الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء وأمل الإصلاح لا القطيعة

31 مارس 2024
31 مارس 2024

في الأربعاء الماضي فازت قائمة «تواصل» بمعدل 111 صوتًا، مقابل 94 صوتًا لقائمة «تجديد»، وهذا يدلّ على تنافس واضح في الأصوات، وأنّ الصّندوق في النّهاية كانت له كلمته حول هذه التّجاذبات، وإن لم يُتبع بتفاعل إيجابي في وسائل التّواصل الاجتماعيّ بشكل عام، وفي أحيان هناك من السّلبيّة الّتي طالب بعضهم فيها بمقاطعة الجمعيّة، ولو بشكل فرديّ.

وفي نظريّ المقاطعة ليست حلّا، ولا تشكل إصلاحا ثقافيّا، لا في الجمعيّة ولا غيرها من المناشط الاجتماعيّة، قد تشكل ضغطًا، إلّا أنّ اللّجنة الحاليّة لم تخرج عن الإطار القانونيّ الموجود حاليا، وإن كان ثمة إصلاح فيبدأ من إصلاح القانون ذاته، وآلية التّعامل معه لا في القطيعة؛ لأنّ الجمعيّة كغيرها من المناشط الثّقافيّة ليست مبادرات فرديّة، ولا يملكها أشخاص معيّنون، فهي جمعيّة عموميّة مدنيّة، لابدّ أن تحافظ على خطّها الاستقلاليّ في الوقت ذاته، ولأنّ الأشخاص مهما مكثوا سيذهبون يوما ما، وتبقى الجمعيّة، ثمّ أنّ التّفاعل الإيجابي يقود إلى الإصلاح إذا صحبه نفس طويل، ورغبة في التّغيير، عكس التّذمر والنّقد السّلبيّ دون عمل أو مساهمة في التّغيير والتّفاعل الإيجابيّ.

ثمّ أيّ إدارة لها رؤيتها من جهة، ولها إيجابياتها وسلبيّاتها من جهة أخرى، فلا ينكر الأول، ولا يغلّب الثّاني ويعمّم، على أنّ النّقد الذّاتي من داخل المجتمع الثّقافيّ حالة صحيّة جدّا، وهنا يحتاج إلى تضييق الهوّة، وتعميق التّقارب بين الإدارة والمجتمع الثّقافيّ، أيّا كانت صورتهم الثّقافيّة، فهناك في الفترة الأخيرة شيء من العزلة، فمع حسنات الإدارة السّابقة في الجانب التّشجيعيّ وإبراز الكاتب والأديب العمانيّ، من حيث طباعة الكتاب، ودعم الكاتب، وتفعيل ذلك محليّا وخليجيّا وعربيّا، ليكون القلم العمانيّ حاضرا داخلا وخارجا، وقد انفتحت الجمعيّة على الجميع، دون تفريق بين أحد، بطريقة فيها قدر كبير من العدل والإنصاف، بيد أن هناك أيضا ضعفا في الجانب المناشطيّ، وخصوصا في مركز الجمعيّة ذاتها وهذا يحتاج إلى القرب من المثقف، والتّفاعل معه، كما يحتاج من المثقف ذاته أن يتقارب ويتفاعل عمليًّا أيضًا؛ لأنّ هذا في مصلحة المشهد الثّقافيّ العمانيّ عمومًا.

لقد تأسّست الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء في فترة لم تكن هناك مبادرات ثقافيّة، ولا مجالس (صوالين) فرديّة معنيّة بالأدب والثّقافة، وإن وجدت فهي قليلة، فكانت بيتا مستقلّا وجد فيه المثقف والأديب العمانيّ ضالّته، فأحدثت حراكا فكريّا وأدبيّا، وفي فترة قياسيّة لا تتجاوز العقدين من الزّمن، أقامت العديد من المحاضرات والنّدوات والورشات النّوعيّة، وخلقت وعيا ثقافيّا وفكريّا، وأصدرت أكثر من ثلاثمائة كتاب عمانيّ في جوانب متعدّدة، كما أقامت العديد من الجوائز التّشجيعيّة للقلم والإبداع العمانيّ.

