نوافذ: ثقب الحنكليس

22 سبتمبر 2021
22 سبتمبر 2021

في رواية "من الظل" للروائي الأسباني "خوان مياس"، يسأل مقدم البرامج المتخيل الشخصية الرئيسة، عن أي سمكة تعبر عنه، أو تشبهه، سمكة القرش أم السردين؟ فيجيبه بأنه يشبه الحنكليس.

والحنكليس سمكة تعرف أيضًا بثعبان البحر، وغالبيتها ليلية؛ أي نادرًا ما تتم رؤيتها، ويعيش معظمها داخل المياه الضحلة للمحيطات في الرمال أو الوحل أو بين الصخور أو في الثقوب، التي تحدثها في رمل المحيطات.

لكن لماذا يشبه دميان لوبو، بطل الرواية، سمكة الحنكليس؟

يجيب لوبو المذيع الذي سأله "سمكة القرش لا تعبر عني، ينقصني عدوانيتها، أنا في النهاية مجرد شخص مليء بالوساوس، ولا تعبر عني السردين، لأني لست من القطيع". هذا جواب مختصر وبتصرف مني بالطبع.

الحوار المتخيل بين شخصيتين متخيلتين داخل رواية، أحالني للتفكير في الكثير من الناس، الذين يحبون أن يختبئوا في ثقوبهم الخاصة، ثقوب أحدثوها عن عمد واطمأنوا لها، فعاشوا فيها منشغلين بذواتهم، وبعيدين عن العالم، وهذا أمر حسن جدًا عندي، فالعالم ليس مكانًا سهل التواجد فيه، بل أنه يزداد سوءًا مع الأيام.

إلا أنه أحالني أيضًا إلى التفكير في الدول، وأقصد تلك التي لم تستطع أن تكون قرشًا كبيرًا في خضم موج المحيطات والبحار المتعالي، أو كي تلعب دور القوى العظمى أو ما قاربها، أقصد تلك التي تتنازع زعامة العالم بينها، فتلك خانة ضيقة جد، وتعيش على دماء الأبرياء، وأيضًا ليست من الدول التي تدعى أنها لا تريد أن تكون من ضمن القطيع، فتذهب حيث تذهب بقية الدول الصغيرة، التي لا تجد لنفسها مأمنا، إلا داخل سرب هائل من مثيلاتها المستضعفات.

البلدان الحنكليسية تفضل الاختباء في فجوة صغيرة من فجوات هذا العالم، وتعمل جاهدة على أن تنسى، ولأجل ذلك تحتمي بالتاريخ، بعيدة عن صناعة مستقبل يضطرها؛ لأن تكون من ضمن شبكة علاقات، ترغمها على اتخاذ موقف المع أو الضد، مكتفية بالحياد السلبي، أي بالمكوث داخل ثقب، مثل الحنكليس، تقتات على الهوام، رغم أن جسدها بإمكانه أن يخلق طاقة كهربائية صادمة، تؤدي إلى قتل خصومها، لكنها لا تفعل ذلك إلا في حالات الدفاع.

عندما يحاول مقدم البرنامج استدراج دميان لوبو، لحديث سياسي يقول إنه غير معني بالسياسة، فيحاجج مقدم البرنامج بأن السياسة تتغلغل في كل شيء، ولابد أن يكون لكل شخص رأي سياسي، إلا أن بطلنا يرد بهدوء بأن ذلك غير صحيح، فالرياضي والطباخ لا علاقة لهما بالسياسة، بل بالمطبخ والأطباق ونجمات ميشلين، وإحراز الأهداف أو الميداليات، ورغم أني لا أتفق معه في موضوع فصل الرياضة عن السياسة، فهناك شواهد كثيرة تبرهن عكس ذلك، إلا أني لا أعرف الكثير عن مواقف الطباخين.

بالعودة إلى تصنيف الأسماك، والحنكليس تحديدًا، أين تقف أنت عزيزي القارئ؟ وأين نقف نحن كدولة من هذا العالم؟ وهذا سؤال أطرحه أنا، لا مقدم البرامج في رواية متخيلة، وأطرحه على نفسي أولا، أين نقف نحن من هذا العالم، وأي سمكة تعبر عنا، وهل هناك خيارات أخرى؟ خيار رابع ربما، غير السردين وسمك القرش والحنكليس الذي يكتفي بالعيش في ثقب؟