الشرق الأوسط .. هل حان زمن التحولات؟

29 مارس 2023
29 مارس 2023

ما يجري في الشرق الأوسط اليوم من تحولات سياسية على نحو مثير وواعد بالعديد من المفاجآت في المستقبل القريب، هو نمط جديد من التحولات، سواءً أكان ذلك الذي يجري في إسرائيل اليوم، أم ما تم إعلانه قبل أسابيع من اتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية برعاية صينية.

ففي ظل هذين الحدثين ربما سنجد علاقة واضحة فيما يجمع بينهما حيال التأثير الذي قد يلعب دورا في تبريد مشكلات متعددة ظلت مؤرقة لأمن المنطقة.

لكن بما أن كلا من السياسة والاستراتيجية في عالم اليوم يرتبط التخطيط لهما بقراءات جيوسياسية، ورصد موازين القوى المؤثرة وحسابات المصالح واستغلال الثغرات الناتجة عن حدث كبير له ردود فعل عالمية كالحرب الروسية الأوكرانية، فإن إمكانية استغلال الثغرات واللعب على تناقضات كثيرة من أجل تحقيق مصالح وازنة يصبح رهانا مرغوبا فيه لإحداث تغييرات مهمة وأساسية في ملفات هذه المنطقة.

ففي مثل هذه المتغيرات النوعية تعيد القوى الكبرى حساباتها، وترصد الأوضاع بتقييم جديد على ضوء ما يمكن أن تفرزه تلك المتغيرات النوعية على مصالحها.

لقد كانت الكثير من حروب منطقة الشرق الأوسط معبرة عن غياب للعقلانية السياسية التي هي الأساس في فهم وتفسير الحرب ردود فعل الحرب، لهذا فقد كانت تلك الحروب تترك لتفاعلاتها السالبة من طرف القوى الكبرى، كما جرى التعامل من أكثر من دولة في المنطقة، لكن ما أن تبرز تحولات نوعية كالتي أشرنا إليها في الحدثين السابقين فإن امتدادات تأثيرهما ستطال العديد من الدول في المنطقة.

حتى الآن من غير المعروف إدراك طبيعة المآلات الأخيرة للحدثين في المنطقة، فما زلنا في زمن مبكر للحكم على آثارهما، لكن بالقطع إن المنطقة موعودة بتحول قد يحدث ثغرة في جدار حروبها العدمية التي أعقبت ما سمي بالربيع العربي في أكثر من بلد.

اليوم تتغير الحسابات الاستراتيجية للدول الكبرى في المنطقة على وقع الحدث الكبير الذي تجري وقائعه بين روسيا وأوكرانيا والذي انقسم العالم حوله أيضا.

ستدور وقائع أخرى، في مناطق أخرى بين روسيا من ناحية، والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى، على هامش الصراع على مناطق النفوذ بين كل من المعسكرين في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.

وإذا كانت المناطق التقليدية للنفوذ سمتا وسم سنوات الحرب الباردة بين القوتين العظميين آنذاك (أمريكا والاتحاد السوفييتي) واستمر كتقليد حتى بعد سنوات الحرب الباردة، فإن ما سيجري اليوم من صراع النفوذ المفتوح على مناطق غير تقليدية سيكون هو أبرز ملامح عالم ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

هذا ما رأيناه كاختراق أحدثته روسيا في مالي على حساب نفوذ فرنسا، وفي مناطق أخرى كأفريقيا الوسطى، إلى جانب التحرك الاستراتيجي الجريء للصين برعايتها للاتفاق السعودي الإيراني بخلفية ذات ضمان استراتيجي سيلعب دورا في توجيه الاتفاق على نحو جدي تغلب عليه المصالح المشتركة لكل من الصين وإيران والسعودية.

تشابك مصائر الدول في منطقة الشرق الأوسط يعكس تأثيراتها المهمة بكل حدث كبير لدوله المحورية في الإقليم كالمملكة العربية السعودية وإيران.

بالتأكيد ستكون هناك تداعيات متعددة لما يجري في إسرائيل اليوم من انقسام عمودي على صورة الدولة وهويتها، وهو متغير جديد وغير مسبوق فيما مرت به إسرائيل من أحداث – كما صرح أكثر من مسؤول هناك – وإذا كنا اليوم لا نريد أن نستبق معرفة ما سينطوي عليه بالضبط تداعيات هذا المتغير في إسرائيل استراتيجيا على دول المنطقة فإنه من الواضح سيكون تغييرا داخليا مؤثرا في إسرائيل ذاتها.

الكل ينتظر ما ستسفر عليه الأسابيع القادمة لهذين الحدثين، لكن في كل الأحوال يمكننا القول إن هناك موجة قادمة على منطقة الشرق الأوسط قد تخلط فيها الأوراق ويعاد فيها ترتيب الأوضاع السياسية في ضوء متغير عالمي كبير أصبح عنوانه اليوم هو الحرب الروسية الأوكرانية.

فإذا عرفنا علاقة هاتين الدولتين (روسيا وأوكرانيا) بدول الشرق الأوسط من حيث إمدادات الحبوب الغذائية وما خلفته الحرب بينهما من صعود موجة للغلاء في المنطقة بسبب انحسار سلاسل إمداد الحبوب في كل من روسيا وأوكرانيا إلى الشرق الأوسط فإننا سنجد أنفسنا أمام تداعيات تأثير للحرب قد تنجم عنها احتجاجات على الأوضاع المعيشية التي تضيق يوما بعد يوم في حياة شعوب هذه المنطقة!