البنوك واختبارات التحمل

05 يوليو 2023
05 يوليو 2023

قاد انهيار بنك «سيليكون فالي» الأمريكي في ربيع هذا العام إلى تبادل الاتهامات حول (جدوى) اختبارات التحمل. وهي نماذج يطبقها بنك الاحتياط الفدرالي للتحقق من أن البنوك لديها ما يكفي من رأس المال والسيولة لتحمُّل الصدمات التي يمكن أن تواجهها كالانكماش الاقتصادي على سبيل المثال.

مثل هذه الاختبارات (يطلق عليها البعض أيضا اختبارات الإجهاد أو الضغط المالي - المترجم) صارت إجبارية للبنوك بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008. لكنها مثلها مثل أي نموذج آخر جيدة فقط بقدر جودة مدخلاتها.

لقد فشلت مع بنك سيليكون فالي، فكما أشار باتريك هونوهان المحافظ السابق للبنك المركزي الآيرلندي «لم يفحص أي من هذه الاختبارات أثر ارتفاع أسعار الفائدة» على رأسمال وسيولة البنوك، وهو العامل الذي قضى في آخر الأمر على بنك سيليكون فالي.

ما هو أسوأ من ذلك أن إطار بازل التنظيمي يطالب البنوك فقط بحماية نفسها في سيناريو تفقد فيه ودائع بنسبة 10% أو أقل بقدر كبير في اليوم. وسبب ذلك أن هذه النسبة هي التي ظلت سائدة تاريخيا في أوقات الذعر المصرفي (عندما يتدافع المودعون لسحب ودائعهم).

لكن في حالة بنك سيليكون فالي أمكن للمودعين بفضل رقمنة المعاملات المصرفية سحب ما يقرب من ربع أصول البنك خلال ساعات قليلة فقط، وكان من المقرر سحب نصف آخر من هذه الأصول قبل أن يقرر بنك الاحتياط الفدرالي وقف عملياته وإغلاقه. فالماضي كما يفترض أن يعلم أي مستشار مالي جديد ليس دائما مرشدا جيدا للمستقبل.

إذن هل هنالك أي حل للعيوب التي كشفت عنها اختبارات التحمل؟ ربما، إذا استخدمت المؤسسات المعنية ما يُدعى «اختبارات التحمل العكسية».

في الشهر الماضي اشترك مايكل بار نائب محافظ بنك الاحتياط الفدرالي والمسؤول عن الرقابة مع جون ويليامز رئيس بنك الاحتياط بولاية نيويورك في حوار حول إدارة المخاطر تولَّيتُ أنا إدارته، وأثناء الحوار اقترح بار أن عكس نموذج اختبار التحمل ربما يكون أحد أدوات تحسين الرقابة على البنوك.

يقول «بدلا من أن نفكر في سيناريو تحمُّل ثم نرى كيف يضغط على البنوك مثلا من خلال الميزانية العمومية ننظر إلى أحد البنوك ونقول حسنا ما الذي يجب أن يحدث لكي يتفكك هذا البنك حقا؟»

يمكنك، إذا أردت، اعتبار هذا شبيها بقرصنة «القبعة البيضاء» في عالم الأمن السيبراني. فبدلا من رصد نقاط قوة البنك تطرح اختبارات التحمل العكسية، كما يقول بار، السؤال التالي: ماهي مختلف الطرق التي يمكن أن ينهار بها البنك؟ المسألة برُمَّتها هنا تتعلق بالتعرف على «كعب أخيل».

الكيفية التي يمكن لبنك الاحتياط الفدرالي أو البنوك التجارية أن تتبنى بها بالفعل هذه الطريقة المبتكرة في المستقبل ليست واضحة، فالنقاش حولها بحسب مايكل بار لا يزال في مرحلة مبكرة جدا. لكن إذا نجحت يمكن أن تكون شيئا جيدا.

في الواقع أنا أعتبرها واحدة من أذكى الأفكار التي ظهرت في عالم التمويل منذ فترة طويلة. السبب في ذلك يعود جزئيا إلى أن اختبارات التحمل العكسية ستجبر مؤسسات التمويل على أن تصبح أكثر قدرة على تخيل ما يمكن أن يحدث في المستقبل. وهذا مهم جدا بالنظر إلى أن الأسواق تتعرض الآن إلى صدمات لم تحدث منذ عدة عقود (هذا إذا حدثت أصلا) وسواء كانت هذه الصدمات تضخما مرتفعا أو سياسة حمائية أو حربا أو رقمنة متسارعة.

