أزمة الطاقة في جنوب أفريقيا تحذير للعالم
ترجمة أحمد شافعي -
تكافح جنوب أفريقيا منذ أكثر من عقد لكي تحافظ على إضاءة المصابيح. فمحطات الطاقة القديمة العاملة بالفحم هناك باتت في حال متدهورة. والموارد المخصصة لإصلاح البنية الأساسية تبددت وأهدرت.
هيئة إيسكوم الوطنية للكهرباء حافلة بالفساد وسوء الإدارة الناشئة منذ ولاية الرئيس السابق جاكوب زوما. والنتيجة هي انقطاع متوال في التيار الكهربائي -يعرف على المستوى المحلي بتخفيف الأحمال- أدى إلى شلل الاقتصاد.
وقد حذر المسؤولون في إيسكوم أخيرا من زيادة انقطاع التيار قبيل مقدم الشتاء في يونيو. ومن الممكن أن يؤدي العجز المتزايد في الطاقة إلى أن تصبح جنوب أفريقيا بلا طاقة لمدة ست عشرة ساعة في كل دورة مؤلفة من اثنتين وثلاثين ساعة.
وقد تكون هذه قصة محزنة عن سوء الإدارة في حكومة بعينها، لكن للقصة أيضا أبعادها العالمية التي يجب أن يتابع فصولها بدقة وعن كثب جميع صناع القرار الحكوميين والمناخيين في العالم.
يرى كثير من المحللين والساسة في جنوب أفريقيا أن أزمة الطاقة جرح تسبب البلد فيه بنفسه لنفسه. إذ تحولت هيئة إيسكوم في ظل حكم زوما إلى حصالة افتراضية للمسؤولين الفاسدين الذين استنزفوا خزائن ذلك المرفق من أموال دافعي الضرائب المخصصة للإصلاحات الحيوية. وفي السنين الأخيرة تحولت محطات الطاقة إلى مسرح لسرقة الديزل حيث استخدمت إيسكوم المولدات العاملة بالديزل على سبيل الدعم الاحتياطي لمحطات الفحم القديمة.
والنتيجة هي انقطاعات غير مسبوقة تاريخيا في التيار الكهربائي. وقد قال كاليب قاسم، الرئيس التنفيذي المؤقت لإيسكوم، إن مرفق الطاقة لديه حوالي 47500 ميجاوات من السعة المركبة، لكنه لا يستطيع أن يستعمل إلا 26500 ميجاوات بسبب أعطال المحطات. وبالتالي يجب على إيسكوم أن تلجأ إلى مستويات مختلفة من قطع التيار الكهربائي المعروفة بالمراحل من أجل تعويض العجز. ويستعد البلد للمستوى القياسي المرتفع، أي «المرحلة 8» من انقطاع التيار الكهربائي وهو ما سوف يؤثر تأثيرا بالغا على الأنشطة التجارية وحياة الناس اليومية.
وقد صرّح هابي خامبيول، مدير المناخ والطاقة في (وحدة الأعمال بجنوب أفريقيا) لصحيفة بيزنس داي قائلا إنه «سيكون أمرا شديد الصعوبة على الشركات أن تستمر في البقاء عندما نتجاوز المرحلة 6. إذ شهدنا بالفعل أن تخفيف الأحمال، في المرحلة 6، قد ترك آثارا بالغة السوء، والفترات المطولة في المرحلة 8 سوف تكون مدمرة».
ومن المفارقات أن جنوب أفريقيا لديها احتياطيات ضخمة من الفحم. وبغض النظر عن الخسائر البيئية المروعة الناجمة عن حرق الفحم، فإن بوسع جنوب أفريقيا أن تحظى بشكل ما من أشكال الاستقلال في مجال الطاقة إذا أمكنها أن تتخلص من مشاكل الفساد وسوء الإدارة.
فضلا عن الفحم والاحتياطيات المعدنية الأخرى، تمتلك جنوب أفريقيا وفرة كبيرة من احتياطيات طاقة الرياح والطاقة الشمسية. ذلك أن كمية طاقة الرياح قبالة سواحل كيب تاون لا حدود لها تقريبا نظرا لقوة وانتظام العواصف في جنوب المحيط الأطلنطي. فلا تكمن المشكلة إلا في إقامة البنية الأساسية اللازمة لتسخير الطاقة.
