نوافذ : الـعـشـرون

08 مارس 2022
08 مارس 2022

Ashuily.om

أراني الآن في سن ابنتي الملتحقة بالجامعة حديثًا . أوراق مبعثرة وكتب متناثرة وأفكار مشتتة ودفق كبير للطاقة يتمنى أن يجرب كل ما في الكون، ويعرف كل ما في الوجود وأسئلة حائرة متطايرة تحوم في كل مكان عمن أنا، وكيف سأكون وماذا أريد، أسئلة تطرح على العقل لأول مرة في العشرين من العمر فقط أسئلة عن الذات والوجود والحاضر والمستقبل قد لا يجد كثير من الوالدين أو الأصدقاء إجابة عليها لكن الزمن في أغلب الأحيان كفيل بأن يجيب عن بعضها.

عتبات الحياة تبدأ مطباتها في العشرين، أول عتبة إما أن يرتقيها الفرد أو يقع فيها هي عتبة النجاح والفشل فالعشرون أو ما قبلها بقليل هي مفتاح لنجاح دائم أو فشل دائم أو ربما تكون صرخة الاستيقاظ من الفشل والبدء بالنجاح فهي عتبة وعقبة توقيت ظهورها هو العشرون ولا حدود لأفولها إلا بانقضاء العمر، وثاني عتبات العشرين تأتي الصناعة وأعني بها هنا صناعة الشخصية وصقلها وتنميتها وفيها يتحدد مسار شخصية الفرد أو الشاب، ولا يتأتى لهذه الصناعة بالاكتمال إلا إذا تم الاشتغال عليها من الداخل والخارج فالداخل يعنى بالروح وتنميتها وتهذيبها وصقلها وتعليمها وهنا تأتي أدوار ثانوية ورئيسية لتلعب دورًا محوريًا في تشكيل وتهذيب هذه الشخصية الداخلية. أما عن الصناعة الخارجية ويقصد بها بناء شخصية الفرد الخارجية فتأتي هنا في مرتبة ثانية تكون أقل أهمية من المرتبة الداخلية وتعنى هذه الصناعة الخارجية في تشكيل الفرد في علاقاته الاجتماعية وتعاملاته مع المجتمع المحيط به واهتماماته ومواهبه وهواياته وهذا ما يترسخ في العشرين من العمر ويبقى سائرًا مع الفرد خلال عتباته القادمة من العمر.

أنظر إلى الشباب اليوم فأجد أن كثيرًا من الأنوار قد انطفأت في داخلهم وكثير من المواقد قد خمدت خارجها، ترى أرواحًا هائمةً وأجسادًا واهنةً وعقولًا غير مشحوذة، تبدو للرائي وكأنها كهولة مبكرة وشيخوخة مستعجلة في الروح والجسد، لا ترى فيها غير الوهن في التفكير والضعف في التدبير وربما عندما أعود إلى نفسي لأقول إن ما أطلقه ليس تعميمًا ولا شملًا لكل من وصل إلى أعتاب العشرين أو تخطاها ولكنني هنا أتحدث بما أرى من حولي من حال وصل إليها بعض من شباب العشرين.

أدين للعشرين بكثير من الفضائل التي ما زلت إلى اليوم أجني ثمارها، ولولا العشرون لما تمكنت من اكتساب هذه الثمار والمزايا منها بدايات القراءة المتعمقة في الفنون والآداب وأنواع أخرى من القراءات تعمقت أكثر في مراحل تالية فصارت كالمخزون الجوفي لا ينضب معينه ولا يجف نبعه يلحقها تاليًا الكتابة حتى وإن كانت كتابات ليست بذات عمق أو محتوى رصين لكن العشرين كفيلة بإذكاء شرارة المعرفة وصقلها، ومما أدين به للعشرين الابتعاد عن كل ما يدمر الروح والجسد من مغريات الشباب وطيشه فالحياة بكامل الصحة النفسية والعضوية تبدأ من العشرين وتتشكل فيها وتُجنى ثمارها في عتبات العمر اللاحقة وهذا ما ألمسه اليوم مع كثير من الناس ممن فرط في عشرينيته وأسرف في تدمير صحته من ندم وحسرة على ما أقدم عليه في شبابه.

أدين للعشرين أيضا في السير في بقاع الأرض ورحابها والتعرف على ملكوت الله والكون وما خلق من كائنات وأناس تختلف طبائعهم وعاداتهم وثقافاتهم في أرجاء الأرض قاطبة، فالعشرون هي بداية لتشكل هذا المسير، وهي من أجمل لحظات العمر للاستمتاع بالحياة وزخرفها وفهمها والسير فيها.

أدين للعشرين بالكثير من الفضائل التي تعلمتها من الأسرة الصغيرة والكبيرة في القرية والمدينة والجامعة والنادي والعمل ولأصدقاء الشباب الذين لا يزالون هم خير الأصدقاء حتى اللحظة، أتذكر العشرين وكلي امتنان لما قدمته لي من أخطاء وعثرات وهفوات تعلمت منها أن أصوب ما استطعت وأتجنب ما قدرت عليه من هفوات وتعلمت أيضًا أن على كل فرد منا غادر هذه العتبة إلى عتبات أخرى أن يسرد وينقل تجربته ومعايشته لهذه العتبة لغيره من الأخوان والأبناء والأحفاد فلعل أجمل لحظات الحياة هي لحظة العشرين لحظات الشباب.