الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا والأمن القومي العربي

27 يوليو 2021
27 يوليو 2021

عوض بن سعيد باقوير -

شهد العقد الأخير اختراقا واسع النطاق من قبل الكيان الاسرائيلي للقارة الإفريقية وكان هذا في اطار التغلغل والاستراتيجية الاسرائيلية لمد جسور العلاقات مع هذا الحيز الجغرافي المهم من العالم الذي يرتبط تاريخيا وجغرافيا وحتى عاطفيا مع العالم العربي.

وقد كان الاختراق الإسرائيلي قد نشط في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لأسباب جوهرية هو قلة الاهتمام العربي بإفريقيا كما كان الحال في عقدي الخمسينيات والستينيات خاصة خلال المد القومي ومناصرة حركات التحرر التي قادها الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، كما أن حركة عدم الانحياز كان لها دور كبير في قطع الطريق على الكيان الصهيوني ومحاصرته. ومن هنا يمكن الآن تفسير هذا الاختراق الإسرائيلي الكبير للقارة الإفريقية من خلال قبوله عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي، وهو تطور سياسي خطير أولا على الأمن القومي الإفريقي والعربي، وثانيا يأتي هذا الاختراق في ظل التوسع في ظاهرة التطبيع بين الكيان الإسرائيلي وعدد من الدول العربية وهذا سوف يكون له انعكاس سلبي على قضية العرب المركزية وهي القضية الفلسطينية.

عضو مراقب

وجود الكيان الإسرائيلي عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي له أكثر من معنى حيث إن الاتحاد الإفريقي هو منظمة اقليمية تضم اكثر من خمسين دولة إفريقية من ضمنها دول عربية في شمال إفريقيا كما ان الحيز الجغرافي كبير علاوة على الموقع الجغرافي على المحيطات المفتوحة كالمحيط الاطلسي والبحار المفتوحة كالبحر المتوسط والبحر الاحمر علاوة على الممرات الحيوية في قناة السويس ومنطقة القرن الإفريقي. ولعل ازمة سد النهضة بين اثيوبيا من جانب ومصر والسودان من جانب آخر تعطي مؤشرا واضحا على دور الكيان الصهيوني في مسألة السدود والمياه خاصة لمصر والسودان التي تعد تدفق مياه النيل شريان الحياة لملايين من المصريين والسودانيين وعلى ضوء ذلك يبرز وجود خطورة الكيان الصهيوني في الاتحاد الإفريقي حتى لو كان بصفة مراقب.

كنا نتوقع موقفا للجامعة العربية والدول العربية الإفريقية لصد الكيان الصهيوني عن دخوله هذه المنظمة الإفريقية، لكن يبدو ان الاهمال العربي للقارة السمراء خلال اكثر من خمسة عقود كان له تأثير مباشر على الدول الإفريقية خاصة على صعيد المساندة الاقتصادية وإيجاد علاقات أوثق ووجود مجالس تنسيق، وهو الأمر الذي تنبهت له إسرائيل من خلال أذرعة أجهزتها الاستخبارية ومساعدتها الاقتصادية في الدول الإفريقية. ومن هنا كان من الطبيعي ان نشهد ذلك الاختراق الإسرائيلي للاتحاد الإفريقي ويمكن تفسير التعنت الإثيوبي في ملف سد النهضة.

الآثار الجيوسياسية

صحيح أن القارة الإفريقية تشهد خلال العقود الأخيرة انفتاحا على عدد من الدول كالصين على صعيد الاستثمار، وعدد من الدول الغربية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية في إطار العلاقات الدولية، ولكن علاقات إفريقيا مع الكيان الصهيوني لها مخاطر عدة أولا انعكاسها المتوسط والبعيد على الأمن القومي العربي على اعتبار أن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع وجودي حتى لو تحقق السلام الشكلي أو المؤقت كما البعد الجغرافي يعد واضحا من خلال وجود كتلة سياسية إفريقية تساند الكيان الصهيوني في المحافل الدولية كالأمم المتحدة.

