إسرائيل وأمريكا.. هل ثمة مفترق طرق؟

13 مارس 2024
13 مارس 2024

ذكرنا في أكثر من مقال، أن ديناميات عملية طوفان الأقصى، تتحرك وفق أطوار تتشكل صيغ الإكراه فيها على نحو سيؤدي إلى نتيجتين فقط لا ثالث لهما، حرب إقليمية كبرى، أو دولة فلسطينية يضطر إليها العالم اضطرارًا كحد أدنى لضمان أمن إسرائيل والمنطقة. فهذا السياق الذي تدفع به النتائج السياسية والعسكرية لعملية طوفان الأقصى، يتشكل ليس بعيدًا عن العمليات العسكرية التي تخوضها إسرائيل منذ نهاية أكتوبر الماضي، وإنما كذلك كنتيجة حصرية لتلك العملية العسكرية الفاشلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي.

وقلنا إن أوهام فائض التفوق وغرور القوة الهائلة المميتة هو ما يغري إسرائيل في تصور نتانياهو، بالرغم من مرور أكثر من 4 أشهر على العمليات العسكرية التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة والضفة الغربية.

وكان من الواضح جدًّا أن تلك الطريقة التي أدارت إسرائيل بها الحرب في غزة عبر مجازر راح ضحيتها أكثر من 31 ألف مدني فلسطيني، ستتصادم مع سياسات دولة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية.

فقد راكمت إسرائيل اليوم من مفردات الخروج عن قانون الإنسانية (ناهيك عن القانون الإنساني الدولي) ما كان خافيا من قبل عن ذلك الغرب الأمريكي والأوروبي بسبب اللوبيات الإعلامية الصهيونية النافذة هناك.

وحين نتأمل اليوم في ذلك الاستعصاء الذي بدت عليه سياسات حكومة نتانياهو في عدم خضوعها لأي قوة سياسية كبرى في العالم، سنجد أنفسنا وجهًا لوجه أمام أحد أكبر وأخطر وجوه إسرائيل «الحديثة» أي لجوء إسرائيل إلى إدارة التوحش والقتل، بما لا يمكن للعالم أن يصمت عنه، وبما يكشف عن طبيعة صهيونية في نظام التفكير النفسي للشعب الإسرائيلي، طبيعة تستعصي معها كافة أدوات العقلنة السياسية، التي تنتظم سياسات دول العالم الحديث.

وهذا تحديدًا ما يمكِّننا من الظن معه بأن الولايات المتحدة في ضوء تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة التي قال فيها : «نتانياهو يضر بإسرائيل أكثر مما ينفعها في إدارته للحرب» أو الأخبار التي صرح بها مسؤولون أمريكيون من أن: «أي عملية إسرائيلية في رفح ستؤدي لتحول كبير بسياسة واشنطن» كلها تصريحات أصبحت اليوم أكثر تهيئةً لإدراك الولايات المتحدة بأن في إسرائيل «طبيعة مختلفة»!

فالشرخ غير المسبوق في جدار علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل، سيظل مرشحًا للمزيد من الشروخ والتصدعات؛ لأن السياسات التي وضعها نتانياهو لإدارة الحرب ضد حماس في غزة وتهديده باجتياح رفح، كل تلك العوامل، تجعل من التباعد بين بايدن ونتانياهو مرشحًا للمزيد بمرور الأيام.

لن يغيب عن بال أي مراقب، أن ما حدث في ردود فعل إسرائيل على عملية 7 أكتوبر الماضي سيكون سببًا قويًا لتحول غير مسبوق قد يكون مهمًا في سياسات الولايات المتحدة ودعمها المطلق للدولة العبرية. فلأول مرة يتم الحديث عن تفكير أمريكا التخلي عن دعم إسرائيل في الأمم المتحدة، نظرًا للاستياء الكبير للإدارة الأمريكية من تصرفات نتانياهو غير المقبولة.

ويبدو أن ما ذهبنا إليه في مقالنا السابق من توجه الولايات المتحدة للتخلي عن نتانياهو سيكون ديدن التخطيط الخارجي من طرف أمريكا لإسقاط حكومة نتانياهو الحالية بالتعاون مع المعارضة الإسرائيلية في الداخل.

ستشهد الأيام المقبلة توجهات سياسية ضاغطة في نشاط المعارضة الإسرائيلية، عبر مظاهرات حاشدة ضد نتانياهو، ولا شك أن هذا التخطيط الذي تدفع به الولايات المتحدة في سبيل إزاحة نتانياهو من السلطة هو انعكاس ليأس الإدارة الأمريكية من قدرتها على أي تأثير إيجابي نحو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، خصوصًا وأن الأخير قرر أن يتحدى سياسات بايدن، بعد أن دعا الأخير بيني جانس إلى زيارة الولايات المتحدة في تقليد غير مسبوق، الأمر الذي أغضب نتانياهو غضبًا شديدًا.

كل المؤشرات تدل على أن أيام نتانياهو في السلطة باتت معدودة؛ لأن التناقضات الكبيرة بين سياسات ومصالح الولايات المتحدة في العالم وبين تصرفات حكومة نتانياهو وتداعيات حملته العسكرية على غزة في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأحمر وصلت إلى حد غير مقبول. لهذا يمكن القول أن عملية طوفان الأقصى وردود فعلها لا تزال تتحرك بديناميتها الخاصة التي تحيل كل مؤشراتها إلى إحدى نتيجتين فحسب، إما حرب إقليمية كبرى، أو دولة فلسطينية قابلة للحياة.

محمد جميل أحمد كاتب من السودان