البنوك الأمريكية تواجه مخاطر ائتمان وشيكة

27 مارس 2023
27 مارس 2023

حين واجه جيروم باول رئيس بنك الاحتياط الفدرالي وسائل الإعلام يوم الأربعاء (22 مارس) بعد رفع سعر الفائدة بـ 25 نقطة أساس (ربع نقطة مئوية) حاول أن يرسم صورة إيجابية عن البنوك في بلاده.

وقال باول: «نظامنا المصرفي سليم ومرن ولديه رأسمال قوي وسيولة متينة». ووعد بأن بنك الاحتياط سيفعل كل شيء مع وزارة الخزانة والمؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع للقضاء على الذعر الذي أثاره انهيار بنك سيليكون فالي.

ربما ذلك كذلك. لقد أمَدَّ بنك الاحتياط الفدرالي البنوك بقدر مدهش من السيولة بلغ 152 بليون دولار في الأسبوع الماضي. لكن ذلك لم يغير من موقف المستثمرين. فبعد فترة قصيرة من حديث باول تراجعت أسهم البنوك وخصوصا في مجموعاتها الأضعف مثل بنك فيرست ريبيبلِك.

قد يكون من المغري أن نعزِي الأزمة إلى رفع سعر الفائدة من جانب البنك المركزي الأمريكي. لكن ذلك جزء صغير فقط من الحكاية.

القضية الأكبر هي أن البنوك المتوسطة والصغيرة الحجم في أمريكا تواجه ثلاث مشاكل مترابطة هي هروب الودائع وتآكل نموذج عملها المصرفي ونقص الائتمان.

لنأخذ مشكلة الودائع أولا. برزت هذه القضية لأن التفويض الممنوح للمؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع يقتصر فقط على حماية الودائع التي لا تزيد عن 250 ألف دولار في حالة انهيار أحد البنوك إلا إذا كان هنالك سبب مهم لذلك الانهيار يتعلق بسلامة «النظام المالي بأكمله» ويبرر التوسع في التغطية التأمينية لما يزيد عن ذلك المبلغ.

قبل انهيار بنك سيكون فالي بدا أن «النظام المالي» كان يعني البنوك الكبيرة. لذلك عندما ترنَّح مصرفا سيليكون فالي وسيجناتشر نقل أصحاب الودائع أموالهم إلى البنوك العملاقة «التي هي أكبر من أن تُترك لكي تنهار».

على كل حال حينها فسَّرت المؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع هذا التفويض بمهارة على هذا النحو، وقررت حماية كل الودائع في البنكين بافتراض أن ذلك يعود لمخاطر انتقال العدوي إلى «النظام المالي».

وكما ذكر باول يوم الأربعاء: «فقد أوضح التاريخ أن المشاكل المصرفية المعزولة إذا تركت دون علاج يمكنها تقويض الثقة في البنوك المعافاة وتهديد قدرة النظام المالي في مجموعه».

لكن جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية كشفت أيضا يوم الأربعاء أن وزارة الخزانة والمؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع لا تخططان لتقديم ضمانات تغطي كل المودعين مقدَّما بدون دعم الكونجرس. فالغموض لا يزال سائدا. وهذا بالتأكيد تقريبا سيقود إلى خروج المزيد من الودائع من البنوك الصغيرة.

القضية الثانية هي نماذج عمل المصارف. فخلال العقد المنصرم تمتعت البنوك بتمويل رخيص لأن عملاءها وضعوا أموالهم في حسابات مصرفية منخفضة العائد بسبب عدم وجود بدائل أفضل. وحققت البنوك أرباحا من خلال تقديم قروض بأسعار فائدة أعلى قليلا وشراء أصول طويلة الأجل مثل سندات الخزانة الأمريكية.

لكن سلوك العملاء يتغير. فليس هنالك فقط هروب من البنوك الصغيرة إلى البنوك الكبيرة ولكن الودائع في مجموعها تنتقل إلى صناديق سوق المال. (بحسب موسوعة انفستوبيديا هي صناديق مشتركة تستثمر حصريا في النقود والأوراق المكافئة للنقود أو أدوات السوق النقدية وهي استثمارات قصيرة الأجل ومرتفعة السيولة وتتمتع بدرجة عالية من التصنيف الائتماني - المترجم).

فقدان التمويل الرخيص يؤذي البنوك. فهي لا تزال لديها قروض أقرضتها بأسعار فائدة منخفضة. وما هو أسوأ من ذلك أن التغيرات في أسعار الفائدة أوجدت خسائر غير متحققة في محافظ الأوراق المالية للبنوك (غير مسجلة في بياناتها المالية) تبلغ في مجموعها 629 بليون دولار في القطاع المصرفي بأكمله بنهاية عام 2022، وفقا للمؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع.

