ألوان من السعادة
في فرح العيد يكمن معنى عظيم للفرح؛ تدركه النفس الإنسانية، كلما تجدد ذلك الفرح مرات ومرات في عمر الإنسان، فالأعياد مناسبات يتوقف فها الزمن تعبيرًا عن الحدث الاستثنائي الذي يرمز إليه العيد، ففي كل عيد يتذكر البشر مناسبات تعبر عن رمزية تربطهم بأحداث سارة كان حدوثها تأسيسًا لواقعة فرح كبير، ودالة على إحساس عظيم بوجود ذلك الحدث.
يفرح المسلمون بعيد الفطر لمناسبة انتهاء طقس الصوم والدخول في عادية الحياة وطبيعتها، ولهذا فإن فرح الصائمين هو ما عبره عنه الحديث النبوي "للصائم فرحتان" فرحة باستقبال عادية الحياة من ناحية الفرحة الأولى، وفرحة أخرى تكون في اليوم الآخر؛ يوم يلقى الإنسان ربه.
يتجلى فرح العيد، بهذا المعنى، في ذلك الإحساس الذي يدركه الصائم صبيحة اليوم الأول بعد انتهاء آخر أيام الصوم وبداية أول أيام الفرح.
إن فرح الصائمين هو عود للاحتفال بعادية الحياة والانطلاق مرة أخرى للإقبال عليها وتجديد المتع المباحة لعادات الأكل والشرب، ففي يوم العيد يقطع الصائم عادة الصوم بعد أن أدمن ثلاثين يومًا يختبر ألوانًا من الصبر في سياسة النفس وضبط شهواتها، الأمر الذي يمنحه طاقة لمعرفة ألوان أخرى من المعاني التي يستشعرها في ظل صيامه؛ كالحرمان، والتأمل، والإحساس بضعف الكينونة أمام ذلك الانقطاع عن عادتي الأكل والشرب وهو ما يجعله أيضًا مدركًا ومستشعرًا عبر المشاركة الوجدانية لكثير من أحوال المحرومين والفقراء الذين يظلون على تلك الأحوال التي عانى منها الصائم شهرًا كاملًا.
إن مزية الصوم الكبرى هي؛ القدرة على اختبار الضعف والهشاشة البشرِيَين ليس فقط كمجرد طقس شعائري، وإنما كقيمة إنسانية للتجربة والإحساس بمعاناة الآخرين الذين قد يكونون على تلك الأحوال من الضعف والحرمان مدى الحياة. ولهذا حين يفرح الصائم بمغادرة أيام الصوم والعودة إلى حياته الطبيعية يكون قد استصحب معه القدرة على أن يكون أكثر إحساسًا بمعاناة الآخرين ممن ابتلاهم الله بقسوة الحياة. كما أن تأمل الصائم في ذلك القَدَرْ يجعله أكثر إيمانا بالحقيقة الزائلة للحياة الدنيا، وفي كونها، فقط، ابتلاءً يعم حياة البشر في الخير والشر؛ حيث الاختبار هنا مزدوج وقابل للتبديل في الوقت ذاته بطبيعة تقلب أحوال الحياة. لهذا يفرح الصائم بعد أن خاض تجربة ثلاثين يومًا من الحرمان الذي يجعله أكثر فهمًا لمعنى الحياة من زوايا الفرح، وأكثر قدرة على تمثل معنى الشكر لله في جميع أحواله.
فمن معاني الفرح الذي يتولد يوم العيد – في وجهٍ من وجوهه – ذلك الفرح المعبر عن الإحساس بامتداد قيمة المشاركة الوجدانية المستفادة من الصوم متمثلةً في التعاطف مع المحرومين يوم العيد عبر صلتهم بالمال والأكل والهدايا التي تقدم لهم.
إن فرح الأعياد هو ذلك الإحساس بالسرور العام في يوم العيد؛ السرور الذي يجعل نفوس المسلمين أكثر سموًا وإحساسًا بقيمة الحياة - بعد حرمان أيام الصوم - ومن ثم تتجلى قيمة الفرح في يوم العيد في الإصرار على جعل هذا اليوم؛ يومًا يفرح فيه الجميع بالتساوي، إنه يوم مساواة لتوزيع الفرح على نفوس عامة الناس للشعور بإحساس واحد هو: المسّرات.
ومن خلال صناعة الفرح وجلب المسرات للجميع بطبيعة الحال سيتجلى معنى آخر مصاحب لفرح الأعياد وهو معنى: السلام، الأمر الذي يضعنا أمام قيمة عظيمة من قيم الحياة وهي قدرة البشر في يوم العيد أن يكونوا في أكمل حالاتهم الإنسانية السعيدة.
ومن هنا سنجد أن مسرة الأعياد ترتبط ارتباطا عضويا بالصيام وبقيمة الفرح الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث: "للصائم فرحتان" إن مظاهر المسرات في يوم العيد أبرز ما تكون في وجوه الأطفال، لأن الأطفال هم الأكثر تعبيرًا عن البراءة الإنسانية، وقيمة البراءة التي ترتبط بفرح الأعياد؛ مقصودة لذاتها في ذلك اليوم لكي تجعل من يوم العيد يومًا للمثاليات الإنسانية؛ أي يوم لقدرة البشر على أن يكونوا في أكمل حال وأحسنه.
إن موسم الأعياد في حياة المسلمين؛ مظهر عظيم من مظاهر قوة الروح الإنسانية للإسلام، ولهذا تأتي الأعياد لإعادة والمسرات إلى حياة المسلمين، ولو في يومين أو ثلاثة، لتكون تجديدًا لمعاني إنسانية عظيمة؛ كالسلام والبراءة، والقدرة على صناعة الفرح.
