نوافذ :الوقوع في فخ السرعة

30 مايو 2023
30 مايو 2023

Ashuily.com

«كيف تصبح مصمم جرافيك محترفا في يومين» هذا فحوى إعلان منشور على الإنترنت يدعو الناس إلى الانضمام إلى دورة تدريبية افتراضية على الإنترنت لمدة يومين فقط يصبحون بعدها محترفي تصميم، تساءلت، هل يمكن تعلم التصميم الجرافيكي الاحترافي خلال يومين أو أنها خدعة مثل الخدع الأخرى التي يحاول فيها البعض استغلال التقنية والسرعة لإيهام الناس بأنهم يمكن أن يقوموا بكل شيء خلال ساعات محدودة ابتداء من تعلم الطبخ وانتهاء بتعلم الطب؟.

متلازمتا التقنية والوقت أسهمتا في جعل الحياة سريعة، خصوصا الحياة الافتراضية على الإنترنت ووسائل التواصل وغيرها من التطبيقات، والبرامج التي تعد مستخدمها بالوصول إلى الاحترافية بمجرد تحميل البرنامج أو التطبيق أو مشاهدة فيديو قصير لا يتعدى الدقيقة الواحدة يصبح الشخص بعدها محترفا في المهنة أو الحرفة أو الهواية التي يرغب في ممارستها.

الكثير من العادات والمهارات اختزلت في دقيقة أو أقل في عصر التقنية والسرعة بإمكانك الاستماع إلى ملخص كتاب مكون من ٤٠٠ صفحة في دقيقة واحدة، بدلا من إهدار أسبوع كامل أو أقل في قراءته كاملا، وتعتبر نفسك أنك قد أصبحت في خانة القراء المثقفين عند استماعك إلى خمس دقائق لخمسة كتب مختصرة، أو أن تشاهد مقاطع فيديو قصيرة لمحترف في الطبخ، يقوم بإعداد وجبات مختلفة تعتقد نفسك بعدها أنك قد أتقنت كل الطبخ، ويمكن أن تكون طباخا محترفا، ويمكنك في العالم الافتراضي أن تكون متعدد المهارات والحرف بمجرد مشاهدتك لـ «ريل» انستجرام قصير أو «حالة» واتساب أو «تغريدة» تويتر أو مقطع قصير على تيك توك فيمكن أن تكون مصورا احترافيا ومهندسا ومتسابقا ومتسلق جبال وصحفيا وطبيبا ومحترف إعداد قهوة احترافية، وأكثر من ذلك بمجرد أن تتعرض لبعض المقاطع المنشورة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

لا جدال بأن عالم اليوم قد تطور وتسارعت أيامه ودقائقه، وأسهمت التقنية في اختزال الكثير من الوقت والجهد في تعلم الكثير من المهارات والحرف والمهن، لكن ما ينذر بالخطر هنا أن البشر لم يعد لديهم الوقت للانتظار، فهم يريدون كل شيء بسهولة ويسر، وعلى عجلة من أمرهم. الطالب يريد أن ينتهي من دراسته في أقل عدد من السنين بحجة أن المقررات الدراسية لم تعد تواكب الحياة الحديثة السريعة، ومن يريد أن يخسر وزنا أو يبني جسما لم يعد يطيق صبرا على التمارين اليومية الشاقة والحجة في ذلك أن ليس لديه وقت للرياضة، ويمكن أن يكتفي بإجراء عملية سريعة أو تناول عقاقير وأدوية تساعد على فقدان الوزن، والكاتب لم يعد يطيق صبرا لكتابة موضوع أو تقرير يستهلك منه أياما في البحث والتنقيب عن المعلومة، فيلجأ إلى مواقع الذكاء الاصطناعي التي تساعده أو تكتب عنه مادته.

هذه المخرجات من الحياة الجديدة لن تصنع جيلا قويا يمتلك الصبر والأناة والتحمل والقدرة على التفكير والتأمل والتدبر والعمل فكل شيء أصبح بالإمكان اكتسابه في أقل وقت، وبأقل مجهود وبات الجيل كله في عجلة من أمره لا يتقن عمل الكثير من الأشياء باحترافية عالية.

العرب القدماء قالوا منذ زمن طويل: إن «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك» في إشارة إلى أهمية الوقت والسرعة في إنجاز الأمور حتى قبل أوانها، لكنني وأجزم بذلك من أن قائل هذا المثل لم يكن يدور بخلده أن زمانا سيأتي على الناس يقطعون فيه الوقت متنقلين ما بين فيديو وريل وحالة وتغريدة معتقدين أن الوقت لا بد أن يستغل وأن استغلاله يكون بالتطفل على حياة الناس الآخرين ومشاهدة ما يطبخونه وما يعجنونه.