الانزلاق التدريجي نحو حرب إقليمية !!

16 أكتوبر 2023
16 أكتوبر 2023

يلتقي الجميع تقريبا حول المخاطر الجمة للحروب أيا كان مداها، وأيا كانت أسبابها والأطراف المشاركة فيها ودوافعها الفردية والجماعية، كما أن الجميع يدرك أن الاستعداد الواسع للحرب والتخطيط الجاد للمخاطرة بخوضها وتحمل نتائجها طالما توفرت القدرة على ذلك هو من أهم تكتيكات العمل لتجنب الحرب في الواقع، بغض النظر عن طبيعة ومحتوى الدعايات المصاحبة والمناورات المرافقة لها، وذلك في إطار أن الحرب والتلويح بها هي من الممارسات المعروفة لمنع اندلاع الحرب على نطاق يود الجميع تجنبه، حتى لو بدت أنها هي الطريق الذي لا مناص منه لاستعادة ماء الوجه أو الحفاظ على بعضه بالجنوح إلى التصعيد والهمجية، وما يجري في غزة، خاصة منذ السابع من الشهر الجاري هو في الواقع تطبيق لذلك. وبغض النظر عن اعتراف رئاسة الأركان الإسرائيلية وكذلك الشين بيت بالتقصير والفشل في منع هجوم حماس برغم تلقي معلومات استخبارية بشأنه قبل حدوثه، إلا أن الاعتراف الإسرائيلي المعلن والمتكرر بالفشل في الأيام الأخيرة -والذي يمثل إقرارا واضحا بنجاح خطة حماس- هو في الواقع محاولة لاستباق التحقيقات في ملابسات ما جرى وتجنب تقرير «اجرانات» مرة أخرى من ناحية ومحاولة مفضوحة لتبرير الهمجية والتصعيد على الأرض ضد قطاع غزة، حتى وإن كانت الأجهزة الإسرائيلية هي المسؤولة من ناحية ثانية. وذلك أسلوب لا يغطيه حشد قوات الاحتياط الإسرائيلي الذين تم استدعاء 300 ألف منهم ولا تشكيل حكومة طوارئ إسرائيلية. وفي الوقت الذي تتسم فيه هذه الأيام بدرجة عالية من الخطر وتقاطع المصالح وخلط الأوراق، التي وصلت إلى حد وقاحة المطالب والمقترحات من الجانب الإسرائيلي وبعض مؤيديه، فإن مما له أهمية ودلالة أن الموقف في غزة وعلى مستوى المعركة يتسم بالتغير السريع وتجاوز صدمة مفاجأة هجوم حماس بشكل أو بآخر، وهو ما عبرت عنه التعديلات في صياغة المواقف التي تتبلور على نحو واضح، وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:

أولا: لعل السؤال الذي فرض نفسه على الكثيرين هو إلى أي مدى كان الخداع الاستراتيجي لحماس حقيقيا؟ صحيح أن حماس ذكرت أن خداعها الاستراتيجي لإسرائيل بدأ قبل عامين، ولكن الصحيح أيضا هو هل من المصادفة ألا تتوفر معلومات حول نوايا حماس واستعداداتها لدى أقوى أجهزة المخابرات في العالم، أم أن ذلك كان جزءا متفقا عليه بين أمريكا وإسرائيل ليس فقط لتضخيم حركة حماس وتبرير محاولة الإضرار بها إلى حد القسم بتدميرها من ناحية، وإظهار إسرائيل بمظهر الضحية لتمرير مخطط وخطوات قال نتانياهو عنها الأسبوع الماضي أن «الشرق الأوسط سيكون مختلفا بعدها» وذلك بتبني إسرائيل وأمريكا من ورائها لمطالب وسياسات جديدة في التعامل مع قطاع غزة الذي دفع شارون إلى الانسحاب منه عام 2005؟

وبغض النظر عن طرح مطالب في الأيام الماضية خلال جولة وزير الخارجية الأمريكية وزياراته المتكررة لبعض دولها، إلا أن مما له دلالة أنها بدت وكأنها اختبار نوايا أو جس نبض بالذات لمصر والفلسطينيين فيما يتصل بالمحاولة الوقحة حول الممر الآمن وحول المعابر وحول الترحيل القسري لمواطني شمال غزة نحو جنوبها ليكونوا على مقربة أكثر من معبر رفح وكخطوة يتم خلالها رصد ردود الفعل حول التهجير الجماعي القسري لنصف سكان غزة وهو ما فشلت حكومات إسرائيلية سابقة في تطبيقه بالنسبة لبعض الأفراد الفلسطينيين من قبل.

