أمريكا بحاجة إلى ضريبة القيمة المضافة لترويض التضخم

15 أكتوبر 2023
15 أكتوبر 2023

ترجمة - قاسم مكي -

وسط فوضى أخرى اجتاحت الجمهوريين في واشنطن يشير صقور الموازنة في الحزب الجمهوري (من يتخذون موقفا متشددا ضد الإنفاق الحكومي) إلى قضية أساسية خطيرة وهم مصيبون في ذلك. إنها الدين الفيدرالي. فإجمالي الدين العام في الولايات المتحدة يزيد الآن عن 33 تريليون دولار وعجز الموازنة أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي. أما صافي مدفوعات الفائدة على الدين فربما سيتجاوز 650 بليون دولار في العام الحالي. وهذا رقم لا يبعد كثيرا عن حجم الإنفاق الدفاعي.

على مدى عمر جيل تقريبا تمكن واضعو السياسات في الولايات المتحدة من تجنب التصدي الجاد لعجز الموازنة لأن أسعار الفائدة متدنية وتمويل الدين كان يسيرا. لكن مع المستوى الحالي لأسعار الفائدة ربما انتهى هذا «الحفل».

لحسن الحظ هنالك حل بسيط وواضح جدا. لكن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يرفضانه كليهما. إنه تبني ضريبة مبيعات وطنية كما يفعل أي اقتصاد متقدم آخر في العالم. (معظم البلدان تسميها ضريبة القيمة المضافة لأن تحصيلها يتم عند كل مرحلة على طول سلسلة الإنتاج بدلا من سدادها مرة واحدة فقط عند نقطة البيع النهائي).

حسب مكتب الموازنة بالكونجرس إذا فرضت ضريبة من هذا النوع بنسبة 5% يمكن تحصيل 3 تريليونات دولار خلال العقد القادم. وهذا المبلغ من شأنه أن يقلل بقدر كبير جدا من حجم الفجوة المالية للولايات المتحدة. في المتوسط يحصل الاتحاد الأوروبي على 20% تقريبا من إيراداته الضريبية من ضريبة القيمة المضافة. أما الولايات المتحدة فحصيلتها منها صفر. السؤال: ما هي الخيارات الأخرى؟

مقترحات الجمهوريين بخفض الإنفاق ليست أكثر من نكتة. فالتخفيضات التي يقترحونها لن تَمَسّ الاستحقاقات (برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية) أو الإنفاق الدفاعي أو فوائد قدامى المحاربين. وإذا أضفنا مدفوعات الفائدة على الدين ستشكل أجزاء الموازنة الفيدرالية التي لا يمكن المساس بها أكثر من 75% من حجم الموازنة. نعم من الجيد الاشتطاط في المطالبة بخفض العون الأجنبي. لكنه يشكل أقل من 1% من إنفاق الحكومة الفيدرالية.

الديمقراطيون أقل سخطا من الجمهوريين لكنهم غير واقعيين بالقدر نفسه. إنهم يتحدثون في الغالب عن زيادة الضرائب على الأثرياء. المشكلة هي أن مثل هذه المقترحات لن تثمر الكثير. فالأثرياء جدا يدفعون فعلا جزءا من الإيرادات الضريبية الأمريكية لا يتناسب مع دخولهم مقارنة بدافعي الضرائب الآخرين.

يعترض الديمقراطيون عموما على ضريبة القيمة المضافة لأنهم يعتبرونها ضريبة تنازلية تثقل كاهل ما يعتقدون أنه نظام ضريبي تنازلي أصلا. لكنهم مخطئون.

أمريكا لديها النظام الضريبي الأكثر تصاعدية لأي اقتصاد متقدم ويعود ذلك أساسًا إلى أنها تحصل على جزء كبير جدا من إيراداتها الضريبية من خلال ضرائب الدخل وليس ضرائب المبيعات التي تدفع عند المعدل نفسه بواسطة أي أحد سواء كان يكسب 45 ألف دولار أو 4.5 مليون دولار في السنة. (الضريبة التنازلية عامة تفرض بصرف النظر عن الدخل بعكس الضريبة التصاعدية التي تأخذ نسبة أعلى من أصحاب الدخول المرتفعة - المترجم).

