«العفو الدولية» وخطوة شجاعة ضد الفصل العنصري الإسرائيلي!!
ليس من المبالغة في شيء القول بأن أقدام منظمة العفو الدولية «امنستي»، وهي إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، على إصدار تقريرها الرسمي حول سياسة الفصل العنصري -أبارتهايد- الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الأول من فبراير الجاري، هو خطوة شجاعة، وعلى جانب كبير من الأهمية والدلالة بالنسبة للفلسطينيين ولكفاحهم الطويل لنيل حقوقهم المشروعة ولإنهاء السياسات والانتهاكات الإسرائيلية بحقهم وإنهاء الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967.
وقد يقول قائل -وعن حق- إن إسرائيل دولة خارجة عن القانون ولا تعير اهتمامًا كبيرًا لقرارات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وأنه سبق إدانتها وبشكل واضح ومباشر في عشرات، بل مئات القرارات والتوصيات الدولية، وبالتالي فإن التقرير الرسمي لمنظمة العفو الدولية، هو مجرد إدانة أخرى لإسرائيل ولممارساتها لا تلبث أن تنسى كغيرها، غير أن الواقع والجوهر هو غير ذلك بالتأكيد، نظرًا للدلالات التي تنطوي عليها هذه الخطوة وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج وخطوات تالية لصالح الفلسطينيين والقضية الفلسطينية ككل أيضا، وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي: أولا: إنه بالرغم من أن منظمة العفو الدولية تصدر الكثير من القرارات والانتقادات لممارسات دول مختلفة في مجال حقوق الإنسان وجرائم الحروب والجرائم ضد الإنسانية، وبالرغم من أن قرارات وتوصيات المنظمة هي مجرد توصيات وليست قرارات لها صفة الإلزام للدول والأطراف التي تخاطبها، إلا أن المنظمة وقراراتها تكتسب أهميتها وقيمتها ليس فقط من أنها منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، ولكن أيضا من أنها تحظى باحترام واسع النطاق على الصعيد الدولي ولدى الرأي العام العالمي، ومن ثم فإن الوزن الأدبي للمنظمة وقراراتها هو ما تضعه الدول المختلفة في الحسبان، خاصة إذا كانت حريصة على صورتها الدولية ولدى شعوب العالم.يضاف إلى ذلك أن ما أصدرته منظمة العفو الدولية ليس قرارًا أو انتقادا فقط ولكنه تقرير رسمي موثق ومدعم بالأدلة والتحقيقات والأمثلة العملية التي تؤكد اتباع إسرائيل لسياسات الفصل العنصري -أبارتهايد- ضد الفلسطينيين سواء داخل إسرائيل -داخل الخط الأخضر- أو في الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967. يضاف إلى ذلك أن المنظمة قالت في تقريرها، أن نظام الفصل العنصري -أبارتهيد- ضد الفلسطينيين «نظام قاس يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية»، وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية «أنياس كالامار»، خلال إعلانها التقرير الرسمي في مؤتمر صحفي في فندق «سان جورج» بالقدس، إنه ينبغي محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، «ولكن نعلم أن لدى إسرائيل تاريخا وسجلا ضعيفا في محاسبة المسؤولين ولذلك ندعو المؤسسات الدولية إلى العمل ومن بينها الجنائية الدولية». وبذلك أدخلت «كالامار» المؤسسات الدولية طرفا في العمل من أجل وقف سياسات الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، وهي دعوة ستجد صداها بالتأكيد لدى كثير من المؤسسات والمنظمات الدولة، وخلال مقابلة «أنياس كالامار» للرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الثاني من فبراير الجاري في رام الله لتقديم ما احتواه التقرير الرسمي قالت «كالامار»: إنها ستواصل العمل خلال الفترة القادمة من أجل وقف سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وأن هناك نحو 70 منظمة تشارك فيها «العفو الدولية» وأنها ستعمل جميعها لفضح سياسات إسرائيل في هذا المجال.