يوميات دفتر منسي 2-2

04 يوليو 2022
04 يوليو 2022

18/4/2016

لا يملك القارئ في لحظة فراغه من قراءة الصفحة الأخيرة من رواية «الفتى المتيم والمعلم» لألف شفق، إلا أن يصاب بالدهشة لانتهاء 600 صفحة من رواية لم يشعر خلالها إلا بدهشات متلاحقة.

سر دهشة قراءة هذه الرواية أنها أطول روايات ألف شفق على الإطلاق، لكنها على الجانب الآخر واحدة من أهمها وأجملها. تَظهَر ألف شفق في هذه الرواية بصورة العارفة بالتاريخ والفلك وعلم الحيوان والنبات. تقدم بروايتها مزجًا هائلًا من صنوف العلوم المتنوعة خلال حقبة زمنية تناوب عليها عدد من سلاطين آل عثمان.

يجبرك الروائي الباحث على احترامه، فليست الرواية محض حكايات، بل إنها حفر رصين يغوص في حقول معرفية قد لا يكون الروائي على صلة بها من قريب أو بعيد، ولكنه يتمثلها ويستوعبها ليمسك بأطراف ما هو بصدد الكتابة عنه.

أقول: هذه رواية بدينة، ولكن الرشاقة مما قد يضرها! فهل كان ممكنًا أن تجعل ألف شفق روايتها هذه أكثر رشاقة عوضا عن بدانتها البادية في ضخامة عدد صفحاتها؟ ربما.. ولكن بالعودة إلى مقال سعيد يقطين الذي أثار جدلًا واسعًا على امتداد الوطن العربي بعنوان «البدانة الروائية»، فإن البدانة ليست معطى شكليا؛ فكم من رواية رشيقة لا تقدم شيئًا سوى هزال داخلي، وكم من بدانة في عدد الصفحات تنساب في رشاقة يحسها القارئ بدهشة وذهول.

18/4/2016

مثلما أن هناك أفلامًا تُحفر في الذاكرة وتعز على النسيان، هناك أيضًا روايات لا تغادر الذاكرة أبدًا.

18/4/2016

في المرحلة الإعدادية من دراستي اقترحتُ على إدارة المدرسة استحداث جماعة طلابية تحمل اسم «جماعة الموهوبين»، تضم جميع الطالبات الموهوبات في المدرسة وترعى إقامة فعاليات وأنشطة تنمّي مواهبهن. كتبتُ المقترح ووضعته في صندوق الاقتراحات القريب من مكتب الإدارة، وتفاجأت في اليوم التالي بالإعلان عن تأسيس الجماعة في طابور الصباح. كانت سعادتي غامرة، وبادرتُ بالتسجيل فيها على الفور، ولكني لا أتذكر كيف سارت الأمور بعد ذلك؛ لأن تأسيس الجماعة جاء على مشارف نهاية الفصل الثاني، وانتقلت في العام الدراسي التالي إلى الصف الأول الثانوي، حيث تدرس طالبات المرحلة الثانوية في الفترة الصباحية على خلاف طالبات مرحلتي الابتدائية والإعدادية في الفترة المسائية. ولكني أتذكر تعليق أخي عمر عندما أخبرته متباهية بأن المدرسة استجابت لاقتراحي بتأسيس جماعة للموهوبين، قال: منكوبين؟!

19/4/2016

اكتشفتُ أول شعرة بيضاء على الجانب الأيمن من رأسي فطِرتُ من الفرح –للعجب– وحرصت على الاهتمام بها، وتأملها كلطخة من فضة لامعة في فضاء أسود.

19/4/2016

عندما أقلق أسهر، وعندما أخاف أنام، وعندما أفرح أشاهد فيلمًا، وعندما أحزن أكتب.. أما القراءة فهي ما بين كل هذا: في شقوق الأحوال والمشاغل والنفسيات .. القراءة لا تحتاج إلى وقت بعينه نحدده لها، إنها تتسرب بين المشاغل واللحظات؛ ولأنها كذلك فهي ليست إلا الحياة نفسها، الهواء والغذاء.

22/4/2016

تتكون أفكاري عندما أبدأ في الحديث عنها، أو في كتابة أول خيوطها. سرعان ما تتوالد وتتضح تفاصيلها أثناء الكتابة أو الحديث. بينما في الصمت تصمت الكلمات، فتصمت الأفكار. عليّ أن أكتب رأس الفكرة أولا لأتمكن من رؤية باقي جسدها، فتتنفس فيها الحياة فور اكتمالها.

22/4/2016

أظنني وصلت إلى قناعة بعدم الحاجة إلى شراء الكتب لعامين قادمين؛ فلا المكان يتسع ولا العمر يكفيها!

22/4/2016

نسي جورج أورويل في روايته 1984 أن يتنبأ بميلادي. لماذا يا عم أورويل؟!

22/4/2016

وحدها مسقط تمنحنا خيارات أكثر لحياة ملونة: سينما، تسوق، حدائق، مطاعم، مقاهي، شواطئ، فنادق، عمل!