الميزة الكبيرة الأخرى لاختبار التحمل العكسي أنها عملية يمكن أيضا أن تجبر الممولين على التفكير في المسائل النوعية إلى جانب المسائل الكمية عند تقييم المخاطر.

هذا شيء يبدو من الواضح تماما وجوب القيام به. لكن قبل عام 2008 كان هنالك تبجيل للنماذج (ولمفهوم الفاعلين الاقتصاديين الرُّشَداء) بحيث ساد مَيلٌ لتجاهل المقاييس الناعمة مثل الثقافة.

لحسن الحظ بدأت مقاربة بنك الاحتياط الفدرالي في التحول بعد عام 2008 ليس أقله لأن الأزمة المالية العالمية كشفت «خلل» استخدام مقاربة تفرط في الارتكاز على النموذج كما ذكر آلان جرينسبان الرئيس السابق للبنك.

وفي السنوات الأخيرة عقد بنك الاحتياط بولاية نيويورك تحت قيادة ويليامز سلسلة واسعة من الحلقات الدراسية حول الثقافة المصرفية في مسعى لاقتباس دروس مفيدة من علماء الاجتماع والقطاعات غير المالية وبلدان مثل بريطانيا ونيذرلاندز (التي يمكن القول إنها حققت المزيد من التقدم في استخدام المعايير الثقافية).

لذلك الحلقة الدراسية التي تحدث فيها كل من بار وويليامز الشهر الماضي شارك فيها أيضا أحد كبار الأطباء والذي أوضح للممولين أيضا أن عالم الطب يحاول إحلال ثقافة «إلقاء اللوم» التقليدية التي تستجيب لوقوع الكوارث بمعاقبة أفراد، والتركيز بدلا من ذلك على تحليل إخفاق المنظومة بأكملها.

ثم شرح مسؤول تنفيذي في مجال الطاقة النووية الكيفية التي يبدأ بها مديرو المحطات النووية عملهم اليومي بتدقيق أخطاء اليوم السابق لمنع حدوث انحراف أو «تدهور» خفي في معايير إدارة المخاطر. هذان مجرد مثالين لممارسات يمكن لمسؤولي المصارف الاقتداء بها.

لكن بصرف النظر عن هذا السعي لتوظيف العلوم الاجتماعية لا يزال هنالك الكثير جدا الذي يمكن لبنك الاحتياط الفدرالي أو البنوك عمله فيما يتعلق بالمقاييس الكيفية. فقط فكروا مرة أخرى في الثقافة الداخلية لبنك سيلكون فالي. فالمشرفون كما يبدو لم يلاحظوا مبكرا كيف أن الثقافة الداخلية للبنك التي قلَّدت سلوك شركات التقنية في وادي السيلكون شجعت على الإفراط في التفاؤل والهوس بالنمو.

كما لم يُبدِ مسؤولو بنك الاحتياط الفدرالي اهتماما كافيا بمشكلة ثقافتهم الداخلية هم أنفسهم، فالأنظمة البيروقراطية للبنك المركزي الأمريكي كما ذكر لي بار أثناء الحلقة الدراسية «جعلت من الصعب على البنك التصرف بسرعة فيما يتعلق بعمله الرقابي». وبصريح العبارة كانت ثقافته محافظة جدا.

هل يمكن إصلاح هذا؟ إنه ليس أمرا يسيرا، لكن إخضاع البنوك لاختبارات تحمل عكسية يمكن بالتأكيد أن يساعد على الإصلاح. وربما أيضا اتخاذ خطوة أخرى تتمثل في إجراء نفس الاختبار لبنك الاحتياط الفدرالي نفسه، وفي أيٍّ من الحالين دعونا نأمل في أن يكون انهيار بنك سيليكون فالي قد منح الآن بار والآخرين رأس المال السياسي الذي يحتاجونه لابتكار الحلول.

إذا كان ذلك، قد يتبيَّن أن الأحداث الدرامية التي شهدها هذا الربيع تحذيرٌ مفيد من أخطار الجمود والاكتفاء بالإدارة البيروقراطية للبنوك.

جيليان تيت محررة وكاتبة رأي في الفاينانشال تايمز

ترجمة خاصة لـ عمان