ثانيا: إنه من المؤكد أن التقرير الرسمي لمنظمة العفو الدولية حول سياسات الفصل العنصري -البارتهايد- الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، هو ثمرة لسياسة النفس الطويل الفلسطينية في مقاومة إسرائيل وفضح انتهاكاتها البشعة والمتواصلة للقوانين والشرعية الدولية ولنواميس الإنسانية، وحرص عدد من المؤسسات الفلسطينية على تسجيل وتوثيق تلك الانتهاكات ووضعها تحت نظر المؤسسات والمنظمات الدولية التي تشترك دولة فلسطين في عضويتها، وكذلك اطلاع الرأي العام العالمي عليها على أوسع نطاق ممكن، وهو ما تدرك إسرائيل خطورته عليها، حتى وإن حاولت التقليل من أهمية ذلك، أو الاحتماء بالرعاية الأمريكية والغربية لها بشكل أو بآخر، وإذا كانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلو «اليونسكو» قد أصدرت في ثمانينيات القرن الماضي قرارها الشهير بأن «الصهيونية مساوية للعنصرية»، والذي ترتب عليه انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو لأكثر من عشر سنوات، وتم التراجع عن القرار بسبب الضغوط الأمريكية والغربية، فإن ما أصدرته منظمة العفو الدولية هو تقرير رسمي لها وليس مجرد قرار، ويتم عادة ضم التقرير ضمن الوثائق الرسمية للمنظمة، وهو ما يزيد من قيمته الأدبية والسياسية، خاصة أن المنظمة تمارس دورها وبقناعة عميقة برغم ما تواجهه وما ستواجهه من تحديات بسبب ذلك.
ومن ثم فإنه من المتوقع أن تحذو مؤسسات دولية أخرى حذو منظمة العفو الدولية، ومن هذه المؤسسات المحكمة الجنائية الدولية ألي انضمت إليها دولة فلسطين، ولم تنضم إليها إسرائيل ولا الولايات المتحدة لأسباب مختلفة في الحالتين. ومما له قيمة وأهمية في هذا المجال أن «العفو الدولية» دعت المحكمة الجنائية الدولية إلى «النظر في جريمة الفصل العنصري في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تناشد جميع الدول بممارسة حق الولاية القضائية الشاملة وتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري إلى العدالة». ومعروف أن «فاتو بنسودا» المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية كانت قد فتحت تحقيقا في فبراير من العام الماضي - قبل أن تغادر منصبها في منتصف العام ذاته، حول جرائم حرب وقعت أثناء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014 ومن شأن تقرير العفو الدولية أن يدعم تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية التي عارضتها وتعارضها إسرائيل وأمريكا وكثير من الدول الغربية.
ثالثا: إنه ليس جديدًا أن ترفض إسرائيل والولايات المتحدة ودول غربية أخرى التقرير الرسمي لمنظمة العفو الدولية، وأن يفتح الإعلام الإسرائيلي النار على المنظمة، وفي حين رفض وزير الخارجية الإسرائيلي مائير ليبيد دعوة «كالامار» لمناقشة ما توصل إليه تقرير المنظمة قبل إعلانه -رغم أنها أعلنته من القدس- فإن 15 منظمة حقوقية إسرائيلية انتقدت الحملة الإعلامية الإسرائيلية ضد «العفو الدولية»، أما رد الفعل الأمريكي الذي رفض وصف الممارسات الإسرائيلية بأنها «تشكل فصلا عنصريا» فإنه اتخذ جانب إسرائيل بشكل ينطوي على تبرير غير مباشر لسياسات الفصل العنصري الإسرائيلية حيث أشار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية «نيد برايس» إلى أنه «لا يجوز منع إسرائيل بصفتها دولة يهودية من حقها في تقرير المصير «وشدد على ضرورة ضمان» عدم تطبيق معايير مزدوجة وإذا كان لا يجوز منع إسرائيل».
من حقها في تقرير المصير، فلماذا لا يطبق نفس المبدأ على الفلسطينيين الذي تحتل إسرائيل أرضهم وتمارس في حقهم سياسات الفصل العنصري؟ وأي الأطراف يطبق معايير مزدوجة؟.
د. عبد الحميد الموافي كاتب وصحفي مصري