إلّا أنّها اليوم تعاني كغيرها من المناشط الثّقافيّة، رسميّة كانت أم أهليّة من تعدّد ومزاحمة مبادرات أخرى لها، فاليوم عندنا في عمان عشرات المبادرات الثّقافيّة والأدبيّة، وهناك العديد من صنّاع المحتوى بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق «بودكاست» أو القنوات اليوتيوبيّة أو الصّحف الإلكترونية أو المواقع ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، وأصبحت تزاحم المراكز الثّقافيّة، ولجمود المناشط السّابقة على صورة واحدة؛ جعلتها أقرب إلى المراكز التّقليديّة، ممّا يضعها اليوم في تحديات متشابكة، يجعلها تعيش مراجعات من داخلها، أمام الانفتاح على هذه الوسائل من جهة، واستيعاب هذه المبادرات والتّعاون معها من جهة ثانية، وأمام الانتقال من الجانب التّقليديّ إلى الجانب الإبداعيّ، ومن عنصر الكم إلى عنصر الرّيادة، وهذا يحتاج إلى دماء جديدة تستفيد منها المراكز الثّقافيّة، ومنها الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء، ولا تحصر ذاتها عند التّقليد المتبع.

والمتأمل في الانتخابات الأخيرة يلحظ بشكل واضح غياب حضور الجيل الجديد، وهذا يحتاج إلى شيء من المراجعة في أسباب عزوف هذا الجيل عن المشاركة في حدث كهذا، فهل أصبح هذا الجيل غير مقتنع بجدوى هذه المراكز بصورة واضحة، أو هناك فجوة وتهميش لتفعيل الشّراكة مع هذا الجيل تفعيلا إيجابيا؛ لأنّ الحال إذا استمر على صورته الحاليّة، سوف تشيخ الجمعيّة كما شاخت بعض المؤسّسات والجمعيّات في الوطن العربيّ، وهذا يعني وجود فجوة زمنيّة لها تأثيراتها السّلبيّة في الوضع الثّقافيّ؛ لأنّ العمليّة الثّقافيّة عمليّة تفاعليّة، إن توقفت عند نقطة زمنيّة ما، أصبحت تعيش الماضي والتّراث، بينما العقل المعرفيّ والثّقافيّ يتجاوزها بأطروحاته وتفاعلاته ووسائله.

كذلك «في نظري» قضيّة التّفويض في الانتخابات العموميّة حالة غير صحيّة، فأنا أمثل صوتي فقط، ولي الحريّة المطلقة فيه، ولا ينبغي لأحد معرفته، فهذه قناعات ذاتيّة مبنيّة على الاستقلاليّة الثّقافيّة، وينبغي أن يكون العمل الثّقافيّ قدوة للعمل الدّيمقراطيّ النّزيه، فهو المفكّك والمحارب للفساد في العمليّات الانتخابيّة الأخرى، فكيف يكون صورة للاعوجاج الانتخابيّ، والّذي يصاحبه عدم النّزاهة في ذلك، وللقوائم حقّها في إبداء رؤيتها عرضا أو مناظرة، لكن ليس من حقّها شبه شراء الأصوات عن طريق التّفويض، والمفوّض كمنتخب ليس من حقّ أحد معرفة من ينتخب، ولا أحد له الحقّ أن يمثل صوته، أو يكون وكيلا عنه.

وفي نظري يمكن معالجة المحافظات والولايات البعيدة عن مسقط، عن طريق التّصويت الإلكتروني، أو عن طريق صناديق خاصّة تمثل هذه المناطق، مصحوبة بقانونيين ومتابعين خشية التّلاعب فيها، ويبقى الانتخاب الأكبر في مبنى الجمعيّة بالعاصمة، بحيث كما أسلفت لا يحمل شخص ما إلّا صوتا واحدا فقط، هو صوته بذاته، بحريّة وقناعة كاملة منه، ومع هذا ينبغي أن نفكر جميعا في المستقبل، فمهما اختلفنا إجرائيّا فلا يعني هذا أن نتشتت ثقافيّا من حيث الغاية لا التّعدّديّة الثّقافيّة الطّبيعيّة والصّحيّة، فالجمعيّة وغيرها من المناشط والمراكز الثّقافيّة بيوتنا جميعا، وهي لعمان ولأجل عمان، بقاؤها وإصلاحها وتفعيلها يعود نفعه إلينا جميعا، وللأجيال القادمة.

بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»