نوافذ :إفطار رمضاني
Ashuily.com
نفات مطر تجاهد في تأخير بدايات صيف لاهب، وحديث يعلو ويخفت بين الحاضرين هل نستمر أم علينا أن نقفل عائدين؟ زخات المطر تخفت فيتسمر الجميع في أماكنهم انتظارا لصوت «الله أكبر»، عادة رمضانية جميلة لازمتنا طوال 15 عاما تؤرخ لبدايات السكنى في حارة لم تكن كما قال أحدهم سوى «فلاة يعوي فيها الكلاب» حتى طالتها يد التعمير والبناء والتشييد فأصبحت واحة خضراء تنبض بالحياة وتدب في أوصالها أواصر المحبة والمودة والقربى.
رمضان هذا العام ساخن وبارد في الوقت ذاته، علمت أنه يهمز ويلمز إلى شأن آخر، فهذا دأبه في التعبير عن آرائه خصوصا السياسية منها فهو الجار المغرم بالسياسة ودهاليزها وأبوابها، يعرف ما انغلق منها وما قد ينفتح. ناقشته للإفصاح عن الحرارة والبرودة في رمضان، فقال: إن السودان حار جدا وملتهب تتعارك يمناه مع يسراه، وبدلا من التصفيق بيدين قد يصل به الأمر إلى بتر إحداهما، وثمن هذا البتر سيكون دم الشعب السوداني الذي لا ناقة له ولا جمل في صراع الجنرالين، أما البارد فالأخبار المتواترة من الجارة السعيدة اليمن، التي تحقق الوساطات العمانية والدولية فيها تقدما يثلج الصدر، وقد أفضى بعض وساطات الخير الرمضانية إلى تبادل للأسرى، والاتفاق على بعض التفاصيل التي نتمنى أن تفضى إلى سلام شامل يعم اليمن والمنطقة بأسرها.
التجمع الرمضاني أو ما يسميه البعض بالإفطار الجماعي عادة إسلامية تؤصل لكثير من القيم والسلوكيات الحميدة، وتغرس نباتا طيبا في البيئة التي تنبت فيها، وهذه العادة انتقلت مؤخرا إلى بعض دول أوروبا التي يعيش فيها المسلمون، حيث بدأت بعض الأندية الأوروبية في إقامة إفطارات جماعية مثل نادي تشيلسي اللندني وتوتنهام واستون فيلا، وقد تكون هذه المحاكاة في الإفطار هي من باب الدعاية لتلك الأندية التي تستهدف مشجعيها من المسلمين، لكنها تبقى شاهدا على الأثر الذي يتركه الدين الإسلامي على الآخرين. أحد الجيران علق على هذا الأمر قائلا: إن أداء تشيلسي هذا العام ضعيف فمنذ استغنائه عن مدربه توخيل وهو في تخبط مستمر، لكن إن كان المسلمون في أرسنال أو المان سيتي سيقيمون إفطارا جماعيا فسأكون مسرورا بحضوره.
التجمعات الرمضانية ليست للإفطار فقط فهي بمثابة استراحة من عناء الحياة يلتقي فيها الجيران والمعارف بعضهم ببعض يتشاركون الأفكار والموضوعات التي ليس لها علاقة بالأسرة أو العمل، وينخرط فيها الصغار والكبار في أحاديث جانبية كل حسب اهتمامه، منهم من يبحث عن تفاصيل لمرسوم زواج العمانيين من أجانب، ويمني نفسه بكثير من الأحلام التي يصعب رؤيتها من الداخل، لذا قد يكون الخارج ملاذا لتحقيق تلك الأحلام، والبعض يتحدث عن الباحثين عن عمل ولهاثهم في تعقب سراب الوظيفة، وغيرهم يتحدث عن الزكاة وفرضها والمستحقين لها، وغيرهم يرسم مسارات للمشي والرياضة، ومنهم من يعارض فكرة الأكل من المطاعم التي لم تعد مأمونة صحيا، وآخرون تجمعوا على صحن من حلويات رمضانية دسمة يقول أحدهم في نهاية الجلسة: «لا تكثروا منها فهي ترفع نسبة السكر، لكن مع كثير من القهوة قد تتقلص هذه النسبة، استمروا».
لدينا في حارتنا المحلل السياسي، وطبيب الأعشاب صاحب الوصفات السحرية في إعداد الشاي، والشيف الذي يهوى الطبخ، والمحلل الرياضي، وأستاذ اللغة العربية، والمؤذن، وإمام المسجد، والإعلامي، والمحامي، والمتقاعد، وطيف واسع من الشخوص، تشعر وأنت تجلس بينهم أنك في وسط محفل علمي وعملي يضج بالعلم والمعرفة، يأتلفون على حب الخير والعطاء وينشدون التعاون فيما بينهم، ولا يجدون ضيرا في تعمير طريق أو إعمار مسجد أو زيارة جار عليل أو التصدق على جار معوز هم كما قال رسولنا الكريم «كالجسد الواحد».