وهنا الحديث عن المواقف المتعلقة بالقضية الفلسطينية كما أن وجود إسرائيل على مقربة جغرافية من الدول العربية في إفريقيا كما يحدث الآن خليجيا فإن ثمة تساؤلات جوهرية حول انعكاس ذلك على الشعور القومي ثقافيا وعلى الهوية الوطنية والعربية والاسلامية خاصة على صعيد اهداف الكيان الصهيوني الخبيثة.

صحيح ان الوضع العربي في أدنى مستوياته والعلاقات العربية العربية تشهد خلافات ومشكلات منهجيه في الرؤى والمشاريع الاستراتيجية ومع ذلك فإن قضية الامن القومي العربي تعد على درجة من الاهمية للأجيال بعد عقود، خاصة قضية الهوية وعلى ضوء ذلك تعمل الدوائر الصهيونية على مد الجسور والاختراق تجاه إفريقيا ، التي لديها مقدرات طبيعية كبيرة علاوة على الموقع السيواستراتيجي كما تمت الاشارة.

ان هذا التحليل لا يتحدث عن عقد أو عقدين ولكن أبعد من ذلك ويتم اعادة نكبة فلسطين التي بدأت قبل قرن ولا تزال المأساة متواصلة حيث شُرّد شعب بأكمله تحت انظار المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان الغربية التي تدعي النزاهة، وهي أبعد من ذلك كما ان الكيان الإسرائيلي له مخططات ديموغرافية من خلال توطين اليهود في الدول العربية والإفريقية وخلق حالة امر واقع ربما بعد نصف قرن. ومن هنا فإن على مراكز الدراسات العربية ان تتنبه الى هذه الاختراقات الإسرائيلية وخطورتها على الانسان العربي وحتى الإفريقي من خلال رؤية جديدة للعلاقات العربية الإفريقية وضرورة وضعها في المكان الصحيح.

مراجعة شاملة

العلاقات العربية الإفريقية تحتاج الى مراجعة شاملة وقد يكون الحوار الاستراتيجي بين الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي من اولويات العمل العربي صيانة للأمن القومي العربي والإفريقي وحماية لاجيال المستقبل وحتى لا يشهد العالم مأساة كبرى من خلال المخططات الصهيونية وعلى ضوء ذلك فان وجود الكيان الإسرائيلي في الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب هو تطور خطير ويحتاج الى نقاش حقيقي من الدول العربية التي ينبغي لها ان تراجع أوضاعها ومشكلاتها . والإيمان بأن هناك تحديات حقيقية تواجه الامن القومي العربي الذي نرى بعض ملامحه في قضية سد النهضة.

ومن هنا فان المشهد في القارة الإفريقية يحتاج الى مراجعة عميقة من خلال الحوار مع الأشقاء الأفارقة، الذين طالما تحدثوا عن الإهمال العربي للقارة منذ عقود واستغلت إسرائيل الفرصة للتغلغل لإفريقيا وفق منهجية حتى أصبحت عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي وخطورة ذلك على التلاحم العربي الإفريقي خاصة في القضية الفلسطينية التي يتآمر عليها الكثيرون مثل صفقة القرن التي استطاع الشعب الفلسطيني وصموده أن يفشلها.

إفريقيا تعد صمام الأمان للأمن القومي العربي ووجود الكيان الصهيوني في الاتحاد الإفريقي بصفة عضو مراقب هو اختراق استراتيجي له انعكاسات متعددة كما أن التطورات الدولية قد ساعدت إسرائيل على هذا الاختراق خاصة على صعيد عملية التطبيع مع عدد من الدول العربية حتى قبل تحقيق السلام الشامل والعادل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين من أراضي الشتات ومن هنا فإن التطور في القارة الإفريقية يعطي تساؤلات كبيرة أولًا عن مستقبل العلاقات العربية الإفريقية وثانيًا تأثير الاختراق الإسرائيلي على مستقبل القضية الفلسطينية علاوة على خطورة اقتراب الكيان الإسرائيلي من المياه العربية أولا والإفريقية ثانيا وخطورة ذلك الاختراق الذي يشكل خطرا داهما على مستقبل الأمة العربية وواجباتها.

* صحفي ومحلل سياسي