إسرائيل تحل محل إيران خطرا على دول الخليج

13 سبتمبر 2025
13 سبتمبر 2025

ترجمة - أحمد شافعي -

بمحولة اغتيال مفاوضي حماس في الدوحة هذا الأسبوع تجاوزت إسرائيل خطا أحمر لا يستطيع أن يتجاهله حتى أقرب شركائها العرب. وطالما تذرعت إسرائيل في ضرباتها الاستباقية وضرباتها خارج أراضيها بأنها ضرورة لأمنها. فعلى مدى سنتين ردا على هجمات حماس في السابع من أكتوبر؛ ضربت ستة بلدان في المنطقة (بما فيها فلسطين) سعيا إلى محو جميع الأخطار الموجهة لأمنها. لكن ضرب العاصمة قطر -وهي دولة خليجية ثرية، وشريك أمني، وحليف من خارج الناتو للولايات المتحدة، وموقع للمفاوضات المضنية بين إسرائيل وحماس بإشراف واشنطن- ليس محض قتل مستهدف آخر، بل يمثل تحولا جذريا لا ترى الدول العربية بعده أن إيران هي مصدر الاضطراب الأساسي الوحيد في المنطقة؛ فاليوم ترى هذه الدول في إسرائيل مصدرا آخر للاضطراب.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تضرب فيها إسرائيل بينما المفاوضات والجهود الدبلوماسية جارية. فعلى مدار السنتين الماضيتين نفذت اغتيالات رفيعة المستوى، وضربات في لبنان ضد حزب الله، وفي سوريا بما زاد من التوترات مع حكومة الشرع حديثة التكوين، وفي اليمن مستهدفة الحوثيين، وفي إيران خلال حرب الأيام الإثني عشر، حينما كانت طهران تتفاوض مع واشنطن. وكثيرا ما جاء توقيت الضربات ليحرف المحادثات، أو ليبين رفض إسرائيل للتفرقة بين الدبلوماسية والإكراه. وتنسجم ضربة الدوحة مع هذا النمط، لكن رمزيتها سوف تترك آثارا بعيدة المدى.

لقد سقطت الصواريخ في حي هادئ بالدوحة على مقربة من قصر قام دونالد ترامب بزيارته حديثا خلال جولته في المنطقة في شهر مايو الماضي. وقد تضمنت تلك الزيارة أيضا زيارة قاعدة الولايات المتحدة الجوية في قطر. وهذه الرسالة بالنسبة لحكام الخليج تتحدى افتراضهم الراسخ بأن العلاقات مع الولايات المتحدة والقواعد العسكرية سوف تحميهم من الهجمات.

لطالما أضمرت إسرائيل استياء من قطر؛ فضمن صفقة أقرتها الولايات المتحدة وإسرائيل كانت الدوحة ترسل المال لسنين إلى غزة في محاولة لتحقيق الاستقرار في المنطقة. وبعد السابع من أكتوبر أعاد مسؤولون إسرائيليون تأطير هذا الترتيب باعتبار أنه تمكين لحماس وللهجمات على إسرائيل. وعندما تكشفت فضيحة بناء على مزاعم بأن مقربين من بنيامين نتنياهو قد تلقوا أموالا قطرية؛ للضغط بالنيابة عن قطر بات إحباط إسرائيل من قطر أشد وضوحا.

غير أن واشنطن لا تتبنى هذه الرؤية؛ فقطر تستضيف قاعدة العديد الجوية، وهي حجر زاوية في استعراض القوة الأمريكية. ولقد كان من قطر أن أدارت القوات الأمريكية عمليات أفغانستان والعراق وسوريا. وفي 2022 وصف جو بايدن قطر بأنها «حليف أساسي من خارج الناتو». وتعرضت قطر أيضا لنيران إيرانية في الحرب الإسرائيلية الإيرانية في يونيو، حينما أطلقت طهران صواريخ على القاعدة الأمريكية انتقاما من ضرب منشآت نووية. وهذه الضربة الثانية في أقل من بضعة أشهر ـ وبدعم من حليف أمريكي مقرب ـ تثير أسئلة عن الحماية الأمريكية.

