هوامش ومتون: رسائل ثقافية صادمة للوعي!

20 أكتوبر 2021
20 أكتوبر 2021

كثيرة هي الكتب التي صدرت عن الجائحة، وظهرت بأساليب، وأشكال مختلفة، جمعت بين المقالات التحليلية، والسردية، والنصوص الشعرية، وكلها تحاول أن تجد تفسيرا منطقيا لما حلّ بالعالم منذ بدء تفشي الجائحة في ديسمبر 2019م. وخلال تجوالي في معرض الرياض الدولي للكتاب شاهدت بعضا منها، ومن بينها كتاب "رسائل كورونا" الذي قام بترجمة بعض نصوصه عن الإنجليزية وتحريره د.صادق رحمة محمد أستاذ الأدب الإنجليزي في الجامعة المستنصرية.

يضمّ الكتاب الصادر عن مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع في المملكة العربية السعودية، مجموعة من كتابات نخبة من الكتاب العرب والأجانب، تمحورت حول الجائحة، من زوايا نظر متعددة، ومختلفة، بعضها جاء على شكل مقالات، ومذكرات، ونصوص، ولكنّ طابع الرسائل غلب على العناوين: رسائل إلى قاتل في أزمنة الأيديولوجيا السوداء، عزيزي أيها الصمت، رسالة إلى الإنسانية، رسالة من روسيا، رسالتي في زمن كورونا، فحمل عنوان (رسائل كورونا)، من باب تسمية الكلّ باسم الجزء.

بادئ ذي بدء، يكشف د. صادق رحمة، في مقدمة الكتاب عن قلقه من إغفال المؤرّخين، والكتّاب لجائحة الإنفلونزا الإسبانية (1918-1919) التي قضت على ملايين البشر، وأصيب بها ثلث سكان الأرض، كما يقول، متسائلا: هل سيركن الكتاب إلى الصمت، وهم يواجهون الفناء مرة أخرى؟ من سيكتب تواريخنا الشخصية العادية حين نواجه الفناء، وتهملنا السرديات الكبرى؟ ويبدو المحرر وهو يطلق أسئلته الحائرة كمن ينبّه إلى ضرورة الالتفات لما أحدثته الجائحة من تغيرات، وتحوّلات في حياتنا، لكنّ أسئلته تأخذ بعدا فنيا أكثر عمقا، حين يدخل في صلب قضايا الكتابة، وآليّاتها، فليس من المعقول أن الكتابة لا تطالها التحولات التي طالت حياة الناس، والتأثير الذي سبّبته عندما أحدثت شللا في الأنشطة الثقافية في العالم، فيتساءل: هل ستتحول الكتابة إلى وسيلة لإرسال برقيات الاستغاثة؟ هل ستكون الجائحة هزّة ثقافية، تولد قطيعة معرفية تغير الكتابة واشتراطاتها على المستويات كافة؟

ولكي يجد إجابات شافية على أسئلته قام بالتواصل مع عدد من الكتاب والصحفيين والمترجمين داعيا إياهم بالمساهمة في هذا الكتاب، ومن بينهم كتاب من الولايات المتحدة الأمريكية وكولومبيا، وجنوب أفريقيا، وغانا، وهولندا، والهند، وروسيا، وحين استجاب معظم من تواصل معهم لطلبه، شعر بالطمأنينة فـ "كورونا لن يتحول إلى حدث منسي على شاكلة الإنفلونزا الإسبانية، ولن يركن الكتاب إلى الصمت هذه المرة".

ففي هذا الكتاب اشترك أكثر من أربعين كاتبا قدموا وثائق تؤرخ للعوالم الذاتية للكتاب الذين أسهموا فيه، فالسرديات الرسمية الكبرى لن تمر على أحداث فردية دون أن تتوقف عندها فالجائحة "شكّلت صدمة حادّة للوعي، وتحدّيا ميتافيزيقيا مخيفا وضع الكثير وجها لوجه مع أسئلة الموت، والحياة، والوجود".

ولأن الحدث الذي مر به العالم كوني، لذا حاول محرر الكتاب أن يشرك أكبر عدد من كتاب ينتمون إلى قارات العالم السبع، عبر (341) صفحة من القطع المتوسط، ففي العتبة الأولى للكتاب يورد فقرة لبابا الفاتيكان يرسم خلالها صورة للمشهد الذي جرى، بعد تفشي الجائحة فيقول" خيّمَ ظلام دامس على ساحاتنا، وشوارعنا، ومدائننا، واستحوذ على حياتنا، وملأ كل شيء بصمت مجلجل، وفراغ مؤلم عطل كل شيء "، ويصف د. سعد التميمي اللحظة التي "نقلت العالم من الانفتاح المطلق إلى العزلة التامّة" بأنها" لحظة وجودية جعلت العالم على المحلّ" ووسط الجو المعتم يكتب د. حاتم الصكر" جائحةٌ جانحةٌ وجامحة، وبكل ما تتداعى لها من صفات القسوة والعنف. لكنها لن تكون في المصير إلا كسواها مما تغلب عليه البشر من ويلات الطبيعة من مجاعات وكوارث ومآس، لا تزال شواهدها في المدوّنات والمخيلّة والتاريخ. انتصر الإنسان وأعاد الحياة. وصارت صورها جزءًا من الدفاع عن الوجود الإنساني ، والبقاء لصنع حياة أفضل على هذا الكوكب" مستدعيا قصيدة لتسيلان الروماني التي كتبها عام 1947 وعارض بها قصيدة ريلكة: يوم خريفي تلك التي طالما رددنا أبياتًا مميزة منها، كما يقول الصكر :

من ليس له منزل الآن ، لن يبني بيتا أبدًا

من هو وحيد الآن سيبقى هكذا طويلًا

سيأرق ويقرأ، ويكتب رسائل طويلة"

لكنّ "رسائل كورونا" لم تكن كذلك، بل جاءت على شكل جمل، وبرقيات، ونصوص، ويوميات، مؤكدة أن السحابة التي مرّت على عالمنا، وعبرت سماءه، تركت ظلال خطاها الثقيلة تسقط على أوراق الشعراء، والأدباء، وذاكرة الكون التي لم تستفق من هول الصدمة بعد!