص ـ في طور اللحاق. والنتيجة تباعد استراتيجي في كيفية تحمّل المجتمعات للمخاطر، وتمويل البنى التحتية، والسماح بقدر من الإخلال البيئي.

أضحى التدبير الاقتصادي ـ من قيود التصدير إلى الدعم ـ إشارات سياسية تُعيد صياغة خطط الصناعة لدى المنافسين وجداولهم الدفاعية واستراتيجياتهم التفاوضية. وعلى نحو مغاير، يجلب تفوّق الصين في التكرير ارتدادا بيئيا داخليا، ويدفع خصومها إلى الرد عبر التخزين الاستراتيجي، وتنويع المصادر، وتوسيع التدوير. فمراحل الانتقال تفتح المجال أمام المدورين والبدائل والمكررات الجدد، ولا سيما للدول النامية الساعية إلى فك الارتباط عن اقتصاد تصدير الخام.

إن السيطرة على العناصر الأرضية النادرة لا تتعلق بالمناجم وحدها؛ بل تشمل سلسلة القيمة كاملة ـ من المسح الجيولوجي والكيمياء الفصلية، إلى تصنيع المغانط، وتصميم المكوّنات، واستعادة المواد عند نهاية العمر التشغيلي. ومن يهيمن على هذه العُقد يقتنص معظم القيمة ومعها معظم النفوذ. وهذا يفسر لماذا لا تزال بعض الشركات الغربية تُرسل الخامات نصف المعالَجة إلى المصانع الصينية: فحساب الكلفة يميل إلى الإسناد الخارجي إلى أن تُعاد هيكلة القدرات المحلية. لكن إعادة البناء مكلفة وبطيئة ومحل خلاف سياسي، خصوصا حيث تعارض الرأي العام البصمة البيئية للتعدين. وهنا ينشأ مفارقة: فالتحول الأخضر، القائم على العناصر الأرضية النادرة، قد يتحول سياسيا إلى ملف سام إذا واجهت المجتمعات تلوثا وتهجيرا.

لذلك، وبينما تُموِّل الدول أبحاث التدوير، وتُقدِّم دعما لمصافيها المحلية، وتستثمر في حوكمة الدول الشريكة، فإنها في الوقت نفسه تختبر قواعد تجارية جديدة وتبحث عن بدائل. ولا تُعَدّ أي من هذه الخطوات رصاصة سحرية: فالتدوير يخفف الاعتماد لكنه لا يلبّي الطلب العاجل؛ والبدائل قد تحدّها الموارد أو أداء المواد. وفي الأثناء، كثيرا ما تصطدم إصلاحاتُ الحوكمة المدفوعة بالمانحين في الدول المُصدِّرة للموارد بالبُنى المحلية النافذة التي تنتفع من الغموض.

ومن ثمّ تبرز خلاصة واقعية: العناصر الأرضية النادرة تُحدِّدُ الجيوسياسة ولا تُبسِّطها. فهي تخلُق تشابكات واعتمادا متبادلا جديدا يمزج الاقتصاد بالأمن والبيئة. وليس أخطر السيناريوهات مجرد مورِّد واحد يقطع الصادرات، بل التصلّب البطيء المنهجي حيث تتضاعفُ الريبة الاستراتيجية، وترتفع تكاليف المعاملات، وتتفتّت سلاسل الإمداد، ويغدو انتشار التكنولوجيا غير متكافئ. وعلى العكس، فإن أفضل المآلات يتطلّب تعاونا براغماتيا: معايير مشتركة للأداء البيئي، وعقودا شفافة، ومشروعات تدوير مشتركة، واستثمارات تبني القدرات المحلية بدلا من تفريغها.

ومن المفيد التنبيه إلى أن خطوط الإمداد العالمية للعناصر الأرضية النادرة تمتد من المراكز الداخلية في الصين إلى موانئها الساحلية عبر بحر الصين الجنوبي ومضيق ملقا، ومنها ممرات برية تنقل خام كاشين في ميانمار إلى إقليم يوننان. وتشمل أيضا ممرات من منغوليا وآسيا الوسطى إلى مصافي الصين، وطرقا بحرية تحمل الشحنات الأفريقية إلى الموانئ الصينية والأوروبية، ومسارات عبر المحيط الهادئ إلى اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وكلُّ شريان من هذه الشرايين يجري تأمينُه وعسكرته: فقد شهد بحرُ الصين الجنوبي ومضائقُ ملقا دوريات بحرية مكثفة وعمليات «تأكيد حرية الملاحة» مع سعي الدول لحماية عنق الزجاجة؛ وممرات ميانمار تُحكِمُها قوات المجلس العسكري وجماعات مسلحة تُسيطر على الاستخراج؛ وتُعزِّز الشركات الحكومية الصينية ووحدات خفر السواحل نقاط التصدير؛ وتوسّع البحريات الغربية والولايات المتحدة عمليات المرافقة والتخزين؛ فضلا عن انخراط شركات أمن خاصة. كما تُستثمَر الموانئ وتُنسَج روابط دبلوماسية ـ عسكرية على الممرات الأفريقية، ويجري استخدام تراخيص التصدير وطبقات من العقوبات لإضفاء طابع قانوني على تقييد الشحنات.

خلاصة القول: باتت العناصر الأرضية النادرة محكّا لسلطة القرن الحادي والعشرين، قضية يتقاطع فيها التخطيط الصناعي والسياسة الداخلية في الدول المُنتِجة والحدود البيئية والاستراتيجية الدولية. وهي تكشف حقيقة جديدة في فن إدارة الدولة: إن النفوذ اليوم ينشأ من إتقان المواد غير المرئية بقدر ما ينشأ من السيطرة على الإقليم. وأيُّ الدول تتكيّف ـ ببناء سلاسل إمداد نظيفة وقادرة على الصمود، ومعالجة المظالم السياسية والبيئية حيث تُستخرَج الخامات ـ هو ما سيحسم اتجاه انتقال الميزة في العقود المقبلة.

سيد ريان أمير باحث أول في مركز كيه آر إف لشؤون بنجلادش والعالم.

عن صحيفة ديلي ستار البنجلاديشية

تمت الترجمة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي