الإرهاب والقتل باسم الدين

28 مارس 2023
28 مارس 2023

بينما أتابع أخبار منتصف الليل (صبيحة يوم الاثنين 13/ 3/ 2023) على قناة العربية، هالني الخبر الذي سمعت، وهو أن حكومة طالبان في أفغانستان قد أعلنت أن من يعارض الحكومة يُعرِّض نفسه للقتل! هذا ما ذكره وزير التعليم العالي في هذه الحكومة تحذيرًا لكل من يعترض على قرارته، حيث أصدر مؤخرًا قرارًا حكوميًّا بمنع تعليم الفتيات! سمعت الخبر، ولم أصدق ما أسمعه، وكأنني أسمع عن أقوام يعيشون خارج التاريخ! ولكن الحقيقة أن هؤلاء يعيشون في عالمنا ويرتعون فيه، ويعلنون عن هويتهم للعالم باعتبارهم ممثلين للإسلام. ومما زاد من دهشتي أن يواكب ذلك إعلان عن اقتتال بين جماعة طالبان وجماعة من داعش توجد بأفغانستان، رغم أن كلتاهما جماعة سلفية جهادية أصولية، وكل هذا يحدث باسم الإسلام وتحت رايته. ولذلك، فإنه لا يحق لنا إذن أن نكره الغرب حينما يعادي الإسلام ويتخذ نزعة عنصرية إزاءه؛ لأن المواطن الغربي العادي لا يستقي معرفته عن الإسلام من خلال التقصي والبحث، وإنما من خلال ما يراه وما يسمع به في الواقع من خلال أجهزة إعلام غربية تدعمها جماعات صهيونية. والمفارقة هنا أن هذه الجماعات الصهيونية نفسها تدعم إسرائيل التي يسيطر على حكومتها الآن اليمين الديني المتطرف الذي يبيح القتل للمسلمين وللعرب عمومًا، ويرفع أتباعه شعارات بذلك في المظاهرات، بل يصرح أحد الوزراء في هذه الحكومة بضرورة إبادة أو محو قرية كاملة من قرى فلسطين، وهي قرية حوارة.

من أين ينبع العداء ضد المرأة باسم الدين؟ الواقع أننا لو تأملنا الأصوليات الدينية السلفية المتطرفة، سنجد أنها تتخذ دائمًا موقفًا ذكوريًّا يجرد المرأة من كثير من حقوقها الإنسانية الطبيعية، وتنظر إليها باعتبارها كائنًا بشريًّا منقوص الأهلية. ومن المدهش أن موقف الاتجاهات السلفية من المرأة لا أساس له في الإسلام، وإنما هو مستمد من الأصولية اليهودية المتطرفة التي تستند إلى نصوص حَرفية من التوراة نفسها. وبوجه عام يمكن القول: إن موقف الأصولية اليهودية هو موقف يحط من شأن المرأة، وينظر إليها باعتبارها كائنا نجسا، وباعتبارها الأصل الذي دخل منه الشر إلى العالم: فهي وريثة الذنب الأصلي لحواء عندما وسوس لها الثعبان بأن تأكل هي وآدم من الشجرة، فوسوست هي بذلك إلى آدم؛ فعصى بذلك ربه، فحكم عليه الرب أن يعيش وذريته في عناء وشقاء. ولذلك كانت للمرأة اليهودية في عالم القدماء والعصور التالية مكانة دنيا، فهي لا تحظى بالتعليم، ولا تحظى بالحرية في أساليب العيش، وليس لها الحق في الطلاق، وليس لها الحق في التملك إلا في حالات استثنائية للغاية.

***

غير أن العداء والتهديد بالإيذاء الذي يبلغ أحيانا حد التهديد بالقتل باسم الدين، هو ظاهرة لا تتبدى فحسب إزاء النساء، وإنما تمتد إلى كل شخص مختلف في الدين أو العقيدة أو حتى الطائفة داخل الديانة الواحدة! وينشأ هذا كله عن الأصوليات الدينية التي ترفض إعمال العقل في النص الديني بغرض فهمه وتأويله، ومن ثم ترفض الاختلاف في الرأي، ولا تعترف إلا بالإجماع؛ وبذلك أشاعت فقهًا دينيًّا يجافي روح الدين وحقيقة نصوصه ومعناها الذي كثيرًا ما يتجاوز حرفية الألفاظ. التكفير والدعوة إلى القتل هو من الفتاوى الشائعة لدى فقهاء الأصوليات الدينية.. وقد أفتى ابن تيمية بـ:

«الرجل البالغ إذا امتنع عن صلاة واحدة من الصلوات، أو ترك بعض فرائضها، يستتاب، وإلا قُتِل».

«ومَن أخَّر الصلاة لصناعة أو صيد أو خدمة أستاذ أو غير ذلك، وجبت عقوبته، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يُستتَاب».

وكأن ابن تيمية بذلك لم يسمع قوله تعالى: «من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر»، وغير ذلك من الآيات العديدة التي تؤكد على حرية الإيمان والعبادة، بل حرية الكفر نفسه: فحساب المرء على الله وحده، وليس لأي فقه أو رأي شأن في ذلك. ولكن مكمن الخطورة في أن فقهاء الأصوليات الدينية خلقوا لنا أجيالا جديدة لم تتعلم إعمال الفهم في النص الديني الأصلي (القرآن الكريم)، ولا في أي نص آخر دنيوي، فقهيّا كان أو أدبيّا أو غير ذلك؛ ويتخذون مرجعيتهم في كتابات أسلافهم التي أصبحت بمثابة نص ثانٍ يقوم بديلًا عن النص الأول الأصلي. هذه الأجيال هي من خرج منها ذلك الذي قتل فرج فودة المفكر المصري المسيحي، وذلك الشاب الجاهل الذي شرع في قتل نجيب محفوظ بناء على دعوى بتكفيره من دون قراءته للرواية التي صدرت بسببها فتوى إهدار الدم. وهذه الأصولية هي أيضا المرجعية التي يستند إليها كل المتقاتلين باسم الإسلام في أفغانستان (بين طالبان وداعش)، وفي العراق وغيرها بين الشيعة والسنة، إلخ.

تلك ظواهر مرض متجذر في جسد الأمة الإسلامية، ليس له من علاج مباشر؛ إذ إن علاجه لا يجب أن يكمن فقط في مقاومة ظواهر الإرهاب؛ لأن الأهم هو أن يواكب ذلك خطة استراتيجية طويلة الأمد، تكمن في تجفيف منابع الإرهاب: الأصولية الدينية نفسها.