لقد ظلت دول الخليج على مدى عقود تعرف الأمن الإقليمي من خلال عدسات إيران؛ خوفا من برنامجها النووي، ورعايتها لـ«محور المقاومة»، وقدرتها على الضرب عبر الحدود ـ كما في هجمة الطائرات المسيرة سنة 2019 على منشآت شركة آرامكو السعودية. واليوم يعاد تأطير الحوار كله بحملات إسرائيل الجامحة في غزة، وتصعيد عملياتها في الضفة الغربية، وتصعيدها المستمر في لبنان وسوريا وقطر.

تخلص دول عربية إلى أن إسرائيل الآن هي التهديد الأكبر على استقرار المنطقة. وليس هذا لتبرير سلوك طهران؛ فدورها في تأجيج الصراع في العراق ولبنان وسوريا واليمن يبقى غير منكور. لكن اعتداءات إيران باتت مألوفة ويسهل التنبؤ بها، واستعراضها للقوة في المنطقة قد يكون مغالى فيه. أما أفعال إسرائيل في المقابل فباتت أشد اجتراء على حساب الأعراف التي افترض القادة العرب أنها حاكمة للمنطقة.

وقد رسخ التقاعس الأمريكي هذا الفهم؛ إذ أبى كل من بايدن وترامب كبح اعتداءات إسرائيل العسكرية. وسوف يرغم ضرب قطر حكام الخليج على مواجهة حقيقة أن واشنطن تبدو عازفة أو عاجزة عن كبح جماح أقرب الحلفاء إليها.

طالما تخوفت دول الخليج من أن تركيز الولايات المتحدة الاستراتيجي يبتعد لينصب على آسيا. وتتذكر هذه الدول بوضوح أن الدفاعات الأمريكية عجزت عن إيقاف هجمة إيران سنة 2019 على السعودية، وترى اليوم عزوفا عن كبح جماح إسرائيل. والنتيجة هي إحساس بأن الضمانات الأمنية تتآكل. وقد كان القصد من الاتفاقيات الإبراهيمية وجهود التطبيع المقترح هو إدارة الأمن الإقليمي، لكن هذه الخطط اليوم ـ مع استمرار وضع غزة على ما هو عليه ـ باتت غير قابلة للتطبيق.

ردا على ذلك؛ من المرجح أن تعمق دول الخليج تعاونها البيني مع تسريع جهود تنويع شراكاتها الخارجية والأمنية، وإدامة العلاقات الاقتصادية القوية مع الصين، وتوسيع التعاون الدفاعي مع تركيا، وإعادة تقييم الاحتمالات غير المؤكدة للتطبيع مع إسرائيل. وبالنسبة لدول طالما سعت إلى موازنة العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة برغم رفض الرأي العام المحلي والحساسيات الإقليمية؛ فقد جعلت الضربة هذه المهمة شديدة الحساسية أشد صعوبة.

في الوقت نفسه يضغط حكام سعيا إلى مزيد من الاستقلال الذاتي الاستراتيجي، ويزدادون عزما على التحوط من مخاطر الاعتماد على الولايات المتحدة. وقد يثبت هجوم الدوحة في نهاية المطاف أنه لحظة فاصلة تبلور فيها الإحساس بأن نظام الأمن الإقليمي التقليدي يتفكك، وأن سيادة الشركاء تعرضت للتضحية كثيرا باسم الأمن؛ فلم يبق إلا سؤال عن الكيفية التي سوف تقاوم بها دول الخليج وليس سؤالا عن المقاومة من عدمها.

سنام فاكيل مديرة برنامج تشاتام هاوس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

عن الجارديان البريطانية