الرسوم الجمركية هدية من ترمب للصّين

08 سبتمبر 2025
08 سبتمبر 2025

ترجمة: بدر بن خميس الظّفري -

الصور التي تصدرت الأسبوع المنصرم نشرات الأخبار العالمية شكّلت دليلًا حيًّا على إخفاقات السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد تَرَمْب. فقد كانت اللقطات الأكثر تداولًا هي الاستعراض العسكري الضخم في الصين، ومشهد الرئيس الصيني شي جينبينغ وهو يسير إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. كانت تلك المشاهد متوقعة؛ باعتبارها تذكرة للغرب بأنه يواجه مجموعة من الخصوم المصممين على تقويض النظام الدولي القائم على القيادة الغربية.

لكن ما فاجأ المتابعين كانت الصور التي سبقت ذلك بأيام عندما احتضنت منظمة شنغهاي للتعاون قادة من الهند وتركيا وفيتنام ومصر، وغيرهم من القوى الإقليمية. هذه الدول كانت تُعد في الغالب أقرب إلى واشنطن من بكين. غير أن مزيجًا ضارّا من الرسوم الجمركية المرتفعة، والخطاب العدائي، والاشتراطات الأيديولوجية دفع كثيرًا من الدول المحورية في العالم إلى الابتعاد عن الولايات المتحدة والاقتراب من الصين. وقد يكون ذلك أكبر هدف سجّله ترامب ضد نفسه في تاريخ السياسة الخارجية الحديثة.

خذ مثلًا مجموعة «بريكس» التي أسست لتمثل أبرز الأسواق الناشئة الواعدة مثل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد انضمت إليها لاحقًا دول أخرى. في الاجتماعات السابقة كان يُتوقع من ثلاث دول أساسية -وهي البرازيل والهند وجنوب أفريقيا- أن تعارض مساعي روسيا والصين لتحويل المجموعة إلى تكتل مناوئ لأمريكا. ولعقود عملت واشنطن على بناء علاقات وثيقة مع هذه الدول الثلاث باعتبارها قوى إقليمية مؤثرة؛ لتضمن بقاء ميولها السياسية والاقتصادية أقرب إلى الولايات المتحدة كلما ازدادت قوة ونفوذًا.

إلا أن ترامب قابل تلك الدول بسياسات مليئة بالحدة والعقوبات؛ فقد فرض أعلى نسبة رسوم جمركية في العالم على الهند، وألحق بالبرازيل عقوبات مماثلة شملت الرسوم المرتفعة والمنع من التأشيرات وعقوبات على مسؤولين، فيما فرض على جنوب أفريقيا رسومًا بنسبة 30 في المائة وقطع المساعدات الخارجية عنها، وهدد بفرض عقوبات على مسؤوليها.

ردود الأفعال في تلك البلدان كانت غاضبة؛ فالهند التي كانت شعبيًا مؤيدة لواشنطن باتت الآن تميل إلى الشك العميق في نوايا الولايات المتحدة. وفي البرازيل ارتفعت شعبية الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بعدما تحدى ضغوط ترامب. أما في جنوب أفريقيا فقد ازدادت مكانة الرئيس سيريل رامافوزا حين ردّ بلباقة على انتقادات ترمب في البيت الأبيض. وهنا ينبغي أن نتذكر أن لدى الشعوب الأخرى مشاعر قومية أيضًا.

لا يوجد مسوغ استراتيجي لهذه التحولات في السياسات؛ فترامب يعاقب البرازيل؛ بسبب محاسبة محاكمها المستقلة لحليفه الأيديولوجي جايير بولسونارو على محاولاته رفض نتائج الانتخابات. أما جنوب أفريقيا فاستهدفتها سياساته؛ بسبب قانون إصلاح الأراضي الذي يسعى إلى معالجة التفاوت الهائل في الملكية والثروة الناجم عن عقود من نظام الفصل العنصري. وهذه الأسباب لا علاقة لها بإعادة بناء القاعدة الصناعية الأمريكية أو خفض العجز التجاري، بل إن الولايات المتحدة تحقق فائضًا تجاريًا مع البرازيل.

في الوقت الذي تنفّر فيه واشنطن تلك الدول كانت الصين تمد جسور التعاون معها؛ فقد عرضت على البرازيل خطة لإنشاء شبكة سكك حديدية كبرى تربط سواحلها الأطلسية بسواحل بيرو على المحيط الهادئ. واستقبلت بكين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في أول زيارة له إلى الصين منذ سبع سنوات. كما استمالت جنوب أفريقيا بالمساعدات والتجارة، فتزايد الميل الشعبي هناك إلى النظر بإيجابية نحو بكين.

كثيرًا ما يُقال: إن ترامب يحب التحدث بخشونة؛ ليحصل على أفضل الصفقات، لكن سياساته تسببت في معاناة حقيقية على الأرض؛ فقد خسر الكثيرون وظائفهم، ودُفع آخرون إلى براثن الفقر من جديد. ولذلك؛ حتى إذا جرى إعادة التفاوض على الاتفاقيات مستقبلًا بشروط أقل قسوة فإن الذاكرة ستبقى حاضرة. وستظل الدول تتوجس من احتمال أن تعاملها واشنطن كما فعلت سابقًا، ما يدفعها إلى الحفاظ على علاقات قوية مع الصين وروسيا كخيار بديل.

أما السياسة الخارجية الأمريكية اليوم فهي انعكاس لمجموعة من الإهانات والهواجس الأيديولوجية لرجل واحد؛ فترامب يميل إلى الدول الصغيرة التي يمكنه ممارسة الضغط عليها، أو إلى الحلفاء الذين ينسجمون مع توجهاته الفكرية. في المقابل؛ لا يحب التعامل مع الديمقراطيات الكبرى بما تحمله من تعقيدات داخلية واعتداد قومي. ولهذا نجد أن أمريكا في عهده تقرّبت من مجموعة غريبة من الحكام السلطويين حول العالم، بينما توترت علاقاتها مع ديمقراطيات كبرى مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا والمكسيك وكندا ومعظم دول أوروبا؛ فهل في ذلك منطق؟

خلال أحداث الأسبوع الفائت ظهر ترامب غاضبًا على وسائل التواصل الاجتماعي مدعيًا أن الصين وروسيا وكوريا الشمالية تتآمر ضد الولايات المتحدة. لكن بالنظر إلى نتائج سياساته قد يكون من الأدق التساؤل عمّا إذا كان الرئيس نفسه هو من يقوّض المصالح والقيم الأمريكية في الأشهر الماضية.

فريد زكريا كاتب عمود مختص في الشؤون الخارجية بصحيفة واشنطن بوست، ومقدم برنامج (جي. بي. إس) على شبكة «سي إن إن» الأمريكيّة.