لحسن الحظ ليس من الضروري في العادة تسجيل هذه الخسائر إلا إذا انهار البنك. وانهيار البنوك الأخرى أقل احتمالا من انهيار سيليكون فالي لأن ودائعها غير المؤمَّنة أقل من ودائعه. لكن حتى إذا أمكن تجنب وقوع أحداث مثيرة من شاكلة ما حدث لبنك سيليكون فالي فإن نموذج العمل هذا «يوجد بنوكا لاهي حية ولا هي ميتة وتظل هكذا لأمد مديد»، بحسب صندوق التحوط بريدجووتر. (تقصد الكاتبة أن نموذج العمل المصرفي هذا يوجد بنوكا لا تحقق أرباحا كافية لتغطية نفقاتها ولا تستقل ماليا عن الحكومة والمؤسسات المالية الأخرى وتظل في هذه الحال لفترة طويلة - المترجم).

ويضيف الصندوق: إن «واضعي السياسات يمكنهم وقف تدافع المودعين لسحب أموالهم من بنك ما. لكن ما لم يخفض بنك الاحتياط الفدرالي أسعار الفائدة لا يمكنهم وقف إعادة التسعير في تكلفة تمويل البنوك».

هذا يقود إلى القضية الثالثة وهي نقص الائتمان. فمع ارتفاع تكاليف التمويل ستقلل البنوك القروض. وبمعنى ما، هذا ما يريده مسؤولو بنك الاحتياط؛ نظرا إلى أن البطء في إيجاد النقود الائتمانية سيكبح التضخم.

لكن المشكلة هي أن من الصعب جدا التنبؤ بأثر نقص الائتمان؛ نظرا إلى قدرته على إيجاد دوامة انكماش وعجز عن السداد تعزز نفسها بنفسها. لذلك في حين أن الأزمة في البنوك الأمريكية أشعلتها في البداية مخاطر سعر الفائدة (والسيولة) إلا أنها الآن يمكن أن تتحور ببطء إلى مخاطر ائتمان أيضا.

سوق إقراض العقارات التجارية الذي يبلغ إجمالي قروضه 5.6 تريليون دولار يوضح هذه المشكلة. ففي الوقت الحالي 70% من هذه القروض تأتي من مصارف صغيرة إلى متوسطة الحجم.

يقول بنك مورجان ستانلي: إن جملة الأموال التي أقرضتها البنوك الصغيرة أو استثمرتها في قطاع العقارات التجارية «زادت بوتيرة متسارعة خلال الأعوام العشرة الماضية». وحتى قبل تحرك دورة ارتفاع سعر الفائدة كانت قيمة الأصول في هذا القطاع قد بدأت تتعرض لضغوط لأن ازدياد التسوق عبر الإنترنت والعمل عن بُعد (من البيت) ألحقا ضررا بمساحات المكاتب ومتاجر التجزئة.

لكن مع ارتفاع أسعار الفائدة «أصبح فجأة من الصعب جدا تدوير هذه الأصول»، كما يقول ريك ريدر كبير مسؤولي الاستثمار بشركة بلاك روك. وبما أن من المقرر إعادة تمويل قروض بقيمة 2.5 تريليون دولار في السنوات الخمس القادمة ستنشأ عن ذلك في نهاية المطاف متاعب للمقترضين والبنوك. الشيء الجيد أن مشاكل قطاع العقارات التجارية لا تبدو في خطورة قضايا الرهونات العقارية في عام 2008. كما يوجد الكثير من رؤوس الأموال في النظام المصرفي الأمريكي التي تكفي لامتصاص مثل هذه الخسائر الائتمانية. إلى ذلك إذا قادت المشاكل في البنوك الصغيرة إلى توحيد كياناتها سواء بالاندماجات أو الاستحواذات فسيكون هذا شيئا مرحبا به. في الماضي كان الساسة الأمريكان يفخرون بكثرة البنوك في بلدهم التي يبلغ عددها الآن 4 آلاف مصرف. ويعتبرون ذلك علامة على التنافس واتساع خيارات المستهلكين. في الواقع لن يفيد البلد كثيرا وجود بنوك لا تحقق ربحا وتعتمد على الحكومة أو المؤسسات المالية الأخرى. لكن ما هو سيئ أن هذا الثالوث من المشاكل يعني أن أي أحد يأمل في حل سريع لمتاعب البنوك سيُحبط.

إذا وسَّعت المؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع من نطاق التأمين سيقلل ذلك من الذعر. وسيخفف ارتفاع أسعار الفائدة من الضغط على الشركات. لكن الفوضى الحالية ناتجة عن عَقد من أخطاء السياسات. ولن يتم إنهاؤها في 10 أيام أو 10 أشهر خصوصا إذا انتقل الفصل التالي في هذه الدراما من مخاطر سعر الفائدة إلى متاعب الائتمان.

جيليان تيت محررة وكاتبة رأي في الفاينانشال تايمز.

الترجمة خاصة لـ «عمان»