ومن الممكن حل مشاكل البنية الأساسية برأس المال، لكن جنوب أفريقيا تواجه عوائق تشريعية وسياسية منهجية تحول دون إطلاق احتياطياتها من الطاقة المتجددة.
تعد معركة مدينة كيب تاون المستمرة مع الحكومة الوطنية تجسيدا للتحديات التي تواجه جنوب أفريقيا وبلادا أخرى. فالتشريعات الوطنية في جنوب أفريقيا قديمة عفا عليها الزمن وكان الغرض منها هو حماية الكيانات المملوكة للدولة من قبيل إيسكوم.
وحتى العام الماضي، كان إنتاج أكثر من 100 ميجاوات من الكهرباء فعلا مخالفا للقانون. فترتب على ذلك انتفاء وجود قطاع طاقة متجددة انتفاء شبه تام. وقد تراجع الرئيس سيريل رامافوزا عن هذه القوانين الرجعية، ومع ذلك فقد صعب على الطاقة المتجددة أن تنطلق في هيئة مشاريع واسعة النطاق.
قد يتغير ذلك عما قريب، إذ أعلنت كيب تاون أخيرا عن مشروع كبير لتخزين الطاقة الشمسية والبطاريات لتوليد أكثر من 60 ميجاوات ووقاية المدينة من مرحلة واحدة على الأقل من عمليات تخفيف الأحمال. كما أن المدينة تستكشف طرقا لشراء الطاقة من صغار المنتجين والأسر باستخدام الطاقة الشمسية. وقد نجح هذا النموذج في أماكن من قبيل كاليفورنيا وإن لم يختبر بعد في جنوب أفريقيا بسبب صخور التشريعات المعيقة.
وفي حين أن كيب تاون تعمل على تأمين مصادر الطاقة المتجددة، تناقش حكومة جنوب أفريقيا استخدام سفن الطاقة البحرية من تركيا لتخفيف أزمة الطاقة. فحتى هذا الإجراء المؤقت غارق في سوء الإدارة والفوضى مع أنه حل كفيل بمنح البلد طاقة هو في أمسّ الاحتياج إليها في أثناء النظر في حل بعيد المدى.
إن أزمة الطاقة في جنوب أفريقيا يمثل أحد أوضح الأمثلة للدور العدائي الذي يمكن أن تؤديه حكومة في التحول إلى الطاقة المتجددة. والأمر ببساطة هو أن الحكومة الوطنية تخشى من أنها سوف تفقد احتكارها لإنتاج الطاقة إذا سمحت للشركات والأفراد باحتضان مصادر الطاقة المتجددة احتضانا كاملا.
ومن المؤكد أن هذه الديناميكية سوف تتكرر في شتى بلاد العالم؛ إذ تستمر تكاليف إنتاج الطاقة المتجددة في الانخفاض بما يمكِّن عددا أكبر من الناس من تجهيز أنفسهم بألواح شمسية أو بطاقة الرياح.
مع انطلاق مؤتمر المناخ (كوب 28) في دبي في نوفمبر من العام الحالي، يجب أن تكون تفاصيل أزمة الطاقة في جنوب أفريقيا على رأس اهتمامات جميع المعنيين والمهتمين بمستقبل عادل للطاقة المتجددة.
فلا ينبغي فقط أن تتطلع الحكومات والشركات الأجنبية إلى مساعدة جنوب أفريقيا في سعيها إلى الحصول على طاقة متجددة بنطاق واسع (فثمة فرص عمل كبيرة في نهاية المطاف)، ولكن يجب على صناع السياسات أن يصغوا باهتمام إلى المناقشات الداخلية الجارية حول الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.
فحتى البلاد ذات الموارد الطبيعية الوفيرة تواجه عقبات سياسية وسوء إدارة حكومية في توصيل الطاقة للشركات والأفراد. ودونما طاقة، تتعرض العلاقات الاجتماعية الحساسة للخطر في العديد من المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
جوزيف دانا كاتب مقيم في جنوب أفريقيا والشرق الأوسط. عمل مراسلا صحفيا من القدس ورام الله والقاهرة وإسطنبول وأبوظبي. سبق له العمل في منصب رئيس تحرير «إيمرج 85»، وهو مشروع إعلامي مقره أبوظبي يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة.
عن آسيا تايمز