25/4/2016

تفعل نوبل ما يفعله الموت، تعرّفنا بشخصيات مهمة ما كنا نعرفها في الغالب قبل حصولهم عليها، غير أنها «نوبل» أفضل منه، تفعل ذلك وهم أحياء، بينما الموت يأتي متأخرا دوما.

26/4/2016

قال صالح علماني في محاضرة له في النادي الثقافي في مطلع فبراير الماضي ضمن الفعاليات الثقافية لمهرجان مسقط 2016: «أقرأ الرواية أولا، فإذا أعجبتني ترجمتها، وإذا لم تعجبني امتنعت عن ترجمتها» وقال المترجم العماني أحمد المعيني الذي كان يدير الحوار ليلتها: «صالح علماني هو المترجم العربي الوحيد الذي يسأل القراء عن آخر ما ترجم». وأقول: إن صالح علماني ناقد قبل أن يكون مترجمًا؛ لأنه لا يترجم إلا ما يعجبه، وكل ما أعجبه توافق عليه الناس بأنه يُعجب. فهو الذي ترجم رواية «كالماء للشوكولاته» وكانت الرواية الأولى لصاحبتها، غير أنه امتنع عن ترجمة روايتها اللاحقة؛ لأنه لم يجد فيها ما وجده في روايتها الأولى التي حققت لها شهرة واسعة.

فما هي معايير صالح علماني في اختيار ما يترجمه؟ ما هي مبررات إعجابه بهذا أو ذاك؟ لم يسأله أحدنا ليلتها، ولكن الرجل يملك ذائقةً عاليةً وحسًا مرهفًا للحكم على الرواية قبل أن يقرر ترجمتها أو لا. ذلك هو سر نجاح المترجم الذي يقرن الترجمة بالحب، الحب الموضوعي بعد كل شيء، الذي يحدد العمل الجيد ويفرزه عن العمل الرديء. أليس في حكمه على جودة العمل، ومن ثم جدارته بالترجمة من عدمها، رأي نقدي أجمع من بعده القراء على أنه حكم صائب وموضوعي؟

27/4/2016

هل كنت سأكتب يومياتي لو لم أغلق الفيسبوك في الفترة الأخيرة؟ على الأرجح كنت سأتصفح منشورات الأصدقاء أكثر، ولربما كتبت منشورا أو اثنين ونشرت صورة أو اثنتين، لأنشغل بعدها بملاحقة التعليقات. ولكن الحال بوجود دفتر صغير بلا قارئ فوري يطالع كل ما نكتب -ومن غير الحاجة للتفكير في التعليقات والرد عليها- نصبح أكثر خصوصيةً وإسهابًا بينما نعبُر اللحظة ونعبّر عنها. في دفتر صغير كهذا تصبح الكتابة أمرًا بالغ الفردانية، يكتسب سرّيته المحضة من فكرة انغلاق دفتين على صفحاته. ولطالما اكتسب فعل الاطلاع على اليوميات صفة الانتهاك والتعدي على الخصوصية، حتى لو لم تكن تلك اليوميات تقول شيئًا أو تفضح سرًا. والأمر خلافه عند الكتابة على الفيسبوك، إذ تصبح مقاصدها المباشرة الكشف والإعلان والإشهار والمشاركة منذ أول الفكرة حتى آخر تعليق.

ومثلما أن كتابة اليوميات في دفاتر خاصة تصبح أكثر فردانية، فإن اعتناءنا بالصورة يصبح أقل لصالح الكلمة. وأحسبنا لا نحتاج إلى الصور إلا من أجل الآخرين بالدرجة الأساس، وليس من أجل الذكرى المزعومة التي نريد حبسها في الزمن. تأكد لي هذا الظن عندما حدث أن فقدت الصور في هاتفي غير مرة. حزنت كثيرًا ولكني مع الوقت اكتشفت أني لا أتذكر أصلا ما الصور التي كانت موجودة فيه، لأنني قلّما أعود إليها. فإذا كانت الصورة المرفقة بالمنشور في الفيسبوك تتكفل بقول ما نختصر الكلام فيه، فإن الكتابة في دفتر صرف يجعل اللغة تتمدد لتنهض بمهمتها كاملة من غير معينات من خارج ذاتها.

ولكن لماذا نعتني بكتابة اليوميات إذا كانت ليست للنشر غالبًا؟ يقترن سؤال أهميتها دائما بهوية كاتبها، فأهميتها -كما يجري الزعم دائمًا- من أهميته. ولكن دعونا نتخيل أننا عثرنا على دفتر يوميات في قرية مهجورة، أو في بقايا سفينة محطمة، ألن تكون أهم اللقى المتروكة في المكان؟ أليست تاريخًا يكشف حياة كاملة وإن لم يكن فيها غير اليومي والعادي؟ وفي ظني أن اليومي والعادي لا يكتسب أهميته بمجرد التقادم، ولكن أهميته كامنة في لحظة كتابته ذاتها، تلك اللحظة التي تختزن الطاقة الشعورية الحيّة قبل أن تخضع للمرشّحات والمصفيّات التي يتكفل بها الزمن والتجاوز على حد سواء.