على أية حال فإن مصر وإسرائيل وواشنطن قد تبادلت مواقف متشددة ومشروطة بشأن معبر رفح ومرور المساعدات الإنسانية منه إلى قطاع غزة وكذلك مرور المدنيين منه إلى مصر وهو ما ستكون له تداعياته في المستقبل على العلاقات فيما بينهم وكذلك على مدى التعاون بين إسرائيل وواشنطن وبين مصر بالنسبة لإمكانيات الوساطة للتهدئة والبحث في مقترحات حل الصراع سواء وفق الاقتراح الصيني أو المقترحات العربية والدولية الأخرى. وإذا كانت إسرائيل بدت كضحية لغرورها وهمجيتها عندما استهانت بحماس وقللت من قدراتها العسكرية والتنظيمية ومن تأثير الضربة الأولى عليها ولكن هل يمكن إطفاء كل الأنوار بزعم الثقة في الذات وعدم الثقة في قدرات الخصم ؟؟

ثانيا: إنه في الوقت الذي أثبتت فيه قيادة حماس القدرة على إدارة المواجهات في غزة بنظرة جادة وقدرة على توفير احتياجات وإمكانيات المواجهة لفترة، نتمنى ألا تكون قصيرة، خاصة أن إسرائيل تسعى إلى تجريف شمال غزة وتحويل أوسع مساحات ممكنة إلى أراض محروقة يصعب حتى السير أو التنقل عبرها أو العيش فيها بسبب الهدم الكامل للبنية الأساسية والخدمات فيها، إلا أن الهمجية الإسرائيلية المقصودة والتي يحاول نتانياهو إلقاء مسؤوليتها على حكومة الطوارئ التي شكلها بمشاركة بعض رموز المعارضة تجعل الأوضاع في قطاع غزة تسير بسرعة نحو تدهور الأوضاع الصحية والإنسانية والاجتماعية حسب تصريحات الصليب الأحمر الدولي ومنظمات الإغاثة والصحة العالمية، خاصة أن إسرائيل تحدت العالم والقوانين والشرعية الدولي بفرضها إغلاقا مشددا على قطاع غزة وتشديد الغارات والقصف المدفعي البري والبحري لمختلف المواقع فيه بمبرر الهجوم الذي شنته حماس والعمل على تدمير قدراتها وإمكاناتها العسكرية والتعهد بحرمانها من القدرة على حكم غزة، بل والإعلان عن أن من يحكم غزة في المستقبل ينبغي أن يحظى بموافقة إسرائيل بكل ما يعنيه ذلك من عودة إلى أساليب الاستعمار والتفرقة العنصرية التي يدينها العالم وكل الشرائع والمواثيق والقرارات الدولية.

ثالثا: إنه في الوقت الذي تؤكد فيه إسرائيل على جهوزية جيشها للتعامل مع كل ظروف المواجهة والحرب على أكثر من جبهة رغم أن حماس أعطتها درسا لن تنساه أبدا، إلا أنه من الواضح أن إسرائيل التي أكدت في بعض التصريحات أنها لا تريد الانجرار إلى حرب على جبهتين وأرسلت تحذيرات واضحة للبنان وحزب الله عدلت في خططها العسكرية من أجل أن تستغرق وقتا أطول في الحرب ضد حماس وغزة من أجل إنزال مزيد من الخسائر بهما وذلك بالحديث عن مراحل متدرجة في الحرب ضد حماس والتأكيد على أنها ستقضي عليها.

وإذا كانت حكومة الطوارئ في إسرائيل ستحتاج إلى مدة أطول لتحقيق أهدافها ولا تمانع في استمرار الحرب لمدة غير قصيرة رغم كل جهود الوساطة المبذولة للتهدئة ووقف التصعيد وحماية المدنيين والإفراج عن المحتجزين من كلا الجانبين وهو ما دعا إليه الرئيس الفلسطيني نفسه في اتصاله الهاتفي مع الأمريكي، فإنه من الواضح أن إسرائيل تستند في تعمدها إطالة أمد قصف غزة وتجريف أوسع مساحة ممكنة منها والتهجير القسري لأكبر عدد من سكانها تعتمد على الدعم الأمريكي المطلق لها ولسياساتها العدوانية، وهو ما أكد عليه الرئيس بايدن وأركان حكومته، وليس أدل على ذلك من إعلان وزير الدفاع الأمريكي إرسال حاملة طائرات ثانية إلى شرق المتوسط لحماية إسرائيل ولردع حزب الله وإيران حتى لا يتدخلوا في الحرب في حالة استمرارها بشكل يضر بحماس والفلسطينيين وبشكل لا يمكن احتماله. ومن المعروف أن بريطانيا أعلنت أنها سترسل سفينتين حربيتين لدعم إسرائيل أيضا. ومن ثم تشعر إسرائيل بالقوة والحماية الأمريكية والغربية الزائدة ولذلك فإنها تعمل بالفعل من أجل توسيع نطاق الحرب واستغلال ذلك كفرصة لتنفيذ ما تريده، ليس فقط في قطاع غزة ولكن أيضا بالنسبة لسوريا وحزب الله وحتى إيران التي يتوق نتانياهو إلى الدخول في حرب معها بسبب برنامجها النووي.

وفي ظل الظروف الراهنة المواتية، تتهيأ الفرص للانجرار والتورط في حرب إقليمية، سواء عبر زيادة التنسيق الإيراني مع حماس واللقاء بين إسماعيل هنية قائد حماس وبين وزير خارجية إيران أو عبر التحذير الإيراني بالتدخل في الحرب إذا تم اجتياح غزة برا، وهو الموقف ذاته الذي أعلنه حزب الله اللبناني، وجاءت عمليات القصف المتقطعة بين إسرائيل وحزب الله وكذلك بين سوريا وإسرائيل لتشكل إطارا خطرا لإشعال حرب إقليمية مدمرة ستضر بالضرورة بالجميع، فهل تم الإعداد لذلك كله بعد هجوم حماس؟ المؤكد لا.. إنها مؤامرة تم إعدادها جيدا ويتم إدخال المنطقة فيها وسندفع ثمنها.