الدول العربية ودعم الكيان الإسرائيلي

28 أبريل 2024
28 أبريل 2024

شخصيًّا لا أعرف ما هو المبرّر الذي يجعل بعض الدول العربية تعمل جاهدة لحماية الكيان الصهيوني، في وقت يعمل فيه هذا الكيان ليل نهار على إبادة أهل غزة؟ ومن ذلك - مثلا - أن تتصدى هذه الدول للمُسيَّرات والصواريخ الإيرانية المتجهة للكيان، وأن تدمّر الأخرى الأنفاق التي تساعد أهل غزة، وأن تقف تمول الأخرى كل احتياجات «إسرائيل»؟

حمايةُ هذه الأنظمة للكيان قد تمرّ الآن مرورًا عابرًا، ولكن هل يعني ذلك أنّ شعوب تلك الدول راضية، وأنّ المسألة لن يكون لها تداعيات أخرى مستقبلا؟ للإجابة على تلك الأسئلة، يلتقط الخيط جاك خوري محرر الشؤون العربية في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، عندما توقّع عبر صحيفته يوم 18 أبريل 2024، أن تواجه دولٌ عربيةٌ «اصطفت إلى جانب إسرائيل في حربها على غزة، وكذلك خلال الهجوم الإيراني الأخير، صعوبةً في تبرير تحالفها غير المسبوق مع تل أبيب لشعوبها؛ فهذه الدول اختارت جانب التحالف الأميركي الإسرائيلي على حساب الوقوف مع الجانب الفلسطيني، ووضعت نفسها في حالة تأهب قصوى، وأغلقت مجالها الجوي قبل الهجوم الإيراني، وهو أمرٌ لم يحدث حتى في حرب الخليج الأولى»، ويواصل خوري تساؤلاته بأن يقول إنّ تلك الدول لم تكتف بذلك، فقدّمت بعضُها معلومات استخباراتية، في حين اتخذ البعض الآخر تدابير سرية، «رغم أنهم كانوا يدركون أنّ مصالحهم لم تكن تواجه تهديدًا مباشرًا، وبأنّ هدف الهجوم كان إسرائيل فقط».

المؤسف أنّ حماية الكيان من قبل بعض الدول العربية، جاء في وقت تشهد فيه غزة إبادةً جماعيةً من قبل هذا الكيان، وهذا جعل من الصعب أن تستوعب الشعوب العربية ذلك الاصطفاف مع «إسرائيل»، حيث حدث لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي أن تقف الدول العربية (علنًا) مع إسرائيل جنبًا إلى جنب ضد «عدو مشترك» هو إيران. ولا أعتقد أنّ جاك خوري كان موفَّقًا في مقاله ذلك، بزعمه أنّ الزعماء العرب الذين لم يصرحوا علانية بتعاونهم مع واشنطن، وبالتالي بشكل غير مباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، «يرون أنّ الهدف من ذلك التعاون كان الحيلولة دون نشوب حرب شاملة، بما تنطوي عليه من عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها»، فيكف لدول تعمل على حماية إسرائيل - مما يعني أنها تؤيّد الإبادة في غزة - أن تخشى توسع الحرب إلى المنطقة؟ هذا تبريرٌ ليس منطقيًّا ولا يستند إلى واقع، لأنّ في مشاركتها في التصدي للمُسيَّرات الإيرانية، قد دخلت طرفًا في الحرب؛ فحسب هآرتس «فإنّ الحرب التي يمكن أن تندلع ستكون أخطر بكثير من أيّ حرب شهدتها المنطقة في الماضي»، ومثل هذه النغمة هي التي فرملت كلّ مقاومة ضد الكيان، وجعلت بعض الدول العربية تقف ضد محور المقاومة، رغم أنّ حماس أظهرت للعالم هشاشة عظام الكيان الصهيوني.

ولكن هل الاصطفاف مع الكيان الصهيوني ضد حماس شيء جديد؟! لا ليس جديدًا؛ فقبل عشر سنوات من الآن، أي في الأول من أغسطس 2014، ناقشت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية مواقف دول عربية إزاء الحرب في غزة في تلك الفترة، تحت عنوان «قادة عرب يلزمون الصمت لأنهم يعتبرون حماس أسوأ من إسرائيل»، وكتب ديفيد كيرباتريك في تحليله للصحيفة، أنّ «بُغض قادة عرب للتيار الإسلامي يفوق حساسيتهم تجاه إسرائيل»، لذا - كما يقول الكاتب - «اصطفت بعض الدول العربية فعليًّا مع إسرائيل في حربها ضد حماس، وهذا بدوره، أسهم في فشل وصول الفرقاء إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حتى بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من إراقة الدماء». (والآن دخلت الحرب شهرها السابع)

كان المتوقع بعد ما عُرف بـ«الربيع العربي» عام 2011، أن تكون هذه الحكومات - تحت ضغوط شعوبها - أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين وأكثر عداءً للكيان الإسرائيلي، إلا أنّ كيرباتريك يقول «إنّ الأمر كان عكس ذلك تمامًا»، وهذه حقيقة؛ فالأنظمة العربية اعتمدت القبضة الحديدية، وفي اعتقادها أنّ ذلك سيفيدها، وهي نظرةٌ خاطئةٌ بكلِّ المقاييس؛ كما أنّ الاعتماد على أمريكا لن يفيدها في شيء؛ فالتاريخ يشهد كيف تخلت أمريكا عن عملائها، عندما تعلق الأمر بمصالحها، وهذا يعيدني إلى ما ذكرتُه غير مرة من أنّ الشرعية تُستمدّ من الداخل وليس من الخارج، وأنّ الوقوف مع الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني هو استفزاز للشعوب العربية، وإن كانت بسبب التشديد والقبضة الأمنية لا تستطيع هذه الشعوب أن تعبِّر عن ذلك الآن، فليس معنى هذا أنّ الأمر سيدوم إلى الأبد، وعندما تتحرك، فإنّ تحرَّكها لن يكون مثل تحرّك «الربيع العربي»، وإنما سيكون له تداعيات كثيرة، وسيُسقط ما تزعمه الدول المُطبّعة من أنّ التطبيع سيمكن الدول العربية من نفوذ ما، يمكنها من خلاله دعم الفلسطينيين والحدّ من العدوان الإسرائيلي عليهم، وهي النغمة السائدة لدغدغة العواطف العربية، ولكن ما لا تعلمه هذه الأنظمة أو أنها تعلمه لكنها تتجاهله، أنّ الشعوب العربية هي شعوب واعية، ولا تنطلي عليها الأكاذيب، رغم انشغالها بلقمة العيش التي أصبحت صعبة المنال، وساعتها لن تفيدها إسرائيل ولا أمريكا في شيء. إنّ الوقوف والاصطفاف مع الكيان الصهيوني ضد حركتي حماس والجهاد وضد إيران يشكّل خنجرًا مغروزًا في خاصرة القضية الفلسطينية وضد عدالة القضية، وفي النهاية هو تفريط دنيء في القضية الفلسطينية، وللمسجد الأقصى والأمة برمتها.