يقول دانييل بَن المسؤول بمركز أبحاث السياسات الضريبية في واشنطن (تاكس فاونديشن) «لدينا النظام الضريبي الأكثر تصاعدية لأسباب من بينها أننا نفرض ضريبة أقل على العاملين من أصحاب الدخل المتوسط... فأعلى معدل لضريبة الدخل يفرض على مَن يحققون دخلا يفوق متوسط الأجور بحوالي 8.5 مرة في حين يقتصر فرض المعدل الأعلى لهذه الضريبة في ألمانيا على الدخل الذي يساوي 5.3 ضعف متوسط الأجور».

هاهنا الأرقام. يساهم من يشكلون نسبة 10% الأعلى دخلا في الولايات المتحدة بحوالي 74% من إيرادات الدخل الضريبي الفيدرالية. وهذه نسبة مذهلة على الرغم من أنهم يحصلون على 50% فقط من إجمالي الدخل، حسب مركز الأبحاث تاكس فاونديشن.

في الدنمارك والسويد تسدد هذه الفئة (أي نسبة 10% الأعلى دخلا) حوالي 25% من ضرائب الدخل. أما المتوسط في البلدان الغنية فحوالي 32%.

في الولايات المتحدة من يشكلون نسبة 1% الأعلى دخلا (1.3 مليون عائلة في بلد يبلغ عدد سكانه 330 مليون نسمة) يحصلون على 22 % من إجمالي الدخل. لكنهم يدفعون ضرائب فيدرالية تساوي تقريبا ضعف هذه النسبة (42%).

لقد أصبح النظام الضريبي تصاعديا بقدر كبير خلال العقود الماضية. فصافي المساهمة الضريبية لمن يحصلون على دخول تشكل نسبة 20% الأعلى من إجمالي الدخول ارتفع بأكثر من 200% منذ أعوام الثمانينيات.

وعندما تضاف الضرائب الولائية والمحلية كثيرا ما يصل معدل الضريبة لأصحاب الدخول الأعلى في الولايات المتحدة إلى ذروته عند أكثر من 50% من الدخل الحدِّي. وإذا انتقل أحدهم من نيويورك أو كاليفورنيا أو الينوي إلى لندن أو سنغافورة سيحصل على خفض ضريبي كبير خصوصا في سنغافورة حيث يبلغ أعلى معدل ضريبي 24%. (وفي كل هذه الحالات بالمناسبة يحصل هؤلاء على خدمات الرعاية الصحية العامة وتعليم حكومي عالي المستوى من الروضة إلى الجامعات). في نيويورك كما أشار عمدتها إريك آدامز يدفع المقيمون الذين يشكلون نسبة 2% الأعلى من بين أصحاب الدخول نصف الضرائب المفروضة على الدخل في المدينة.

لقد أصبح من العقائد الراسخة لكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة أن معظم بنود الموازنة الفيدرالية لا يمكن خفضها والضرائب المفروضة على 98% من أصحاب الدخول لا يمكن زيادتها. وهذا هو السبب في أننا نمضي في مسار غير قابل للاستدامة.

نحن بحاجة إلى خفض بعض الإنفاق وزيادة بعض الضرائب. ولا يمكن فرض الزيادات الضريبية على المصدر الوحيد لمعظم الإيرادات الجديدة خلال العقود القليلة الأخيرة والمتمثل في أصحاب الدخول العالية. هذا الوضع يشوه النظام الاقتصادي والسياسي ويدفع الناس إلى الشعور بأنهم أقل استثمارا في الحكومة الفيدرالية. فبرامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية (ميديكير) تحظى بتأييد واسع النطاق لأن كل الأمريكيين يعتقدون بأنهم يساهمون فيها ثم يستفيدون منها.

ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% من شأنها أن تكون تنازلية بقدر طفيف لكن الجدير بالذكر أنها أقل تنازلية إلى حد بعيد من خفض الفوائد (الاجتماعية) والتي ستكون النتيجة الحتمية لعدم فعل أي شيء لزيادة الإيرادات. لقد حان وقت انضمام الولايات المتحدة إلى أكثر من 160 بلدًا آخر يطبق ضريبة القيمة المضافة ومطالبة كل الأمريكيين بأن يساهموا بالقليل لكي يضعوا بلدهم في «مسار مالي» أشد رسوخًا لعقود قادمة.

فريد زكريا كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست ومقدم برنامج يتناول القضايا الدولية والشؤون الخارجية على شبكة سي إن ان.

عن واشنطن بوست