نوافذ: كلاب اسطنبول المشردة

04 أغسطس 2021
04 أغسطس 2021

لا يستطيع زائر لاسطنبول تجاهل عدد الكلاب الهائل الذي يتجول أو ينام مسترخيا في شوارعها وأزقتها، ولا يبدو المشهد جديدا، فقد وصفها الروائي الأمريكي مارك توين عام ١٨٦٧ بقوله: "تنام الكلاب في شوارع هذه المدينة، ولن تتحرك، حتى لو مر السلطان بجابها“. بل ويدعي أهل اسطنبول أنفسهم أن الكلاب سكنت التلال السبع، التي تقوم عليها المدينة قبل أن يعرفها البشر.

كنت أظن أن كلاب اسطنبول على كثرتها مجرد كلاب شاردة، غير منتبهة إلى أنها كلاب تحمل أيضا تاريخا من الصراع مع بلدية اسطنبول، والمدخل الذي أثار انتباهي إلى هذا الموضوع، لم يكن في رواية ” غرابة في عقلي ” لأورهان باموق، رغم أن ” مولود“ بطل روايته قد صادف الكثير من الكلاب والظلمة في حياته، من مبتدئها حتى منتهاها، كما أني لم أجد ذلك في أي رواية تركية أخرى، بل وجدت أول إشارة إليه في رواية ” رحالة ” للكاتبة البولندية ” أولغا توكارتشوك“، فقد اندست كلاب اسطنبول بين طيات السرد.

لا أستطيع تذكر السياق الذي دعى توكارتشوك، لذكر ما حدث للكلاب في عام ١٩١١، ونسبته لكمال أتاتورك، والأدق أن ذلك حدث في عهد السلطان محمد الخامس الذي حكم من عام ١٩٠٩ إلى عام ١٩١٨، إذ أمرت الحكومة التركية، بتجميع كلاب اسطنبول ووضعها في جزيرة سيفيريادا القاحلة، كان ذلك أشبه بالمذبحة، فقد نفق حوالي ٨٠٠٠٠ ألف كلب بسبب الجوع والعطش، أو الموت غرقا خلال محاولته الهرب من الجزيرة، أو اضطرارها لأكل بعضها بعضا، هذه المجزرة تعرف في تركيا باسم هيرسيزادا.

حاليا يبلغ عدد سكان اسطنبول حوالي ١٥ مليون نسمة، وتقول الإحصائيات: إن عدد الكلاب الشاردة فيها حوالي مائة وثلاثين ألف كلب، ولقد تعايش سكان المدينة وزوارها مع ذلك، إلا أن هناك دائما خطر فيروس داء الكلب، لذا كانت البلدية تعمد إلى تسميمها، واستمرت في ذلك حتى بدايات الألفية، إلا أن منظمات الدفاع عن حقوق الحيوان قادت بالإضافة إلى ناشطين حقوقيين، ومشاهير من الفنانيين، والمثقفين، والكتاب، والكثير من الأهالي، حملة مكثفة لحماية كلاب اسطنبول، من القتل وسوء المعاملة.

وفي عام ٢٠١٥ استجابت الحكومة التركية لهذه الضغوطات، ومررت قانون لحماية الكلاب، تلزم فيه البلديات باستحداث مراكز إيواء، وإعادة تأهيل الكلاب، فتقوم برعايتها، وتطعيمها وإجراء تعقيم طبي لذكورها.

قانون الكلاب التركي- بالإضافة إلى حبها للكلاب- ألهم صانعة الأفلام الوثائقية ”إليزبيث لو“، لإنتاج فيلم وثائقي بعنوان ” مشرد“، وهو عن كلاب اسطنبول، والرعاية الاجتماعية التي تحظى بها، وعلاقة أهل اسطنبول بها.

ورغم أن تركيا معروفة تاريخيا بزلازلها المدمرة بسبب موقعها القائم على صفائح تكتونية نشطة، إلا أن أهلها عزوا سبب الزلزال المدمر، الذي وقع في التاسع من أغسطس عام ١٩١٢، إلى مجزرة الكلاب التي وقعت قبلها بأشهر، إذ أن سكان اسطنبول يعتبرونها مخلوقات اجتماعية تعدو على أربع، وتقوم بحراسة شوارع اسطنبول، فوجب عليهم بالضروة حمايتها من قسوة البشر والحكومات.