موسوعة الأثر الثقافي العماني في إفريقيا

02 أغسطس 2021
02 أغسطس 2021

ربما تكون هناك حاجة بحثية للتعريف بالأثر الثقافي العماني الذي خلفه أجدادنا في القارة السمراء. وهو لاشك أثر كبير وموزع بين العديد من الكتب، يشكل بدوره موسوعة مفرقة في مجالات لاتقف عند حدود الأثر المكتوب، لتتجاوزها إلى الآثار المادية الملموسة، سواء كانت عمرانية أو حتى زراعية وبيئية. كتب كثيرة صدرت في هذا المجال، ولكن هناك حاجة لجمعها في سياق منسجم، كما حدث لمجموعة من الموسوعات التي صدرت تباعا في أكثر من حقل معرفي وطبيعي.

أحد هذه الكتب المهمة التي صدرت عن الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، كتاب بعنوان «العمانينون وأثرهم الثقافي والفكري في شرق إفريقيا» للدكتورة هدى الزدجالية. وهو مسح واف لمائة سنة تمتد من 1870 إلى 1970 حيث جاء الكتاب في 652 صفحة سلطت فيها الكاتبة الضوء على مختلف الجوانب الحضارية والثقافية لهذه المرحلة، حيث امتدت خارطة الدور العماني لتشمل اللغة والآثار والمدارس والمطابع والبعثات التعليمية الخارجية وأبرز الأعلام العمانيين الذين حفروا أسماءهم في جبين تلك المرحلة مثل مبارك بن راشد المزروعي وبشير بن سالم البرواني ومحمد بن جمعة المرجبي وآخرين. كما تطرق الكتاب إلى علاقة العمانيين الزنجباريين برواد حركة الإصلاح في العالم الإسلامي كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا وغيرهم. وكان من أبرز هؤلاء العمانيين الزنجباريين الشيخ على بن محسن البرواني الذي كان له دور فاعل في ربط علاقات دولية بزنجبار، تقول الكاتبة عنه: «كان علي بن محسن البرواني عام 1954 ممثلا للعرب في المجلس التشريعي، ثم انضم للحزب الوطني الزنجباري وتولى مناصب عدة في وزارة التعليم ثم الداخلية وأخيرا الخارجية، وعرف خلال تلك المراحل بإصلاحاته. ولما انضم للخارجية التقى بالعديد من القادة والسياسيين مثل الملك الحسن، ونهرو، وجمال عبدالناصر، والحبيب بورقيبه، وأحمد بن بلا، والجنرال أيوب خان، وأنديرا غاندي وغيرهم».

الكتاب كذلك اشتمل– وتحديدا في فصله الأخير- على مجموعة مهمة من الوثائق التي كانت منشورة في رائدات الصحف العربية في ذلك القرن، مثل صحيفة الأمة الجزائرية التي كانت تنقل أخبارا عن مجلة الفلق، مما يدلل على أن الصحف العمانية في زنجبار تشكل مصدرا واسعا للأخبار. كما استعرض الكتاب نماذج للكتب العربية التي طبعتها المطبعة السلطانية بزنجبار ومن أبرزها كتاب هيمان الزاد إلى دار الميعاد للشيخ العلامه محمد بن يوسف أطفيش. كما يشتمل الكتاب على وثائق نادرة تعكس التفاعل الثقافي العربي والغربي الذي أحدثه العمانيون في زنجبار، مثل صحف أوروبية كانت تنشر أخبارا عن العمانيين وصحف مصرية كصحيفة الهلال، حيث نقف على رسالة بعثها جورجي زيدان رئيس تحرير جريدة الهلال يومئذ إلى السلطان علي بن حمود البوسعيدي، ومن أكثر الأمور الملفتة كذلك أن الخط العربي كان هو الخط المعتمد حتى في كتابة الرسائل الزنجبارية، ومن الصور الجميلة كذلك تلك الصورة لأول مشرفتين طلابيتين عمانيتين في عام 1960 وهما علياء بنت محسن البروانية وريا بنت سليمان الريامية. وذلك أثناء ترأسهما لبعثة طلابية في بعثة من زنجبار إلى القاهرة، مما يدلل على حس التحضر الثقافي الذي تركه أهلنا العمانيون في موطنهم الإفريقي. وأن إقامتهم لم تكن إقامة استعمارية كما يروج البعض، وليس على غرار ما فعله الأوروبيون من تفقير وتجهيل وتجريف أثناء وجودهم في القارة السمراء، إنما أشعل العمانيون أضواء الحضارة هناك، كما ساهموا في نشر تعاليم الدين الإسلامي السمحة في كل البقاع التي مكثوا فيها. ناهيك عن تفاعلهم الثقافي والبيئي الذي يصعب حصره إلا في مجلدات وسلاسل معرفية، يبدو أنه من المهم الالتفات إليها تحت لافتة الأثر العماني في زنجبار، وهو أثر يشتمل على مختلف مناحي الحياة ولا يقف عند الحدود الثقافية بل يتجاوزها إلى العمران، إذا استحضرنا عدد المباني التي تركها العمانيون والتي حاول الكتاب أن يحيط بالكثير منها. المجهود الذي قامت به الدكتورة هدى الزدجالية يستحق الثناء نظرا لاجتهادها في الإحاطة بمختلف جوانب الموضوع، وتعمقها في البحث فيها.