نوافذ : إجماليات الأشياء وتفاصيلها
shialoom@gmail.com
يقال في المثل: "خير الكلام ما قل ودل" أي (إجمال الأفكار) ولكن هذا الإجمال يقابله غموض؛ في كثير من الأحيان؛ ويتعمق هذا الغموض عندما يتعمد صاحب المعرفة بإخفاء حقيقة ما، أو معرفة ما، أو تفاصيل ما، عن أمر هو من الضرورة لأن يكون متاحة فيه المعرفة للجميع، بينما تذهب التفاصيل عن أمر ما إلى بسط المعرفة، وإن يرى البعض أن في الكثير من التفاصيل تشويه للحقائق، وأن كثرة التفاصيل تبقى مآلات متاحة لخوض العامة فيما يعلمون وما لا يعلمون.
هل هناك إشكالية موضوعية في العلاقات تذهب إليها مظان الإجمال أو التفاصيل عند التعاطي بين أي طرفين؟ لأن ما يحدث أن هناك من يقف كثيرا على التفاصيل، ولا يكتفي بالمجمل، بينما فريق آخر على العكس من ذلك تماما؛ حيث لا تهمه التفاصيل، ويكتفي بالعناوين العريضة من معرفة الأشياء، وأتصور أنه من هذه الناحية تتفاوت معارف الناس عن أمر ما، وبالتالي فكثيرا ما يحدث أن الذي لا تهمه التفاصيل في موقف ما؛ العودة للوقوف على تفاصيل حدث ما، وربما قد يفوته ما كان متاحا له في لحظة ما، فتتعقد؛ عندها؛ وسائل الوصول، ويكون البحث مضنيا عند الحاجة، وأقرب مثال على ذلك: أنه في أعمارنا الصغيرة لا نهتم كثيرا بالتفاصيل التي يقف عندها كبار السن في الأحداث والمواقف: إما للنصيحة، أو للعبرة، أو للمعرفة، وقد نغالي في الإهمال، ونرى في ثرثرتهم شيئا من الضجر، وتكون ردة فعل هذا الإهمال عندما نصل إلى مستوى متقدم من العمر، حيث نفتقد الكثير مما كان يروى، ويقال، ونعض يد الندم على ذلك، ونقول: "يا ليتنا كنا نسمع، أو نكتب، أو نحفظ" عندها ندرك أن التفاصيل التي غيبناها عمدا هي مهمة اليوم.
وفي مواقف كثيرة تصدمنا التفاصيل، ونطرح أسئلة استغرابية: أيعقل أن يحدث هذا؟ وخاصة إذا ارتبط الأمر بشخص نعرفه، أو بأمر له علاقة ما بحياتنا اليومية، ويقفز هذا الاستغراب على سطح الاهتمامات في جانبيه السلبي والإيجابي، فليس المثيرات هي التداعيات السلبية فقط، فحتى البناءات الإيجابية تثير فينا قلق الاستغراب، أو التساؤل، أو الدهشة، فحياتنا؛ في الأساس؛ مرتبطة بدهشة المواقف، وبحيوية الأسئلة، وهما الأمران اللذان ينثران التفاصيل في خواتيم الأمور، ومن هنا أيضا تتأصل المعرفة، وتتراكم الخبرة، فالمعلومة هي الحاضنة لكل ذلك، والمعلومة لن تتعزز بإجماليات المعرفة، فكل محطة لأي معرفة تحتاج إلى تفاصيل، ولذلك يجهد العلماء كثيرا، ويتعبون لكي يصلوا إلى تفاصيل الأحكام، ومظان حقائق المعارف في كل شؤون الحياة، ومن هنا يجيئ النص القرآني الكريم: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؛ إنما يتذكر أولوا الألباب). – الآية (9)؛ الزمر -.
ما نعرفه عن التفاصيل أنها متعبة، وقد تحدث في المتلقي الكثير من الارتباكات سواء في المواقف، أو في القناعات، بينما إجمال المعرفة عن الأحداث لا يكون لها ردة الفعل هذه، وقد لا تستدعي الطرف المتلقي لأن يقف كثيرا لمعرفة المزيد عن الأمر المتحدث عنه، أو المطروح للنقاش، وكثيرا ما نتفق مع همس الأنفس ونقول: "ماذا يهمنا في هذا الأمر؟" وعندما يلفت انتباهنا أحد ما بأن في هذا الأمر تفاصيل مهمة، عندها ندرك أننا وقعنا في مأزق الجهل، وإلا ماذا يضيرنا لو عرفنا تفاصيل أكثر عن هذا الأمر أو ذاك.
