نوافذ :هل كان باموق من المتعجلين؟

10 مايو 2023
10 مايو 2023

قبل أيام أعلنت منظمة الصحة العالمية انتهاء جائحة كورونا بشكل رسمي، التي لا أظن أن أحدا منا لم يتأثر بها بشكل من الأشكال.

كلنا مررنا بهذه التجربة، التي ستظهر آثارها أدبيا، وبشكل أكثر نضجا مما قرأناه في قادم السنين، فربما آنذاك سنفهم بشكل أدق ليس ما حدث فقط، بل وأثر ذلك على العالم؛ علينا كأفراد وكمجتمعات، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ومعرفيا حتى فلسفيا، فمن خلال هذا النوع من الأحداث، يكشف غور الإنسان ويعاد تشكيل العالم.

تصيبني الكتابة عن الأحداث الطازجة بشيء من الارتباك، إذ تثير لدي تساؤلات من قبيل، هل رؤية العمل تتخلق من الفعل أم أثره؟ وهل الأثر لحظي أم ممتد؟ متغير أم ثابت؟

فالكتابة عن حدث ما زال مستمرا يبدو كفعل غير متبصر، تحركه اللحظة الغامرة بكل كثافتها العمياء، مما يهمش التراكم المعرفي والإنساني الذي يشتغل عليه الأدب بوصفه طبقات متداخلة من التفكيك والتركيب، أو بوصفه عين سماوية ترى صورة أوسع وأكثر عمقا مما يراه العابر البسيط.

لذا عندما قرأت خبر نشر أورهان باموق روايته «ليالي الطاعون» أصبت بالدهشة وشيء من الارتباك، فهل يعقل أن يكون صاحب مقولة أن «من يكتب رواية أشبه بمن يحفر بئرا بإبرة» من المتعجلين؟

للوهلة الأولى قد يبدو الموضوع وكأنه كذلك بالفعل، إلا أن باموق كان مشغولا بفكرة الطاعون أو الوباء منذ أكثر من عشرين عاما، وقد صرح أنه ولسنوات كان يجري أبحاثا حول الأوبئة، الطاعون وغيره، وامتد فضوله للبحث في كيفية تعامل سلطات الدولة العثمانية مع الأوبئة، وهذا يعني فيما يعنيه كيف تعاملت مع العالم، أو كيف رأت نفسها وعلاقتها به وهي تتموضع جغرافيا وثقافيا بين الشرق والغرب.

يعلق باموق على اللحظة القدرية التي صادفت كتابته لآخر أجزاء الرواية مع جائحة فايروس كورونا فيقول: «وكأن الوباء خرج من الرواية إلى الحياة»، فكرة مرعبة أليس كذلك؟ ومجرد التفكير فيها قد يشل قدرات الكاتب عن المضي بها، أو ربما تغويه في الذهاب بها أكثر لفحص العالم الذي يعيش في دوامة لحظته الراهنة.

لكن هل تنبأ باموق بالوباء أم أن هذه الكتابة استشراف مبني على فحص لمعطيات محددة؟ واستنتاج قائم على قراءة عميقة للتاريخ؟ متكئة على الذاكرة والأراشيف والمدونات، المخزون الإنساني والمعرفي المسبق القياس، الذي تم فحصه واختباره مرات ومرات، مما يخرج الكتابة من كونها كتابة اللحظة العابرة، العجلى، إلى فكرة الرسوخ الأدبي، أو فلنقل إلى فكرة الأديب المدرك لدوره التنويري، الأديب الذي يأنف عن مقايضة الآني بالخلود.