نوافذ :مُموِّه محمود الرحبي وفخاخه

12 أبريل 2023
12 أبريل 2023

«المُموِّه» إصدار جديد للزميل العزيز محمود الرحبي، وهو نص ينطوي على الكثير من الذكاء والمفارقة والطرافة التي تتسم بها أعمال الرحبي عموما.

يقوم العمل على شخصية «المُموِّه»، الشخصية الفاشلة والعاطلة عن العمل، شاب يعيش وحيدا مع أمه، ولا ينجح في أي عمل يقوم به، حتى يقع على وظيفة مرافق لتاجر مخدرات، الذي يستثمر في مظهره المحافظ والمتناقض مع المكان، لتشتيت الانتباه عن الأعمال المشبوهة التي يقوم بها في علب الليل والخمارات.

مباشرة أوقعني محمود الرحبي في واحد من شراكه الكثيرة، فهو لا يكتفي بالاشتغال على فخاخه الطريفة داخل النص، بل أجده في «المُموِّه» قد تعمد أن ينصب أول فخ على عتبة غلافها الذي يصعب تسمية لونه، فلا هو أزرق ولا هو أخضر، بل قد يكون أزرق مموّه بالأخضر أو أخضر مموّه بالأزرق، ثم يأتي التصنيف، فقد صنف الرحبي عمله كرواية، بينما يستطيع القارئ أن يعرف ومنذ الوهلة الأولى لإمساكه بالكتاب، أن الكاتب يلعب على الفكرة والتصنيف، ليعزز مفارقة النص، القائمة على الاشتغال على تناقض الظاهر مع الباطن والجوهر مع المخبر.

لا يشي حجم الكتاب الصغير، الذي لا يتعدى الخمس وخمسين صفحة بأنه رواية، ولا تفترق الرواية عن القصة القصيرة بعدد الكلمات فقط، بل يميل الكثيرون لاعتبار هذا الشرط الحسابي، أي أن تكون أربعون ألف كلمة حدا أدنى لتصنيف أي عمل سردي كرواية، شرطا رأسماليا صرفا، فالرواية تمتاز بالإضافة إلى ذلك، بالتعقيد البنائي وتعدد مستويات الخطاب، وباستخدام الكثير من الحبكات الفرعية، التي تضفي الدلالات والأبعاد على الفكرة، وهذا ما لم يذهب إليه الكاتب ولم يحاوله.

يكمن جمال «المُموِّه» كنص في عفويته وبساطته التي لم تكن حتمية قطعا، بقدر ما هي خيار ذكي، إذ إن الفكرة في حد ذاتها ذكية وقوية وربما غير مسبوقة، وكان بالإمكان أن تحمل في طياتها الكثير من الطبقات، التي تستطيع حمل إسقاطات معاصرة كثيرة.

هذا التناقض بين تصنيف الكتاب على الغلاف وبين ما يوجد بين ضلفتيه، هو أيضا جزء من التمويه الذي اعتمده الكاتب، أي أنه جزء من اللعبة السردية نفسها، فالقصة القصيرة تتوارى خلف التصنيف «رواية»، بينما تنهض بجمالياتها داخل النص.

برأيي لا يحتاج محمود الرحبي أن يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، أي إلى الرواية، فهو واحد من أبرز كتاب القصة العرب، إذ وصلت مجموعتاه «لم يكن ضحكا فحسب» و«صرخة مونش» إلى القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة، وفازت مجموعته «ساعة زوال» بجائزة السلطان قابوس للآداب في أول دورة لها عام ٢٠١٢.